عملية متوارثة من خلف لسف بمتليلي الشعانبة وباقي ربوع تراب ولاية غرداية وصحاريها
الجــــز أو الـــــــــــــدزاز:
موعد الجز هو ساعة إلاعلان لبداية الإحتفال بفصل الربيع وجوه البديع وموعد رحيل البدو نحو الصحراء بالجنوب الجزائري الشاسع بما بعرف بالمرحول..
مـــدخـــــــــل:
جز الصوف:
يشكل موسم جز صوف المواشي فرصة للمربين ولكاسبي المال كما يعرف محليا بمختلف مناطق ربوع ولاية غرداية خاصة وبجنوبنا الكبير عامة. وذلك لإحياء عادات وتقاليد شعبية إجتماعية. ثقافية متوارثة وسط أجواء من المودة والمحبة والتضامن. ويجمع هذا الحدث السنوي الذي لا زال يحتفى به رغم ما تفرضه الحياة المعاصرة من إكراهات عديد مربي الأغنام الذين يحذوهم الحماس الفياض والتآخي في إطار ما يعرف إجتماعيا بالمعاونة (العمل الجماعي التطوعي, التضامني) للقيام بعملية جز صوف الأغنام.
الجز أو الدزاز هي عملية قص الصوف من الماشية لقطيع الغنم نعاج وماعز وإبل، يرتبط أصلا موسم الجز من وجهة نظر شعبية ذو قيمة إجتماعية وإقتصادية ومن منظور علمي أكاديمي وأنثروبولوجي بالبيئة الإجتماعية والتاريخية والثقافية للموروث الشعبي بطقوس بدوية متبوعة بأهازيج تعود إلى التاريخ القديم والحياة البدائية التي تسيطر عليها العادات والتقاليد السائدة، حيث يكون لكل موسم موعده وحكاياته الشعبية المتوارثة أبا عن جدا ويختلف من منطقة إلى أخرى.
اذ يتم جز الأغنام للمنفعة لأسباب مادية إقتصادية وصحية للأغنام.
وعادة ما تتم عملية جز الغنم في فترة تتقارب فيها نهاية فصل الربيع مع بداية فصل الصيف بمشاركة المربين والأهالي والأحبة والأصدقاء والضيوف المدعوين بشكل جماعي للقيام بها في الهواء الطلق بنقاط تقع عموما على مستوى مناطق الرعي وتخييم المربين. وتعتبر عملية جز الصوف تقنية ضرورية وملزمة من أجل صحة كل حيوان يحمل الصوف.
إذ باتت عملية الجز وموسمه الربيعي, تعرف كل سنة تحسنا ملحوظا وتقدم عن السنوات الفارطة من جهة إلى أخرى تطورا عدة وعتادا، ألات ومعدات و من موال إلى أخر من حيث التحضير والقيام بمراسم الإحتفالية الخاصة به، التي تميزه عن البقية .
ومن جهات البدو الرحل الشهيرة بعملية الجز و موسمه، نجد قبائل عرش الشعانبة وباقي العروش منها عائلات متليلي قلعة الثوار الأشاوس, وسبسب و الجديد , إضافة إلى أهالي العطف ,المنصورة حاسي لفحل, زلفانة و ضاية بن ضحوة بربوع صحراء الجزائر, صحراء الشبكة بولاية غرداية بتراب بلدية متليلي الشعانبة خصوصا.
متليلي الشعانبة وضواحيها الشبكة الضاربة في أعماق الجذور لا تمحى من الذاكرة الشعبية ولا من الخرائط الجغرافية من ضاية أم الرانب – قوفافة –زرقون – غريس –حاسي بن حموة -الطويل –لفنار. فج النعام -الخبنة.أم سديرة -لكساكيس إلخ….
صحراء متليلي المدينة التاريخية الثورية, مدينة الثورات الشعبية عبر العصور الغابرة ,القابعة في الجنوب الجزائري ,التابعة لولاية غرداية جوهرة الواحات عاصمة وادي ميزاب الحاملة للرقم التعريفي الولائي 47.
