23 ديسمبر، 2024 1:32 ص

موسم الهجرة الى الرياض!!

موسم الهجرة الى الرياض!!

سأستفيد من رواية الكاتب السوداني الكبير الطيب صالح (موسم الهجرة الى الشمال)، وأستعير منها عنوانها فقط، بعد إستبدال كلمة الشمال بكلمة (الرياض)، لأني لست معنياً بأحداث هذه الرواية وتفاصيلها التي تقترب من سيرة الطيب صالح نفسه، سواء أفي إقامته سبع سنوات في بريطانيا ونيل شهادة الدكتوراة، أم في عودته لقريته في السودان، والتقائه بمصطفى سعيد..! وما جرى في الرواية أيضاً من أحداث لا يفيدني المرور عليها في هذا المقال، إنما أردت فقط الإشارة الى أن ثمة موسماً آخر للهجرة يحدث اليوم على أرض الواقع السياسي العراقي وليس فقط في مخيلة وسيرة الروائي المدونة في تلك الرواية العربية الفخمة.. وأقصد بذلك موسم السياسيين العراقيين المتهافتين على الهجرة نحو (الرياض)، واللقاء بقادة العقيدة الإرهابية الوهابية.. ومن ثم التنازل عن منظومة كاملة من القيم والأعراف.. يأتي في مقدمتها الكرامة الوطنية، وفي آخرها التعامل بالمثل !!
وللحق، فإن ما حدث من تنازل مذل ومخجل خلال إسبوعين فقط، لايمكن أن يحدث خلال أجيال ودهور، إن جمعناه يوماً يوماً من حياة السياسيين العراقيين.
فوزير الخارجية الدكتور إبراهيم الجعفري زار الرياض مرتين خلال أيام قليلة جداً -وليس مرة واحدة فقط- دون أن يأتي وزيرخارجية المملكة الوهابية الى بغداد نصف مرة، بل أن الوزير السعودي الخرف لم يعد وزير خارجيتنا بزيارة ودية للمجاملة. وقبل أن ينتظر رئيس الجمهورية فؤاد معصوم ما سيحصل بعد الزيارة الأولى للجعفري الى الرياض، وإنتظار زيارة مماثلة من أي مسؤول سعودي لبغداد – حتى لو كان الزائر السعودي بمستوى قائمقام قضاء (عفچ)، قام رئيسنا المفدى من باب حسن النية -أو من باب الشرجي لافرق- بزيارة السعودية مستصحباً معه وفداً وزارياً أمنياً عالياً.. ولم يكتف فخامة الرئيس بهذه المبادرة العوراء -زيارة من طرف واحد- إنما أطلق معها وعداً خطيراً مفاده أن العراق يدرس أمكانية تنفيذ طلب الحكومة السعودية بإطلاق سراح المجرمين السعوديين المسجونين في السجون العراقية !!
وبعد وزير الخارجية العراقي الدكتور -أبو احمد- والرئيس فواد معصوم، بادر في نفس الفترة، رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري لزيارة الرياض أيضاً -ومفيش حد أحسن من حد- المصيبة أن الجبوري إصطحب معه نائبيه في رئاسة المجلس..!!
وقبل أن نبدأ حديثنا عن هذه الزيارات المفاجئة، دعوني أكمل لكم قائمة (حجاج) الرياض، إذ قام معالي وزير الشباب عبد الحسين عبطان بزيارة الرياض أيضاً. وذلك بمناسبة بطولة الخليج العربي، مصطحباً معه فيلقا من الزائرين، ضم عدداً كبيراً جداً من (جماعة الكلشي)، كان من بينهم حسين سعيد واحمد راضي وغيرهم من الورود (الوطنية) العطرة !!
والمؤلم أن وزير الشباب ظل محتبساً في البصرة لأكثر من أسبوع بإنتظار فيزا السعودية.. (شلون إحترام كبير..!)؟ كذلك فعل الملا عبد الخالق مسعود، فقد وجد في بطولة الخليج التي تقام في السعودية (عيد وجابه العباس النه) فأخذ معه عدداً كبيراً من اللاعبين، وغير اللاعبين. كل هذه الوفود الفخمة والضخمة تذهب الى الرياض متدافعة ومتسارعة، في فترة لم تتجاوز الشهر الواحد من أجل شيء مجهول تماماً، إذ لا أعرف سبباً واحداً لهذه العجالة، ولهذا التهافت غير المنطقي، وهذا الزحام المعيب على أبواب الوهابية الكريهة.. وكأن الحدود العراقية السعودية كانت مغلقة وقد فتحت اليوم لمدة محددة وقصيرة، مثلما يحدث في معبر رفح حيث يتدافع الفلسطينيون للعبور قبل إنتهاء الفترة المحددة
والسؤال: لماذا كل هذا التدافع.. وهذا التصارع على باب الملك الوهابي.. وما هو المتغير الجذري في سياسة السعودية كي تجذبكم نحو أضوائها. والسؤال الأهم عندي هو هل زاركم أحد من المسؤولين السعوديين.. يامن تتسابقون اليوم على زيارتهم، وتتقاتلون من أجل الحصول على كأس رضاهم.. وهل فتحوا سفارتهم المغلقة في بغداد، أو هل تعاملوا مع قضيتكم، ودماء أولادكم بإحترام يليق بقدسية الدم العراقي.. وقبل ذلك، هل إعتذر لكم أحد منهم عن الأموال التي يبعثونها لتمويل القتل في العراق.. وإذا كنتم لا تصدقون حكاية تمويل السعوديين للإرهاب الدموي في بلادنا، تعالوا نقرأ سوية هذا الخبر الذي بثته أكبر الوكالات في العالم، وأدقها مهنية، حيث يقول الخبر: (نقلت وكالة أسوشيتدبريس، إن السعوديين يدفعون ملايين الدولارات إلى المسلحين السنة في العراق، وإن قسما كبيرا من هذه الأموال يدفع لشراء أسلحة، بما في ذلك الصواريخ المضادة للطائرات..!! وأشار تقرير بيكر وهاملتون عن الوضع في العراق إلى أن السعوديين يشكلون مصدراً مهماً ورئيسياً من مصادر تمويل المسلحين السنة. وأكد سائقو شاحنات استطلعت أسوشيتدبرس آراءهم نقل صناديق محملة بالأموال إلى العراق، مشيرين إلى أنها تأخذ طريقها إلى المسلحين…
وفي واقعة حدثت قبل أيام، قال مسؤول عراقي إن ما يعادل 25 مليون دولار من الريال السعودي سلمت إلى إمام سني كبير، واستخدمت في شراء أسلحة، بينها صواريخ محمولة على الكتف روسية مضادة للطائرات، وقد “تم شراء هذه الصواريخ من شخص في رومانيا عن طريق السوق السوداء”..