22 ديسمبر، 2024 11:09 م

موانع الحل العراقي المنتظر

موانع الحل العراقي المنتظر

بدون شك، لقد جعل مقتدى الصدر، بمنهجه السياسي الجديد، ملايينَ العراقيين المُتعَبين المهمومين، بالإضافة إلى أعضاء تياره، يضعون فيه ثقتهم، وينتظرون منه أن يَصدُق بوعوده، فيُخرجَهم من كوابيس الخوف والقلق والفقر والمرض وقلة الخدمات، ومن الوصاية الأجنبية  التي زعزعت أمنهم، وقطعت أرزاقهم، وصادرت حرياتهم، وأهانت كراماتهم. وهذا ما ألقى على عاتقه عبئا كبيرا جعله يضع العقدة في المنشار، ويحرج خصومه الولائيين المتجمّعين فيما يسمى بـ (الإطار التنسيقي) والشركاءَ الآخرين في نظام المحاصصة، السنّة والكرد، ويجعَل الحل صعب المنال، حتى يتوافق الإيرانيون والمرجعية والأمريكان.

ولو فرضنا، جدلا، أن المعجزة قد تحققت، وخرج الصدر من هذه الزنقة منتصرا، ثم بدأ في ترتيب أوراقه لتشكيل حكومة الإصلاح الذي التزم بتحقيقه فستكون في انتظاره موانع  عديدة أخرى لا حل لها إلا بوجع راس، أو ليس لها حل، أصلا.

منها وأهمها وأخطرها سحب سلاح الفصائل. ولتحقيق ذلك لابد له من مواجهات عسكرية لازمة، ولكن بشرط أن تكون معه فيها قوة عسكرية قادرة على لجم هذه الفصائل، وإجبارها على تسليم سلاحها، دون مقاومة.

فإن كان منتظرا، في هذه الحرب المفترضة أن يكون تيارُه تلك القوة القامعة فهو واهم، وذلك لأن التيار الصدري مخترق بمدسوسين عليه من خصومه.

أما إذا كان يأمل في أن يكون جيش الحكومة تلك القوة المساندة المؤهلة القادرة على كسر شوكات أبو فدك وأبو علي العسكري وقيس الخزعلي وهادي العامري وفالح الفياض، فسوف يكتشف سريعا أنه، هو الآخر، مخترق، وأن مئات الولائيين يرتدون لباسه، ويحملون سلاحه، ويقبضون رواتبهم من ماله، ولكن قلوبهم مع غيره، فهم خلايا نائمة تابعة للمليشيات تنتظر اليوم الموعود.

وفيما يخص محاسبة الفاسدين التي جعلها أولَ تعهداته، فإن عدم البدء بالرؤوس الكبيرة المتهمة بالاختلاس والخيانة وهدر الأموال وسفك الدماء، سيجعل من كلامه عن الفساد والفاسدين هواءً في شبك.

وحتى لو تمكن من تجاوز كل هذه العقبات، بأعجوبة، فسوف تكون في انتظاره العقبة الأكبر التي يتوقف عليها مصير برنامجه الإصلاحي كله، وقد تحرمه من أمله في تشكيل حكومته التي يريد.

فما يطلبه مسعود البرزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو الفائز بـ 31 مقعدا، ثمنا لانضمامه إلى حكومة الأغلبية الوطنية وتركِ حلفائه القدامى، باهظٌ جدا، ومن الصعب قبوله.

 فمسعود،  إضافةً لمطالبه الاعتيادية التعجيزية  التي يكررها في أعقاب كل انتخابات، يصر، هذه المرة، على انتزاع رئاسة جمهورية العراق، باعتبارها من نصيب المكون الكردي، وفق نظام المحاصصة، بعد فوزه بمقاعد أكثر من مقاعد غريمه الاتحاد الوطني الكردستاني الذي احتكر الرئاسة ثماني عشرة سنة.

وقد دشن مناوراته الإلتوائية بإصدار بيان مُفاجيء رفض فيه نتائج الانتخابات، واتّهم هيئة القضاء ورئاسة الجمهورية بالتلاعب، بعد أن كان يمتدحُها ويقول إنها (جرت بصورة جيدة). وهي مناورة مقصودة يهدف منها إلى ليّ ذراع مقتدى وإجباره على الموافقة. 

ولكن من الصعب على مقتدى، بطبعته الجديدة، أن يقبل بترضية مسعود وإعطائه رئاسة الجمهورية، لأسباب عديدة،

أولها، أن المنصب كان من حصة المكون الكردي، قبل الانتخابات الأخيرة، وفق نظام المحاصصة الذي يرفضه مقتدى اليوم بحزم.

وثانيها أن مرشح مسعود لرئاسة الجمهورية هو خاله هوشيار زيباري الذي رفع عنه البرلمان الحصانة في 21 سبتمبر/أيلول 2016، في اقتراع سري بمشاركة 216 نائبا، وقرر طردَه من منصب وزير المالية بتهم فساد مالي وإداري.

فلو وافق مقتدى على إجلاس وزير مطرود من الوظيفة بتهم فساد على كرسي رئيس جمهورية العراق فإنه لن يستطيع، بعد ذلك، محاسبة الفاسدين الآخرين الشيعة والسنة، وهو الذي وضع محاسبتهم على رأس قائمة الإصلاح الذي أقام عليها نهجه الجديد.

كما أن هناك سببا آخر. فالذي لم يحقق العدالة في ثلاث محافظات صغيرة، فقط، من محافظات الوطن، واحتكر السلطة والقوة والمال فيها لنفسه ولأسرته، وكمَّم أفواه مواطنيه، وأفقرهم، وجعَلهم يتحمّلون مخاطر السباحة في البحار المتجمدة نحو البلاد الأجنبية طلبا للأمن والعدالة والرزق والكرامة، رغم المداخيل الضخمة التي تدفقت على الإقليم، ثم نُهبت وهُربت إلى المصارف الأجنبية، أو تحولت إلى قصور وشركات وامبراطوريات، لا يمكن أن يكون القائدَ المصلح الذي سيقوم بتحقيق العدالة والأمن والمساواة في المحافظات الثلاث عشرة الأخرى التي وعد مقتدى بإعادة إعمارها وإنصافها.

وكل هذا من ناحية سلوكه، فقط، في طريقة الحكم والإدارة. أما فيما يخص عقيدته السياسية ووطنيته العراقية فإن العراقيين، قاطبةً، والكرد أولهم، يعرفون أن مسعود البارزاني، ومعه أسرتُه كلها، وحزبُه كله، كان وما زال يؤمن ويجاهر بإيمانه بالانفصال، رغم أنه ليس سوى رئيس إقليم صغير من الوطن، إذن ماذا سيفعل لو امتلك الرئاستين؟.

أما إذا امتنع مقتدى عن استثناء رئاسة الجمهورية من منهجه الرافض لنظام المحاصصة، فلن مسعود، في هذه الحالة، لن يتأخر ساعةً عن الاستدارة والانضمام إلى الولائيين ويغرز سكينه في خاصرة مقتدى، حتى لو كان في ذلك خراب البلاد والعباد.

وأخيرا، إنني أعلم بأنها وجهة نظر متشائمة، ولكن ما العمل وليس في الإمكان أحسن مما كان؟، إلا إذا خرج الشعب العراقي، كله، إلى الشوارع والميادين في جميع مدن الوطن الكبير، وفعل ما فعله قبله المصريون والتوانسة والسودانيون. ولكن هل هذا ممكن في العراق؟.