متليلي الشعانبة التى يعطى أهاليها عامة من البدو الرحل الموالين خاصة أصحاب قطيع الماشية ورؤوسه المكتسبة بحظيرتهم، أهمية كبرى لموسم الجز وفصله الربيعي. موعد الرحيل والحطوط كما يقال بالعامية (الحطوط هو النزول بمضارب الإقامة).
ويبدأ موسم الجز وموعد الرحيل بداية مع مطلع فصل الربيع بداية إعتدال الحرارة وينتهي نهاية شهر ماي ببداية إرتفاع الحرارة وتمكين الغنم المجزوزة من التحمل والتأقلم مع المناخ حسب المختصين، إذ تبدأ العملية بالتحضير والإستعداد للإنتقال من ضواحي المدينة للقاطنين بها أو المتجولين بأماكن الرعي ومراعي الكلاء عبر فيافي الصحراء الشاسعة ومضاربها المترامية بأعماق صحرائنا وأطرافها المترامية.
ينطلق موسم الجز كما سلف بإستعداداته وتحضيراته المادية والإجتماعية من وسائل ومعدات ويعتبر موسم الجز في حقيقة الأمر من حيث التكاليف والتجهيزات بمثابة عرس شعبي تقرع له الطبول في غير فصولها المتناقلة هنا وهناك عبر المضارب المنتشرة بالفيافي والوديان والشعاب.
وتنقسم عمليات الجز إلى ثلاث عمليات أولها الفردية الخاصة بصاحب القطيع والثانية عائلية تخص فقط أهالي العائلة والثالثة جماعية والتي تخص جميع الموالين كاسبي الغنم والبدو الرحل المجاورين خاصة المعسرين. في جو عرس بكل الطقوس والتقاليد والأعراف بأهازيج وما يواليه.
وللجز (الدزاز) طقوسه الخاصة بحيث توزع فيه الأدوار على مختصي الجز كل وحسب قدرته وخبرته. فهناك من يتولى مهمة جلب الأغنام من الحظيرة ويسلمها لمن يمسكها ويربطها وتهيئتها للجز وهناك من يتولى مهمة جز الأغنام ببراعة ودقة وتقنية مكتسبة، وهناك من يتولى مهمة توفير الإحتياجات اللازمة للجز.
وعشية موسم الجز يتم إستقبال الوافدين من ضيوف ومعارف وعمال ومتعاونين للقيام بالمهام الموكلة إليهم وتجار، أين تقدم لهم إكراميات واجب الضيافة في ليلتهم الأولى على أنغام الناي وسمر ضوء القمر المشع وجمر حطب العمري أو الرتم اللامع تحت إبريق الشاي، في جلسة فنية سواء بدوية أو روحانية صوفية بمدح قصائد وأذكار تهليل وتكبير وتصلية وتسليم على الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه في جو سماع صوفي في جو مفعم إيماني.
وبصبيحة الحدث تستعد النساء حرائر العرش باكرا. مشمرة على سواعدهن و تشرعن في إعداد ما لذ وطاب من خيرات الطبيعة وكرم البادية بالصحراء من أطباق بداية من بطانة التمر سواء غرس أو أزرزة و طبق الرفيس و شكوة اللبن وعكة السمن الدهان البلدي المعروف بدهان الشعانية و العسل أو الرب من معجون التمر و خبز المطلوع أو الكسرة المعروفة بخبزة الملة و الرضاف وخبزة الشحمة, دون نسيان طبقة و غرفيات ( زلافة ) الروينة ( الزميتة وما مالها من بنة ونكهة).
ويتولى صاحب القطيع ذبح ما يكفي لإطعام الضيوف والوافدين من مأكل و شواء.
وإستعدادا لليوم المعلوم كما يعرف عند كبار القوم من السلف تبني بعض الخيام لإستقبال الوافدين حسب سعة عدد الحضور والتي غالبا من تكون من الحجم الصغير تعرف بإسم العشة أو نصب البيت ( الخيمة ) كما يعرف في عرف الجماعة حسب عاداتها وتقاليدها المعمول بها والتي لا يحيد عنها الخلف بحضور الكبار والشيوخ من الوجهاء و قادة الموسم.
