العراق لم يعد بلد يستطيع العيش في دولة قمعية شديدة المركزية تحكمها النخبة, تجاربه تقول إن المركزية لا تقوم الاّ بالنار والحديد, دستورهم الدائم يشير الى أن العراق دولة اتحادية، متفقون على نبذ المركزية الشديدة والتحول الى اللامركزية، حل امثل يضمن العدالة في توزيع الثروات والمساواة بين اطياف المجتمع, والإرادة الوطنية تتمكن من التغلب على الصعوبات والمعوقات والخلاف, من ساسة يمثلون إرادة الناخب يسعون لخدمته, من تفاهمات تحفظ الوحدة وتضمن لأطيافه المختلفة العدالة والحقوق المشروعة، إستقراره مسؤولية جماعية وأستمرارالخلافات يعرض المنطقة برمتها للكوارث والمخاطر وتطبيق مشروع بادين المقترح عام 2004م .
كنا نعتقد في الإنتخابات السابقة إن جولات المرشحين في أحياء الفقراء صحوة للضمير وشعور بالخطأ, يرون بأم عيونهم شوارع أسنة يشمون روائح برك الماء وأكوام النفايات, تعلق في ملابسهم تذكرهم مطالب لا تتجاوز عدد الأصابع عجزوا عن تنفيذها, تتقشر أياديهم من مسح رؤوس الأيتام ويسمعون عويل الأرامل, جولات مكوكية لم تقتصر على المدن والقرى والأسواق والمقاهي, تحركات غير مسبوقة في الترحال والتجوال بين مدن العالم نعتقدها بحث مصلحة العراق وجلب فرص الإستثمار والشركات الرصينة, تجلب تجارب الشعوب في الديموقراطية وحقوق الانسان والحريات, ساسة معظمهم عاش في دول اوربية وشرقية وغربية تحترم القانون والإنسان, لم تستثمر الجولات لحلول الخلافات في كل شيء الاّ الإتفاق على ضرر المواطن, دول ينظرون لها بالعدائية تكون صديقة حينما تحقق غاياتهم, امريكا وتركيا وايران والأردن والسعودية وربما نتوسل جزر القمر, يتسابق المرشحون لكسب ودها ودعمها وإن كانت النتيجة إحتراق العراق. اليوم يتسابقون على زيارة امريكا بدعوة من نائب الرئيس جو بايدن, اياد علاوي والبرزاني والنجيفي تسبق لقاء المالكي حيث يلتقي الرئيس الامريكي بارك اوباما بعد اخر لقاء كان في العراق عام 2011م تزامنت مع الإنسحاب الأمريكي من العراق, بايدن مهندس مشروع تقسيم (جو بايدن), سياسي محنك له الدور الكبير في رسم السياسة الأمريكية الحالية, من محدثي بنود (مشروع الشرق الأوسط الكبير), تقسيم العراق أحد الحلول المطروحة للمستقبل السياسي للبلاد في ظل الإنقسامات المنتشرة بين الكتل السياسية. رؤية امريكية لمستقبل المنطقة للإستحواذ على ثرواتها الهائلة, من العراق تبدأ الخطوات الإولى, إشعال النعرات الطائفية والإجتماعية بوجود ساسة لا يعرفون الاّ الخطاب الطائفي لكسب الناخب, تناقض الإستنتاجات التي تثيرها الدوائر الإمريكية لإثبات نجاحها في العراق. تحول بعدها الى نموذج عدم الأستقرار ويعني العودة للإستقرار لا يتم الاّ بالمخطط الأمريكي, بعد تغذيته الصراعات طائفية تماشياً مع المنطقة, تقنع الشعب العراقي بإن المشاكل لا يمكن حلها وتجاوز الأزمات الاّ بالعزل الطائفي, يكون للشيعة والسنة والأكراد في خارطة جديدة ثلاثة أقاليم مستقلة تجعلها اكثر إنسجام. جهات سياسية تتناغم مصالحها مع هذه المطالب تختلف نواياها عن ما تقول.
العراق دولة ذات موقع إستراتيجي في الشرق الأوسط تأسست على نهج حكومة مركزية قمعية قوية, ذات موارد طبيعية كبيرة منتشرة تحكمها إرادة نخبة تتسلط بالفوضى السياسية, تقسيمه مع الدول المجاورة ليس مستبعد في مخيلة الإرادات الدولية لتغيير خارطة المنطقة وإضعافها للسيطرة على مواردها. خضوع الساسة الى مصالحهم الضيقة يجعل منه مؤهل للإقتتال وتطبيق الأجندات الدولية, يكونون نخبة بديلة بغطاء ديموقراطي, لكنه بلد عرف بالتعايش السلمي بين مكوناته يحتاج الى شراكة حقيقية وقيادة رجال دولة مؤمنين بالشراكة السياسية قادرين على النجاح داخل العراق, يعودون الى شعبهم وخياراته التي تقف بالضد من العنف والتقسيم, يحملون في طيات مشاريعهم روح الإعتدال والوسطية والقدرة على تغيير الواقع المؤلم. الشعب العراقي عرف إنه لا يناسبه طعام مطبوخ في الخارج.