23 ديسمبر، 2024 10:38 ص

موتٌ صالحٌ بطعمِ الحياةِ!

موتٌ صالحٌ بطعمِ الحياةِ!

الشيء الوحيد الذي يتمناه الآن الراحة، والهدوء، والحرية، لقد صنع شيئاً كبيراً، فليس عبثاً أن تحظى بالشهادة لكي يعيش الآخرون، مبارك لك فأنت من أحباء الله، الذين تمنت المرجعية أن تكون معهم، لتفوز فوزاً عظيماً، فالحشد المقدس كان ومازال رائعاً منتصراً، وكلما إزددتَ معرفة به إزددتَ حباً له، لأنه يكتب طريق المجد والكرامة، ويرسم لوحة الشهادة، والسيد السعيد صالح البخاتي، أحد جنود المرجعية الرشيدة، الذي رحل ليتذوق طعم حياة أخرى!
عمر طويل بدء بالعام 1967 لطفولة شجاعة، بين أفاع عفلقية، وذئاب بعثية لم يأبه لها مطلقاً، عاش فتى أهواري جنوبي أسمر، وسط أسرة متواضعة الحال، تمتهن تربية المواشي، حالها حال بقية سكان الأهوار الأصلاء، تربى على التدين وحب أهل البيت (عليهم السلام)، ولم تنجسه مدلهمات البعث الكافر بأنجاسها، فدأب على الزيارات المخصوصة (الأربعينية والشعبانية)، مع عمه السيد ذرب رغم بطش القوى الصدامية، فكان حسينياً بمعنى الكلمة في زمن الخوف والقمع.
الأهوار تلبي نداء الحكيم في العام1982 ،عندما تأسس المجلس الإسلامي الأعلى، بعقيدة نوعية خالصة للوقوف بوجه الطاغوت الصدامي، عندها بدأت معركة طف نسج خيوطها فرسان حكيميون، وسطروا نصراً بدرياً لفئة قليلة، غلبت فئة ظالمة كبيرة، وكان الشاب البخاتي صالح أحد مجاهديها الأبطال، الذي شغفه حب آل الحكيم، فنال ثقة مرجعه وقائده الفذ السيد محمد باقر الحكيم (قدس)، وأكمل مسيرته الجهادية حتى عام 2003 ، حيث أعلن فيه اللقاء أخيراً بالعراق الجديد.
إرث الأهوار العظيم الذي حمله الشهيد السعيد صالح البخاتي، إستمر مجاهداً مع عزيز العراق (رض)، فالعمل بصمت مع آل الحكيم، يعني الجهاد بعيداً عن الحسابات المادية الضيقة، والذوبان في مرضاة الخالق عز وجل، والمشروع الرسالي يحتاج التركيز والصبر، والتضحية بالغالي والنفيس، وبذل قصارى الجهود للنهوض به والدفاع عنه، لأن كل عناوين العدالة، والكرامةن والإنسانية، تجدها عند جنود المرجعية المباركة، الذين إستمروا بعطائهم حتى نيل الشهادة، إنه موت ملحمي بطعم الحياة!
بعد رحيل شهيد المحراب وعزيز العراق (قدس سرهما)، بقي المجاهد صالح البخاتي، سائراً مع السيد عمار الحكيم، فكان أنموذجاً للصدق، والولاء، والعزيمة، وسرعان ما لبى نداء (لبيك يا زينب) في سوريا، ضد عصابات التكفير، وجرح هناك فعاد للوطن، وهذه المرة ملتحقاً مع أوائل المتطوعين لفتوى الجهاد الكفائي، دفاعاً عن الأرض والعرض، فجاب المناطق المحررة طولاً وعرضاً، رافعاً راية لبيك يا حسين، مع مجموعة من المومنين، الذين صدقوا ماعاهدوا الله عليه.الحادي والعشرين من حزيران 2016 للميلاد،هو العام الذي ولدت فيه روح الصالح البخاتي من جديد، بين الظهر والعصر وفي الصقلاوية، محرراً ترابها من براثن الكفر والضلالة، بعدما نال شرف الشهادة، وكان اليوم موافقاً للخامس عشر من رمضان للعام1437 للهجرة، ودعنا الشهيد صائماً محتسباً كجده الحسين (عليه السلام)، رغم أنه يوم ولادة السبط الحسن (عليه السلام)،وما بين شهادة وولادة، كان موت صالح كرامة له، فسلام عليه يوم إستشهد، ويوم يبعث حياً.