حتى يكرم ضيوفه في هذه المدة فهم نزلاء عنده. يصل الجميع عادة مساء ويبيتون الليلة هناك وما أدراك ما هذه الليلة التي يجتمع فيها الجميع وترتسم فيها حلقة ذِكرٍ يزينها المشايخ والحكماء من كار القوم وأعيان وأرباب الخيم.
وبطلوع النهار وحضور الجميع وتهيئة المكلفين بعملية الجز وتحضير المعدات من أمقاص وسكاكين وأكياس وحبال وخيوط للربط، تجلب الغنم الواحدة تلو الأخرى تباعا بين عدد المكلفين حتى يتمكنوا من جز أكبر عدد في اليوم المعلوم، وتتواصل العملية إلى وقت الضحى فترة الإستراحة وأخذ وجبة الضيافة من تمر و رفيس و خبز و من باقي الأطباق التقليدية البدوية المعدة لمثل هاته المناسبات منها المردود, الدشيشة, التديبة, و طبق الدوارة و الملفوف, و المغلوقة مرفوقة بطاس اللبن بالعرعار وكؤوس الشاي بالنعاع على الجمر.
وتنطلق عملية الجز ( الدزاز ) على بركة الله حسب الأنواع التالية:
أنواع الجز: وحسب ما علمناه من المربين عموما والمختصين خصوصا يتم الجز على ثلاثة أنواع
أولاً: جز أغنام التسمين ويتم ذلك لسببين:
– مقاومة الطفيليات الخارجية .
ثانياً: جز أغنام التربية، يتم بدءاً من منتصف أفريل في المنطقة مرة واحدة.
ثالثاً: يمكن جز الخراف المنتجة لتكون أمهات وكباش تربية في المستقبل وذلك في أشهر الصيف، عند إرتفاع حرارتها.
الشروط الواجب مراعاتها عند جز الأغنام:
يعتبر الجز أصعب العمليات المتعلقة برعاية الأغنام وهو يحتاج إلى دراية وخبرة ومهارة مكتسبة، يقوم بعملية الجز عمال متخصصون، ويجب مراعاة الشروط التالية عند القيام بالجز لكي لا تصاب الأغنام بأي خدش وجرح يسبب لها الضرر خاصة تعفن الجرح في فصل الحر و لكي لا تنخفض قيمة الصوف المحص عليه وهي:
-يجب إجراء عمليات الجز والأغنام جافة تماماً و يمكن جو الصوف وهو رطب لكي لا يكون عرضة للتعفن وقد تتحلل كميات منه مؤدية لخفض قيمته الإقتصادية. والمادية
-إزالة بقايا الفضلات الروث الجاف وباقي المواد العالقة بالصوف حفاضا على سلامته و قيمته.
-أن يكون الجز في مكان مناسب كأن يكون في أمكنة خاصة تحت مظلة أو في حظيرة، ويجب تجنب أماكن الأتربة وجود القش والتبن وغيرهم.
– وضع أفرشه من القماش أو اكياس الخيش تحت الحيوانات عند جزها على أرضية نظيفة.
طرق الجز: يتم لجز بالطرق التالية:
أولاً: طريقة الجز العادي اليدوي:
تتم بواسطة المقصات بعد ربط قوائم الأغنام الأربعة أو ثلاثة منها، وذلك لضبط حركة الحيوان وسهولة تقليبه وتحريكه عند إجراء الجز، تتطلب هذه الطريقة إنتباها فائقاً من منفذها ومهارة في ذلك لتجنب خطورة جرح الغنم خاصة في منطقة البطن أو الضرع أو إصابة جراب القضيب عند الكباش، وعند الإصابة بجرح ما يجب معالجته مباشرة بإستخدام صبغة اليود ومحلول الكحول أو إستخدام البخاخات الخاصة لمنع تلوث الجروح والمساعدة على سرعة شفائها لذلك يجب التأكد من مهارة العمال وإتقانهم لعملية الجز.
تتوقف سرعة الجز على مدى دراية الجزاز وخبرته، وغالباً ما يحتاج الصوف الطويل المتلبد لوقت أطول للجز من الصوف القصيرة أو المتوسط غير المتلبد.
