دأبت الدول على تنظيم مواسم مختلفة في مدنها ومحافظاتها، قد يكون منها الفني والثقافي والتجاري والديني وغيرها..
لكننا في العراق اليوم نعيش موسماً من نوع آخر، موسماً سمته التسريبات الصوتية والفديوية والوثائق التي تنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي عبر تمريرها لعدد من الصحفيين المعروفين والمتابعين على منصات التواصل بهدف نشرها بأوسع نطاق ممكن.
هذه المقاطع والمعلومات التي يتعلّق أغلبها بأعلى مستوى في السلطة السياسية العراقية والدائرة المحيطة بها بدأ سوقها مع قضية رجل الأعمال العراقي نور زهير المتهم بما سمّي بـ(سرقة القرن) والتي تقدر قيمتها بـ(3 ترليون دينار عراقي)، وهنا بدأ الحديث عن الأسماء المرتبطة بهذه القضية والتي طالت مستشار رئيس الوزراء السابق هيثم الجبوري ومدير مكتب رئيس الوزراء آنذاك القاضي رائد جوحي، ثم تفاقمت الأمور بعد ظهور المتهم نور زهير عبر قناة الشرقية ملمحاً لأسماء وشخصيات تقاضت من أموالاً كرشوة مقابل أيقاف الحملة المتعلقة بقضيته أو مساعدته في القضية التي يقول زهير أنها ليست قضية من أساسها وأن العملية مفبركة لغرض إبتزازه مالياً.
وفي العموم خرج زهير من السجن بكفالة لحين إعادته للأموال المأخوذة من صندوق الأمانات الضريبية. لكنه لم يرجع الأموال ولم يحضر المحاكمة فيما هرب رائد جوحي إلى الولايات المتحدة التي يحمل جنسيتها وخرج النائب السابق هيثم الجبوري من السجن بعد تسديده جزء من الأموال المأخوذة من قبله في هذه العملية.
بعدها ألقي القبض على شبكة مختصة بالتجسّس والابتزاز قيل أن من يرأسها معاون مدير عام الدائرة الإدارية في القصر الحكومي محمد جوحي والذي حملت الشبكة أسمه –شبكة جوحي- وهنا كانت المفاجأة الكبرى.
فالسيد جوحي كان مسؤولاً ومنذ تسنمه منصبه عن شبكة كبيرة من الموظفين في عدة دوائر حكومية منها أمنيّة تتولى عملية التجسّس على شخصيات سياسية تنتمي لأحزاب وكيانات سياسية وعلى أعلى المستويات، الأمر الذي أثار تساؤلات عن طبيعة العلاقة بين السيد جوحي ورئيس الحكومة السيد محمد السوداني لاسيما وأن جوحي كان يتمتع بصلاحيات كبيرة جداً مكنته من ترتيب هذه الشبكة وتوظيفها لتحقيق مكاسب مالية وسياسية قيل أنها مرتبطة بجهات خارجية.
هنا كان للإطار التنسيقي المسؤول عن تشكيل الحكومة موقفه، إذ تم استدعاء السوداني وقيل أنه طولب بتقديم استقالته لكن في النهاية تم ترتيب الأمر بأن ينهي السوداني ولايته دون أن يرشّح لولاية ثانية وأن تتم معالجة شبكة جوحي قضائياً.
لكن القضية لم تقف عند هذا الحد، واستمرت المعلومات تظهر بين الحين والآخر عن هذه الشبكة وخيوطها والشخصيات المرتبطة لها والتي وصلت إلى شقيق رئيس الحكومة المختفي حالياً -يقال أنه في تركيا- واسمه “حيدر” والسكرتير العسكري لرئيس الحكومة عبد الكريم السوداني.
فيما باتت المقاطع الصوتية والفديوية والوثائق المرتبطة بالدائرة الضيقة لرئيس الوزراء بل بهاتفه الشخصي مشاعاً على منصات التواصل الاجتماعي وتنشر بشكل شبه يومي.
ويقال أن طموحات السوداني بولاية ثانية لم تنته رغم تعهده لقادة الإطار التنسيقي بذلك هي الدافع خلف نشر هذه التسريبات، إذ تحاول جهات سياسية تبديد هذه الطموحات عبر هذه التسريبات والتي شوّهت صورة الحكومة بطريقة كبيرة جداً وأنهت تلك الصورة التي حاولت رسمها طوال الأشهر السابقة من حيث كونها حكومة الخدمات والإعمار، إذ طغت المقاطع الصوتية والفديوية الفضائحية –إن صح التعبير- على صورة الطرق والمجسرات التي لطالما سوقتها الحكومة باعتبارها إنجازات غير مسبوقة.
وبات للمتلقي والمتابع لهذه التسريبات وكأن الحكومة الحالية هي حكومة الفساد والابتزاز غير المسبوق على الرغم من أن ما تم التصريح به من حيث القيمة المالية هو ليس الأكبر في العراق.
إذ تشير تقارير منظمة الشفافية الدولية إلى أن العراق وخلال الأعوام (2006-2014) فقد ما يصل إلى (350) مليار دولار من أمواله دون معرفة أين ذهبت أو بدّدت.. بالتالي فما فقده العراق خلال عمر حكومة السوداني ليس الأكبر.. لكنه حظي بتغطية إعلامية أكبر ويبدو أن غاياته سياسية لا غير ذلك.