لا يخطئ التحليل السياسي عندما يؤكد نجاح الاتحاد الروسي في حماية نظام الاسد فيما فشل بحماية العراق من الاحتلال الاميركي على الرغم من العلاقات الاستراتيجية التي كانت تربطه بنظام الرئيس المخلوع صدام حسين، والسؤال عن اسباب النجاح والفشل تتعدىالحالة الداخلية لكلا النظامين السوري والعراقي ، وتتفق في ظرفها الزماني ، وتتعلل بمواقف روسية اقرب الى استعادة دورها الاممي، فهل لابد لنا من اعادة قراءة كتاب احجار على رقعة الشطرنج لمؤلفة وليم غاي كار، وهو يتحدث عن تطبيقات بروتوكولات حكماء صهيون من داخل الماسونية، اشهر المنظمات السرية التي عرفها العالم الحديث .
مشكلة هكذا تحليل لابد وان يتعامل مع نظيرة المؤامرة، مرة بكونها صهيونية بحتة، واخرى لانها تعبر عن مصالح كارتيلات اقتصادية كبرى وشركات متعددة الجنسيات، فهل جاءت الفكرة بعد سكرة سقوط جدار برلين بأهمية الحرب الباردة من جديد، وهل كان لسقوط بغداد بيد قوات الاحتلال الاميركي وفظاعات سجن ابي غريب وسرقة اكثر من 17 مليار دولار وما خلفته من معالم الفساد الاداري والمالي الذي ابتدأته ادارة الحاكم المدني بول بريمر للعراق الجديد ؟؟
كل هذه الاسئلة يمكن وضعها في معادلة مستقبلية ربما تمتلك الاجابة ، بان عالم اليوم بقدراته الاميركية ربما يكون بحاجة الى اعادة تنظيم هائلة، من احد معالمها التفرغ لشؤون القارة الاميركية وربما بعض الشيء لحديقتها الخلفية في اميركا الجنوبية، وترك الاتحاد الاوربي بقدراته الاقتصادية المتنامية ينافس التنين الصيني الناهض، بمشاركة واعية من الدب الروسي العائد من خلفيات الحرب الباردة ، ولعل الاعلان عن الاكتفاء الاميركي من الطاقة عام 2020، نوعا من التكيف مع هذه الاهتمامات الجديدة – القديمة ، وربما تستعيد واشنطن سياسة الاخ الكبير الناصح من دون مشاركة قيادية عبر المحيطات للعالم الجديد وترك اسرائيل تقود الشرق الاوسط الجديد، بعد ان تترك روسيا الاتحادية وتركيا وايران يؤكدون مواقفهم الداعية لتدمير محور الشر النووي، من اجل اتاحة فرضيات النجاح لنظرية الاقتصاد المفتوح والانتقال اليه عن طريق الصدمة كما فعلت روسيا الاتحادية باقتصادها ، ولكن يبقى السؤال لماذا فشلت موسكو في العراق ونجحت في سورية ؟؟
الحقيقة الساطعة ان موسكو لم تكن قادرة على منع الغرب بقيادة واشنطن من تدمير العراق، ولكنها نجحت في استثمار هذا الدمار لرسم صورة قاتمة عن سياسات الفشل في المستنقع العراقي الذي كانت موسكو احد اسباب انغمس واشنطن فيه ، بنفوذ ايراني متصاعد ، وقدرة عن اللعب في الساحة العراقي من خلف الدبابات الاميركية وهي تقاتل الارهاب لتنظيم القاعدة والجماعات المسلحة .
ولم يكن باستطاعة موسكو انقاذ نظام صدام ، الذي انهار فعلا منذ عام 1998، بعد ان واجه ضربة قاضية في اخر هجمة شنت على قواعده واسلحته وبناه التحتية، لكن اسقاط خط الدفع الخارجي عن روسيا الاتحادية المتمثل في ايران وسورية،يمكن ان ينقل المعركة الى داخل الاراضي الروسية، وهو ما لم يوضع في مخطط الشرق الاوسط الكبير ، وهكذا تعاملت موسكو مع ثورات الربيع العربي باعتبارها مجرد فقاعات زمنية ، تطرق اصواتا غربية، ولكن سرعان ما يعود المجتمع العربي التقليدي الى استقراره، فيما تعاملت مع تركيا وازماتها مع اسرائيل بمنتهى العقلانية ، ونجحت في تقريب وجهات لنظر بين تل ابيب وانقرة بعد ان فشلت واشنطن بذلك .
المرحلة المقبلة ، يمكن ان تبدأ بإعادة صياغة نموذج الحكم الاسلامي الشيعي في ايران ، لتقبل التعامل مع الشيطان لاكبر في واشنطن والشيطان الاصغر في تل ابيب، والصداع التي يكثر من محاضرات حشد “الباسيج” من فقراء ايران المخلصين ، للقتال في القدس ليس باكثر من ذات سراب المحاضرات التي كانت تحشدهم للقتال في الحرب العراقية الايرانية مع ملاحظة اهمية اختلاف التسميات ، ما بين نجاحات صهيونية في بلورة الشرق الاوسط الكبير، يكون فيه الوطن العربي هو الخاسر الاكبر، وبين استخدام مصطنع ل” صلح الحيبية ” تعبيرا عن المواقف الايرانية الجديدة، التي تفتح الابواب امام موسكو لرسم خطواتها الاستراتيجية في المشاركة بادارة هذا الشرق الاوسط الكبير ، بكونها الساحة الامامية للاتحاد الاوربي، لمواجهة تحديات موجات الجنس الاصفر من اعماق اسيا.