كما تتأثر سرعة الجز بحجم الأغنام وعموماً يستطيع الجزاز الماهر أن يجز عدة رؤوس اليوم وقد يزيد عن ذلك حيث يستغرق جز الرأس الواحد حوالي خمسة عشر15 الى عشرون20 دقيقة.
ثانياً: طريقة الجز الآلي:
يتم جز الأغنام آلياً باستعمال ماكينات خاصة تشبه ماكينات الحلاقة بواسطة الكهرباء أو مولدات كهربائية ,تكون أسرع من الجز العادي مما يؤدي لإنجاز العملية بوقت قصير ربحا للوقت و للتكاليف وتقليل المصاريف.
الجز الآلي الأكثر أمنا من إستعمال المقصات اليدوية.
الجز الآلي لا يترك صوفاً على الجسم كما تترك المقصات. فيتم الجز قرب سطح الجلد مما يزيد في كمية الصوف الناتجة عن كل رأس بحدود
تكون الأغنام المجزوزة آلياً ذات صوف متناسق ومنظر جميل
بعد إتمام الجز وتنظيف الغنم التي جزت, تعلم وتعقم تطلى الأغنام بالدواء المعد من طرف البياطرة في وقتنا الحاضر وخاصة مادة القطران, حفاظا عليها من داء الجرب وباقي الأمراض المعدية.
وتتواصل العملية إلى وقت متأخر من اليوم تتخلله جلسة إرتشاف قهوة بالشيح والمطلوع أو الشاي مع الكمرية (الجبن المحلي) والفول السوداني كاوكاو سبسب المحلي.
تستغرق عملية الجز من يومين وثلاثة إلى عدة أيام حسب عدد الأغنام والبيوت والمسافة المتباعدة من مكان إلى أخر.
بعد الإنتهاء من عمل الجز والتنقية وعلاج الأغنام وتعليمها وعدها تأتي عملية الجمع والتنصيف في النوعية والميزان لمعرفة حجم الكمية المتحصل عليها، ويبدأ النقل والشحن للتخزين أو للتجار الحاضرون بعين المكان الذي أشتروا كمياتهم المطلوبة بعين المكان وعلى مرأى ومسمع من الجميع بكل شفافية لضمان الجودة والنوعية والصلاحية والأسعار المناسبة.
وهكذا ينتهي موسم الجز الذي يستغرق قرابة الشهر وأزيد، في صورة طقوسية مميزة ومتطورة من جيل لأخر ومن منطقة لأخرى، تتماشى مع عاداتهم وتقاليدهم الراسخة المتجذرة والتي لا تزول.
كما يعتبر موسم الجز فرصة لعديد الناس من أسر وأهالي خصة النساء اللواتي تنتشرن لجمع الأعشاب والصراير الحشائش الطبية خاصة القرطوفة, لزول وغيرهم , ثم يأتي دور الشباب من محبي الصحراء والإستمتاع بهدوئها وجمالها الخلاب وهواة الصيد من القيام بهوايتهم من صيد الضباب بعض الطيور والحيوانات مثل الغزال والفنك نهار والتمتع بالركض وراءه وبصيد الأرانب ليلا على ضوء القمر المشع إلخ………
فموسم الجز متوارث أبا عن جد في كل البوادي والفيافي والصحاري، فيحبذا لو يقوم الأبناء بإعادة إحياء هذا الموروث مما يعبر عن الرغبة في التجذر بالإنتماء العائلي، فيدل على الإعتزار بهذا الإنتماء ويعبر عن الوفاء لنهج السلف من أحسن خلف، وهي طريقة لا تخفى قيمتها التاريخية, الثقافية, الإجتماعية والتضامني والإقتصادية لما توفره من ربح ومواد خام للصناعة التقليدية من نسيج وحياكة ويد عاملة إلخ…..
شكرا للعم الحاج مسعود عن الحاج بلخير وباقي البيوت بصحراء متليلي الشعانبة بيت الجود والكرم للمعلومات والشروحات الطافية لنقل المادة العلمية لشبابنا عامةو للتعريف بها لطلبتنا وباحثينا.
الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون