18 ديسمبر، 2024 6:51 م

موسم الحب الإلكتروني

موسم الحب الإلكتروني

الإجازة الصيفية حولها الشباب إلى موسم للحب الإلكتروني وصداقات الشات والفيسبوك، علاقات صيفية للتفريج عن النفس ومحاولة التنفيس عن مكبوتاتهم وتراكماتهم اليومية، شباب يبحثون عن قضاء إجازة غارقة في الحب الإلكتروني في عالم افتراضي.

بفارغ الصبر أنتظر الانتهاء من الامتحانات، فهذه السنة هي الأطول في سنوات دراستي، متعة دخول الصيف تراودني لتغسل إرهاق المذاكرة ويذوب معها تعب الأيام وسهر الليالي، أشتاق للراحة والهدوء والبدء في علاقة صداقة حقيقية أو حب يلمس قلبي ويهزه بشدة، كان العام الماضي نصيبي من الحب بائسا ترك لي جرحا عميقا مازال قلبي ينزف لأجله بشدة، ياه.. هل ضاقت بي الدنيا حتى لا أجد من بين رجالها من يملك قلبا حنونا يحتويني ويشاركني كل تفاصيل حياتي، أحكي له يومياتي، أفراحي، وأسكب بين يديه شجوني.

كلمات تسربت لأذناي في عربة السيدات بمترو الأنفاق، وكانت كالماء الذي يسقط على الرمل الساخن سرعان ما يتشربه طالبا المزيد ليروي عطشه، فتاقت أذناي لسماع المزيد واستيضاح الأمر لعله فكر شبابي جديد يجهله أبناء جيلي، فرحت أبحث عن استكمال للحديث، ولحسن حظي أردفت الفتاة: الشات يوفر لي فرصة التفكير كثيرا قبل الرد، ويمنحني المزيد من الهدوء النفسي فأتذوق الإحساس بمتعة وروية.

كل هذا وأكثر دار بين فتاتين جامعيتين في مترو الأنفاق، حوار طويل عن كيفية الاستمتاع بالإجازة الصيفية التي حولها الشباب إلى موسم للحب الإلكتروني وصداقات الشات والفيسبوك، علاقات صيفية للتفريج عن النفس ومحاولة التنفيس عن مكبوتاتهم وتراكماتهم اليومية، شباب يبحثون عن قضاء إجازة غارقة في الحب الإلكتروني في عالم افتراضي.

علاقات أراها عابرة لا تحمل عمقا ولا تنبئ بالاستمرار، ولكنها وسيلة لقضاء أوقات الفراغ في علاقات ربما تضر أكثر مما تنفع، ففي ظل الوضع الاقتصادي المتدني للبلاد وبالتبعية لبعض الأسر التي كانت يوما ما متوسطة وتلاشت طبقتها أو هبطت لمستوى أقل، بفعل الغلاء مما نجم عنه عدم تمكن الكثير من الأسر من توفير اشتراكات نواد رياضية أو اجتماعية للأبناء، وبالتالي بحث الأبناء بأنفسهم عن حلول شبابية لقضاء أوقات فراغهم، هذه الطرق والحلول قد تحمل في طياتها المخاطر خاصة وأن الشباب يملكون أوقات الفراغ ويسهرون للساعات الأولى من إشراق شمس اليوم التالي في غياب تام لدور الرقابة الأسرية خاصة في ظل عمل الوالدين لتوفير حياة كريمة، مما يقلب ليل الأبناء نهارا ومحادثات ومشاعر ونهارهم ظلاما ونوما وراحة وهذا ما لا يتناسب مع الأسرة بالتأكيد.

بالتأكيد هؤلاء الشباب الذين يملكون طاقة إيجابية هائلة تحتاج لتوجيهها قبل أن تستثمر بشكل سلبي أو إذا أردنا تدقيق الكلمات تستغل وتتحول لطاقة سلبية رعناء لا يستطيع أحد إيقافها، يحتاج هؤلاء لتوجيه جيد لطاقاتهم المتدفقة، ففي ظل أحزاب كرتونية تشبه خيال الظل، وكل همها الحصول على الدعم وإنشاء المقرات في مختلف المحافظات، وبعضها أحزاب عائلية بمشاركة الأهل والأقارب والأصدقاء رافعة شعار العبرة بأهل الثقة لا بأهل الخبرة، وبين جمعيات خيرية تسعى لـ“شفط” التبرعات، واستغلال بعض مجهودات القليل من الشباب، يشعر البعض بأنهم مطحونون محاولين إيجاد طرق بديلة وحلول أخرى تتناسب مع وقت الفراغ الطويل في الإجازة الصيفية ودون أدنى تكاليف خاصة مع توافر إمكانية التواصل بشكل مستمر والاتصال بالشبكة العنكبوتية من خلال أي جهاز هاتف نقال أو لاب توب وأي لوح رقمي.

أتساءل لماذا لا تستثمر طاقة هؤلاء بشكل إيجابي فعال لخدمة أنفسهم بمشاريع صيفية صغيرة تتبناها الدولة والبنوك الحكومية، أو إشراكهم في اتخاذ القرار بالقيام بمبادرة فعالة لتدريب أكبر عدد من الشباب بالوزارات لعلهم يقدمون نماذج لأفكار جيدة، أفكار شبابية مرنة بدلا من الفكر الجامد الشائخ لبعض المؤسسات.
نقلا عن العرب