خبر مر مثل باقي أخبار العراق الغرائبية التي ما عاد الشعب العراقي لا بل حتى شعوب العالم الأخرى تترقب غيرها، فخلاف وقائعها يحمل أيضا ملامح الغرابة. فالعراق أصبح بحق بلاد ألف ليلة وليلة ينتظر أن تتوقف شهرزاد عن القص ليقوم شهريار بجز رأسها ونتخلص من تلك الروايات الغريبة العجيبة التي تختلف في نهاياتها عن ألف ليلة وليلة كون الشر مبتدئها ونهايتها. فهي مثل أي كابوس أو حلم مزعج يتلبس المرء، ولكنه وفي كل مرة يأتي على شاكلة كابوس جماعي مفزع يصاب به شعب كامل دون أن يستطيعوا الفكاك منه.
ملايين من العراقيين الشرفاء يودون أن تمتد يد لتوقظهم ليجدوا أنهم كانوا في كابوس مؤلم وترتاح نفوسهم المعذبة. ولكن حتى وأن استيقظوا فالواقع يفصح عن كارثة تواجههم في اليقظة أيضا وليس في الحلم فقط . سنوات طوال وحال البعض الأخر من الشعب العراقي يسير من أسوء إلى أسوء ولكن الحقيقة أن ما يسوء ليس الحال جسدا كان أم وضعا اقتصاديا،وإنما الأخلاق والضمائر، فكل شيء ينحدر سريعا نحو الخسة والابتذال. حتى المعتقد والوازع الأخلاقي والديني بات مثل أي سلعة يمكن بيعها و المتاجرة بها . فهناك يد تلطم وتضرب على الصدر والعين تسكب دمعها المدرار والسيوف تحز صدر الهواء لتهوي فوق الرؤوس وتصدح الأصوات يا حسين .. يا حسين . ولكن وفي ذات الوقت تنسل ذات اليد لتقطف سحتا حراما تراه ثمنا لما جادت به الأعين من دمع وما تفجر من دم عبيط. كل شيء بات له ثمن عند الملايين من العراقيين. كلمة الشطارة عندهم لا علاقة لها بسوء الأخلاق وفي ذات الوقت ليس لها علاقة بالضمير أو المعتقد أو الشرف فهي حالة منفردة، حالة قائمة خارج كل تلك المسميات مثلما هي بعيدة عن التوصيف. الشطارة مهنة وكسب، أي بيع وشراء، أي مصالح وعمل ،والدين دائما ما يدعو وحسب أعرافهم إلى الشطارة والفهلوة والكسب ولم يحدد لها صفة حلال أو حرام.
لا أريد أن أضع نفسي في دوامة لا حدود لها وأنا العارف بمشهد الخراب الذي يلف العراق طولا وعرضا. فالكابوس الذي يتلبس الناس يتلبسني ويجعلني أتقيأ حتى في الحلم . فأية حال أوصلتمونا أليه ، أليس فيكم رجلا .. نعم رجل..رجل بضمير.
في تقرير عرضته أحدى القنوات التلفزيونية من مدينة كربلاء المقدسة، ذكر فيه بأن الأمم المتحدة قدمت لمدينة كربلاء ألف خيمة لوضعها تحت تصرف اللجنة المشكلة في المدينة لغرض مساعدة المهجرين والنازحين وبناء ما يمكن للمساعد على إيوائهم، وهم مجموعة كبيرة بلغت الآلاف من نساء وأطفال وشيوخ ورجال استجاروا بمدينة الأمام الشهيد الحسين سيد شباب أهل الجنة، الذي ثار انتصار للحق وليس من أجل أن يبكيه ويلطم عليه السارق والمنافق والدجال.
استجار الهاربون من جحيم داعش بأهل المدن المقدسة لحمايتهم من حر الصيف وبرد الشتاء لأجل ربما مجهول لحين عودتهم إلى ديارهم. ولكن ما حدث يدعو البشر الأسوياء لتملي ما تخبئه النفوس الضعيفة من خسة ولؤم. فبقدرة قادر اختفت تلك الخيام لينصب بعضها كخيام لمواكب العزاء الحسينية، والغالب منها بيع في السوق السوداء، وحصل النازحون والمهجرون على النزر اليسير منها، وبقيت الغالبية منهم تعاني برد الشتاء وقبلها حر الصيف وتستجدي الغذاء والمعونة.
كيف لمن أقام العزاء لسيد الشهداء أن يتقبل مثل هذا الأمر، وأي ثواب يطلبه من رب الحسين، وهو يعلم بان تلك الخيام رسم عليها شعار الأمم المتحدة، كونها خصصت للنازحين والمهجرين، وليس لنصب محطات عزاء. وأن قيام هؤلاء بتلك الواقعة دلالة واضحة على كذبهم ورياءهم الصريحين وأن مواكبهم ومواقفهم لا تمت للثواب وعزاء آل البيت بشيء ، قدر ما هو نقمة ووضاعة وإفراط بالدناءة . وأتساءل .أين لجنة نجدة المهاجرين والنازحين؟ وأين مجلس المحافظة؟ وأين رجال الدين من هذا الآمر القبيح، الذي جرت وقائعه تحت أنظارهم وربما شارك فيه بعضهم. وتراه اليوم يفتخر بقدرته على وضع كل شيء تقع عليه يديه في خدمة مواكب العزاء. يا ترى ما علاقتكم بمبادئ الحسين أيها الأوباش. أنتم ورثة ونسل من أشعل النار في مخيم الحسين وآله .