23 ديسمبر، 2024 12:34 ص

موجة تشرين… ماذا يريد الصدر؟

موجة تشرين… ماذا يريد الصدر؟

يقال بأن المواقف السياسية تتغير بناء على معطيات الحياة السياسية، وهذه الجملة اختصرت كثيرا المواقف التي سجلت على اداء زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر منذ نشوب الاحتجاجات الشعبية في بداية شهر تشرين الأول واستشهاد العشرات من الشباب المتظاهرين وإصابة الآلاف منهم ، فالمواقف العديدة التي خرج بها السيد الصدر عبر التغريدات والبيانات المطولة حاول من إخلالها إيصال صوته الرافض لسياسة التعامل مع المتظاهرين التي تبنتها الاطراف التي تفرض سيطرتها على القرار الحكومي وتحركات رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وكأنه، وضع نفسه في مواجهة مباشرة مع المحور الذي يمثل الطرف الإقليمي الداعم لعبد المهدي والذي كان شريكه باختيار شكل الحكومة ورئيسها.
فبداية تلك المواقف كانت بتغريدة دعا من خلالها السيد الصدر عبد المهدي وأعضاء كابينته الحكومية إلى الاستقالة تمهيدًا لإجراء انتخابات مبكرة بإشراف اممي، كحل عاجل للخروج من أزمة التظاهرات، لكنها قوبلت بالتجاهل من قبل جميع الأطراف السياسية ولم تجد من يصغى لها لأسباب عدة ، ولعل من ابرزها، اعتبار، السيد الصدر القطب الرئيسي في اختيار عبد المهدي لمنصب رئيس الوزراء بالاتفاق مع زعيم تحالف الفتح هادي العامري بعد تزكيته أمام المرجعية الدينية “كشخصية مناسبة” لتولي المنصب، والعامل الآخر، قد يكون مشاركة التيار الصدري بقيادة العديد من المناصب الحكومية كالأمين العام لمجلس الوزراء و وزارات تقودها شخصيات تابعة لتحالف سائرون بعنوان وزراء تكنوقراط، اضافة الى مناصب لا تحصى من المديرين العامين في العديد من المؤسسات الحكومية، وهذا يجعل السيد الصدر في موقع المسؤولية وليس المراقب لعمل الحكومة، فكان عليه الطلب من اتباعه الاستقالة من مناصبهم قبل دعوته لعبد المهدي حتى يحرج بقية الأطراف ويغلق الطريق أمامهم لانتقاده.
صحيح ان السيد الصدر كتب في تغريدة بعد يوم على الاحتجاجات بان “التيار الصدري لا يريد تحويل التظاهرات الى احتجاجات تيارية حفاظًا على شعبيتها”، لكنه دعا الى اعتصامات سلمية وإضراب عام يشترك فيه الجميع،، وأيضا هذه الدعوة لم تطبق على ارض الواقع، ولم تجد من يستمع لها، وخاصة بعد ظهور دعوات ترفض قيادة السيد الصدر للتظاهرات بسبب تجارب سابقة، كان فيها التيار الصدري قاب قوسين او ادنى في التغيير لكنه تراجع بعد تعهدات حكومية بالإصلاح، وهذه النقطة كانت كفيلة بخلق معارضة لنزول التيار الصدري الى الشارع والالتحاق بالمتظاهرين، على الرغم من القاعدة الجماهيرية التي يتمتع بها السيد الصدر وقدرته على قيادات التحولات وهذه علامة إيجابية لا يمكن إغفالها في مواقف الصدر، ليجد زعيم التيار الصدري نفسه أمام خيار اخر وهو الإعلان بشكل رسمي عن خروج التيار الصدري بتظاهرات مليونية تحت عنوان “زيارة الأربعين” ليوجه من خلالها نداء الى أنصاره ومنهم “جيش الإمام” بارتداء الأكفان، في تغيير كبير وإعلان مفاجئ لدخولها ساحة لتظاهرات، اضافة الى دعوة جيش الإمام (جيش المهدي) لأول مرة منذ تجميده في العام 2007، مما اثار العديد من التساؤلات عن أسباب هذه الدعوة.
لكن موقف الصدر تطور مرة أخرى بعد بيان “الشقشقة” الذي كان مطولًا وخاطب فيه المتظاهرين بعنوان الثوار، بعد ان خيرهم بين أمرين، أما الاستمرار بالتظاهرات او انتظار صناديق الاقتراع، لكن خطاب الصدر كان واضحا من خلال وصف القوى السياسية بانها “مرتبطة بقرارات خارجية ولا يمكنها اتخاذ القرارات”، ليخبرنا بان “العراق اصبح ساحة لتصفية الحسابات الداخلية والخارجية” وهذا اعتراف بان الطرف الذي يدير “دفة” القرار الحكومي تتحكم فيه قرارات خارجية لا يمكن السيطرة عليها، ليجعل المتظاهرين الذي سيشترك معهم التيار الصدري في ال25 من تشرين الأول، امام مواجهة حقيقية مع البنادق والقناصة التي قمعت المحتجين،، ورغم ان السيد الصدر دعا الى عدم حمل السلاح، لكن هذه قد تكون إشارة للطرف الآخر بضرورة عدم للتصدي للمتظاهرين وخاصة حينما وجه خطابه لقوات الجيش قائلا، “اياكم ان توجهوا سلاحكم ضد ابنائكم وإخوتكم”، لكن موقف زعيم التيار الصدري اصبح اكثر وضوحًا بعد تغريدته الأخيرة التي تحدث فيها عن قياداته لسفينة الإصلاح والتي اختتمها بدعوة واضحة لإعلان الثورة حينما دعا الى “الخوض في البحر” مستشهدا بالآية القرانية التي تقول “بسم الله مجريها ومرسيها”.
الخلاصة… ان السيد الصدر يمتلك العديد من الأدوات التي يستطيع من خلالها إنهاء حكومة عبد المهدي في حال استخدامها وهي دعوة اتباعه للاستقالة من الحكومة ليدفع بعض الأطراف للتخلي عن مناصبها وبهذا لن يبقى أمام عبد المهدي سوى خيار الاستقالة، أما النقطة الثانية فان السيد الصدر من خلال قاعدته الجماهيرية يستطيع حماية المتظاهرين ومنع استهدافهم بالتسقيط مرة وبالرصاص الحي مرة أخرى، لكن هذا يتطلب موقفا ثابتا لا تغيره المصالح او يستبدل بالهدنة، بسبب ضغوط خارجية وداخلية… اخيرا… السؤال الذي لابد منه… ماذا يريد الصدر من احتجاجات تشرين؟