18 ديسمبر، 2024 7:09 م

موجز حول أشكاليـة العلاقـة بين الـعلمانية والألحاد

موجز حول أشكاليـة العلاقـة بين الـعلمانية والألحاد

يحصل خلط كبير بين الـعلمانية و الألحاد ، عند غالبيّة مُعارضي الـعَـلمانية .. وعند الكثير من أنصار و دُعاة العلمانيـّة أيضاً .. و هؤلاء الأنصار و الدُعاة هم أكثر أساءة للعلمانية من مُعارضيها .. بسبب قصور معرفي في فهم المنهج العلماني و حيثـيّـاته .. و بسبب أن مِن بين الـعلمانيين من هو يـتـبنـّى الألحاد كمنهج فكري خاص بـهِ .. وهو شئ طبيعي ضمن حريـة العقيدة و الفكر في النظام العلماني .. و غالباً ما يكون هو المُـتصدّي للدفاع عن العلمانية .. فينعكس ألـحادهُ على مفهوم الـعلمانية .. ليُـعطي سلاحاً مجانياً بيد مُعارضيها .. للطعن فيها و تـثـقيف أتباعهم بذلك .. حيث يترسّخ في ذهن المـُـتلـقـي أقـتران مفردة الألحاد مع مفردة العلمانية .. و بالتالـي تخسر الـعَلمانية مساحات غير مُبـرّرة من حجمها المتنامي في أوساط المجتمع الطامح للتغيير و الطامح للحياة الكريمة مثل باقي البشر ..!

الـعَـلمانية ليست مُـلحدة ولا مُـتـديـّـنة .. و ليست مُسلمة و لا بوذيـّة .. لأنها ببساطة ليست عقيدة في مواجهة باقـي الـعقائد .. و ليست دين جديد في مواجهة باقـي الأديان …!

الـعلمانية منهج للحياة .. و طريـقة لتنظيم الحياة وفق متطلـبات البشر الدنيوية في العيش بسلام و حرية و كرامة و أمان و سعادة …! و العلمانية تستقي منهجها و قوانينها و تشريعاتها من واقع الحياة و أحتياجات الفرد و المجتمع و الدولة .. مستندة على العـِلم و ما يـُـنـتجـهُ العقل البشري من أبداعات .. و بذلك تـتميّز تلك القوانين و التشريعات بمرونة كافية تسمح بتغييرها أو أعادة صياغتها وفق تطوّر الحياة و متطلـّباتها ..! فليس من مهام العلمانية أيصال الناس للـجـنّة في ألآخـرة .. بل العمل على أن يعيشوا الجـنـّـة في الأرض ..! فتلك مُهمة الأديان في تهيئة الفرد و أعدادهِ لدخول الجـنـّـة السماوية … لذلك العلمانية غير معنـيّة بما تؤمن و تعتنق طالما لا يتعارض مع القانون و مع الحريات العامة المكفولة للجميع ..!

بناءاً علـيه فالـعلمانية تحتضن جميع الأديان و العقائد و الأفكار تحت سقفها .. لأن هذا الأعـتناق يدخل في صُلب الحريـّة الشخصية للمواطن و المحميّة بالقانون ..! كون العلمانية تفصل بين الحياة الخاصة للمواطن و بين حياتهِ العامة .. واجبات العلمانية أن تهتم بالحياة العامة للمواطن من توفير الأمن الى الخدمات الى سبل العيش الكريم الى تهيئة الأجواء و الفرص لجميع المواطنين باستغلال عقولهم و كفاءاتهم و أبداعهم بما يخدم الفرد و عائلتهِ و بما يخدم المجتمع و الدولة .

لـذا يمكنك أن تكون مسلم / علماني ، و مسيحي / علماني ، و بوذي / علماني ، و ملحد / علماني .. بمعنى أن تعتنق ما تشاء من عقائد و أفكار و تمارس طقوسك الدينية و متطلـّبات عبادتك بكل حريـّة .. بشرط عدم أكراه الآخرين على تــبنـّي ما تعتنق بالقوة أو بالتعسّف ..! و تعيش في المجتمع العلماني كـفرد مُنتج و متفاعل مع الأخرين مُتـمتـّـعاً بكل حقوق المواطن على دولتهِ و مجتمعه ، و خاضع للقوانين المُنظـّمة لحركة المجتمع في نفس الوقت …!

و نكرّر القول هنا أن النظام الـعلماني يمنحك الفرصة ( بالأخص المسلمين ) لكسب الحياة الدنيا و الحياة الآخرة معاً ..!

فأنت تعيش في مجتمع مُتصالح مع نفسه ، ولا توجد فرصة لأي صراعات طائفية أو دينية أو عرقية .. تعيش بسلام و كرامة و تعمل و تـُبدع و توفـّر السعادة لنفسك و عائلتك و تستمع بحياتك .. و في نفس الوقت تمارس طقوسك الدينية وعباداتك وبذلك تــُرضي ربك .. فـتكسب الدنيا و الآخرة … و هناك ملايين المسلمين يعيشون في دول عـَلمانية ، ربحوا حياتهم و لم يخسروا دينهم …!!

أخيراً أود التذكير بأن العلماني / الملحد .. عندما يطرح ألحادهُ ، فهو يمـثـّل ما يعـتـنقـهُ هو شخصياً من فكر و قناعات .. ولا يـُمثل العلمانية كنظام و منهج .. مثلما يطرح العلماني / المسلم ، ما يعتـنقهُ هو شخصياً من عقيدة دينيّة .. دون أن يُمـثـل العلمانية …!!

[email protected]