يحمل عنوان هذا المقال مصاديق عدة عن الأموات الذين يحكمون الأحياء, فمن مصاديقه الأشخاص الذين مات ضميرهم – حكام ورجال دين – وفقدوا كل المشاعر والأحاسيس الإنسانية تجاه شعوبهم ورعيتهم, ومن يموت ضميره تموت إنسانيته ومن تموت إنسانيته يصبح كالميت, وهناك مصداق آخر وهو تأثير فكر ورأي شخص ما قد توفي منذ زمن بعيد على المجتمعات المعاصرة, حيث يتحكم صاحب هذا الفكر المتوفي بتلك المجتمعات ويحكمهم من خلال رأيه وفتواه وشواهد هذا المصداق عديدة منها تأثير العلماء والمفكرين الإسلاميين وتحكم فكرهم بالمجتمعات الإسلامية على إختلاف مذاهبها وطوائفها, وكذلك المفكرين الغربيين وتأثير فكرهم بالمجتمعات الغربية, بحيث تشاهد إن ذلك المفكر أو العالم المتوفي منذ سنين أو منذ قرون يحكم هؤلاء البشر وكأنه يعيش بينهم.
وهناك مصداق آخر للميت الذي يحكم الأحياء وهو واقعاً ميتاً حيث يستخدم بعض الأشخاص إسم وعنوان هذا الشخص الميت من أجل تمرير مشروع معين حتى تنتهي الغاية من استخدام هذا المتوفي ومن ثم تعلن وفاته, وهناك الكثير من الأحداث والشواهد التي نعيشها اليوم في العراق وغير العراق تمارس فيها تلك الطريقة, حيث يستخدم إسم شخص ذو وجاهة وهالة إعلامية وهو أما يكون ميتاً واقعاً أو عاجز لدرجة كبيرة بحيث لا يستطيع أن ينطق بنت شفه إزاء أي واقعة أو حدث وهو بحكم الميت أو ما يسمى ” بالميت سريرياً ” فيتغل إسم وعنوان هذا الشخص لتمرير مشاريع وتحقيق غايات ومصالح تنتفع منها حاشية هذا الشخص أو الجهات التي إستغلت هذا الشخص.
وهذا الأمر ليس بحديث أو وليد اللحظة بل له جذور قديمة جداً ومن الشواهد عليها هو تستر حكام وسلاطين الدولة الأيوبية على من يموت من حكامهم من أجل منفعة معينة, وهذا ما يذكره إبن الأثير في كتابه ” الكامل في التاريخ ” حيث يقول في الجزء 10/ الصفحة 316 (( ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَة (615هـ) ذِكْرُ اتِّفَاقِ بَدْرِ الدِّينِ مَعَ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ [ذِكْرُ وَفَاةِ نُورِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ وَمُلْكِ أَخِيهِ]: {{1ـ وَلَمَّا تَقَرَّرَ الصُّلْحُ تُوُفِّيَ نُورُ الدِّينِ أَرَسْلَان شَاهْ ابْنُ الْمَلِكِ الْقَاهِرِ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ، وَكَانَ لَا يَزَالُ مَرِيضًا بِعِدَّةِ أَمْرَاضٍ. 2ـ فَرَتَّبَ بَدْرُ الدِّينِ فِي الْمُلْكِ بَعْدَهُ أَخَاهُ نَاصِرَ الدِّينِ مَحْمُودًا، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ نَحْوَ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَاهِرِ وَلَدٌ غَيْرَهُ، وَحَلَّفَ لَهُ الْجُنْدَ وَرَكَّبَهُ، فَطَابَتْ نُفُوسُ النَّاسِ ; لِأَنَّ نُورَ الدِّينِ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ لِمَرَضِهِ، فَلَمَّا رَكَّبُوا هَذَا عَلِمُوا أَنَّ لَهُمْ سُلْطَانًا مِنَ الْبَيْتِ الْأَتَابَكِيِّ، فَاسْتَقَرُّوا وَاطْمَأَنُّوا، وَسَكَنَ كَثِيرٌ مِنَ الشَّغَبِ بِسَبَبِهِ، )).
وهنا يعلق المرجع الديني الصرخي الحسني على هذا المورد في المحاضرة الرابعة والثلاثون من بحث ” وقفات مع توحيد التيمية الجسمي الأسطوري ” حيث قال {{…[أقول: إذا كان الناس لا يعلمون بوجود سلطان لهم مِن البيت الزنكي، أي أنّهم كانوا يعلمون أنّ الذي يحكمهم هو لؤلؤ، فيكون لعماد الزنكي الحق -وحسب مقاييسهم- في المطالبة بالملك والسلطنة، لأنّ ابن أخيه قد مات والناس تصدّقه في مدّعاه !!! لأنّه لو لم يكن صاحب الموصل ميِّتًا أو بحكم الميِّت، لظهر للناس وَلَعَلِموا بوجودِه، وكان ممّا قاله عماد زنكي {إِنَّ ابْنَ أَخِي تُوُفِّيَ، وَيُرِيدُ بَدْرُ الدِّينِ (لؤلؤ) أَنْ يَمْلِكَ الْبِلَادَ، وَأَنَا أَحَقُّ بِمُلْكِ آبَائِي وَأَجْدَادِي!!!…}}.
وهنا نلاحظ كيف إن هؤلاء تستروا على موت حاكمهم حتى لا يطالب من هو أحق بالملك بهذا الملك والسلطان, فبقا الميت يحكمهم كأسم وعنوان أما الحاكم الفعلي ومن خلف الكواليس هم من أرادوا أن لا يذهب الحكم لصاحبه الشرعي, فإستغلال الموتى وإسم وعنوان الموتى سنة سار بها التيمية وأئمتهم وحكامهم سلاطينهم, وكل من يقوم بهذا الفعل لا يختلف عن هؤلاء بشيء فهو داعشي تيمي من حيث المنهج والسيرة.