“إذا اختلف اللصان ظهر المسروق”… مثل عربي مقتبس من قصة وردت في كتاب “كليلة ودمنة” ذائع الصيت.. والقصة اليوم تتجسد في مسرح السياسة الدولية المأزوم بالمؤامرات والدسائس والكيد بين موسكو وواشنطن.. سوريا كانت مصدر الاختلاف؛ وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف شن هجوما عنيفا على نظيره الأمريكي حول طريقة ولوج أمريكا في المستنقع السوري. فبعد أن كانت واشنطن في عهد الرئيس السابق باراك أوباما متفرجة على ما يجري في سوريا تاركة الساحة لموسكو لتفعل ما تشاء قرر الرئيس الجديد دونالد ترامب تسديد ضربة صاروخية لمطار الشعيرات السوري، على خلفية استخدام نظام الأسد الذي تدعمه موسكو بشدة للأسلحة الكيميائية في خان شيخون. وصرحت واشنطن بضرورة إزاحة بشار الأسد من السلطة في سوريا.
هنا كشف لافروف وهو في قمة الغضب عن أمر ظل مكتوما بشأن السودان وتطرق إلى مشكلة الرئيس عمر البشير مع المحكمة الجنائية الدولية، واتخاذ الولايات المتحدة الأمريكية سبيلا سياسيا لحلها، قائلا: “هناك مذكرة صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضد عمر البشير تأمر بضبطه، ولكن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما فضل التواصل مع البشير وقام ببعض الضغوط حتى تم تقسيم السودان إلى قسمين، والتزم البشير من جانبه بالاتفاق وتعاون بحسب خطة إدارة أوباما”. وهذا يؤكد أن المحكمة أداة سياسية وليست منبرا لتحقيق عدالة دولية مزعومة.
وفي مجلس الأمن حيث استخدمت روسيا حق الفيتو ضد مشروع قرار غربي بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا لم يتوان المندوب الروسي في استخدام أقسى عبارات حواها قاموس العنف اللفظي ضد أمريكا وبريطانيا، واتهمها بالنفاق وتدمير العراق ثم الاعتراف لاحقا بالفشل.
اليوم تعترف بريطانيا بوجود إبادة جماعية في جنوب السودان حيث تدور حرب أهلية مجنونة، وتقول وزيرة التنمية الدولية البريطانية إن القتل والفظائع الأخرى التي تحدث في جنوب السودان تصل إلى حد الإبادة الجماعية. وإمعانا في نهج النفاق انتقدت الوزيرة البريطانية الزعماء الأفارقة لعدم الضغط على حكومة جنوب السودان لإنهاء الفظائع والصراع في حين أن أولئك الزعماء لا حول لهم ولا قوة فهم مأمورون لا يتحركون إلا بأمر من الكبار.. هؤلاء الكبار لن يقدموا لا الرئيس السوري بشار الأسد ولا رئيس جنوب السودان سلفاكير للمحكمة الجنائية الدولية ولربما نسمع أو نكتشف المسروق في قادم الأيام الحبلى باختلافات الكبار وما آفة عالم اليوم إلا كبارها ومترفيها “وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا..”.
في ليبيا اليوم ليست المشكلة في الأطراف الليبية المتناحرة فحسب، وإنما في الكبار الذين يغذون الصراع الدموي بين هذه الأطراف؛ فلولا الصمت المخزي لحلف الناتو وواشنطن على جرائم القتل والتعذيب التي تقوم بها المليشيات بعد سقوط نظام القذافي لما تحولت الأزمة الليبية إلى كارثة إنسانية لم يطلع العالم بعد على فصولها المحزنة.. 40 دولة جاءت مهرولة بخيلها ورجلها من أجل إنقاذ الليبيين من آلة حرب القذافي كما وعدوا لكنها لم تقم بتحريك أو إصدار أي مذكرة اعتقال في حق قادة المليشيات الذين غاصت أقدامهم في برك الخطيئة. لقد استغلت واشنطن ومن خلفها عواصم غريبة تحفظ روسيا على قرار مجلس الأمن الدولي بفرض حظر جوي فوق ليبيا ليتم تدمير البلاد بحجة حماية المدنيين وهو ما عارضته روسيا واعتبرته التفافا على القرار.
وهكذا، فقد أقامت إيطاليا قاعدة عسكرية في مصراتة ولا يهمها سوى الحصول على نصيب الأسد من النفط الليبي وفرنسا استباحت الجنوب الليبي تنهب ثرواته وأمريكا سيطرت على خليج سرت من أجل تأمين واردات النفط القادمة من إفريقيا. أما بريطانيا فسيطرت على الشرق الليبي.
سيدمر الكبار العالم في ظل تشكّل صراع رهيب؛ فالصين تتحرك بهدوء وتؤدة نحو صنع حلف يضمها مع روسيا معلنة على لسان وزير خارجيتها دعم تحقيق مستقل في استخدام الأسلحة الكيميائية بسوريا وندعو لاحترام سيادة الدول، وفي ذلك “تماهي ملحوظ” مع الموقف الروسي.
لقد عرفت العلاقات الروسية الأمريكية مراحل مختلفة من التوتر، فبعد انتهاء الحرب الأيديولوجية بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، تشكلت مراحل جديدة من الشد والجذب بين الطرفين، بيد أن التوتر هذه المرة قد بلغ نقطة مخيفة.
نقلا عن الشرق