شفي الأمريكان بعض من غليلهم من العراق ولازال هناك الكثير من الغل! منذ أحتلالهم له عام 2003 ليذبحوه أمام أنظار العالم المنافق من الوريد الى الوريد وليعلنوا للعالم أجمع أستباحة العراق أرضا وبحرا وجوا وبشرا وحجر، كل حسب طريقته وكيفما يقدر!. ومثلما فتحت أبواب العراق للقتل والتهجير والحروب الداخلية والطائفية،فتحت أبوابه للنهب والسرقة فلم يبقوا على شيء من كنوز حضارته وأثاره والمخطوطات التاريخية الأثرية التي لا تقدر بثمن ألا وتم سرقتها تدميرها أو أتلافها!. ولا يختلف أحد من العراقيين على كون الأمريكان هم أول من أعطوا الضوء الأخضر لنشر الفساد بالعراق بكل صوره وأشكاله ليتسرب الى كل مفاصل الدولة وقطاعاتها حتى تعشق مع كل مفاصل الحياة وصار جزء لا يتجزء منها!، فصار الفساد غولا لا يستطيع أحد الوقوف أمامه أو حتى الأقتراب منه!. ومن وجهة نظري أرى أن الفساد هو أخطر من السلاح الذري والقنابل الهايدروجينية! وكل أسلحة الدمار الشامل، لأن الفساد يعمل على تدمير بنية الأنسان الأخلاقية التي تعتبر الركيزة الأساسية لعنوان آدميته، وهذا هو الأهم وهذا هو المقصود، فأن تدمير الحجر يمكن أصلاحه ولكن تدمير البشر صعب أصلاحه ويكون شاقا بل مستحيلا كما هو عليه الأنسان العراقي الآن، حيث فقد الكثير الكثير من العراقيين قيمهم الأخلاقية!. فالأمريكان حولوا العراق من بلد الخيرات والحضارات الى بلد الجوع والفقر والتخلف والأمراض والأمية والجهل. كما صار يطلق على العراق بلد العجائب والغرائب لكثرة ما تحدث فيه من مفارقات ومواقف ومشاهد غريبة لم يألفها العراقيين ولم يسمعوا بها منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، هذه المشاهد التي بقدر ما تثير التساؤلات والعجب والضحك والسخرية فهي تثير الألم والحسرة والمرارة، وأدناه بعض من هذه المشاهد والمواقف.
المشهد الأول: العراق البلد الوحيد بالعالم الذي عندما يتأكد بأن هناك مسؤول بالدولة العراقية وبغض النظر عن درجته ومنصبه ظهرت عليه ملفات بالفساد والرشى وسرقة المال العام وعقد الصفقات المشبوهة، وثبت عليه ذلك بالأدلة الدامغة والقاطعة، لا يتم أحالته للقضاء كما هو المفروض، بل يكتفي فقط بأقالته من منصبه من دون حساب وكتاب كما يقال، هذا أذا لم يصار الى تعيينه بمنصب ومكان آخر!!؟
المشهد الثاني: لربما أكون مبالغا أذا قلت بأن غالبية العراقيين تأثروا أكثر من اللبنانيين أنفسهم على حادث تفجير مرفأ بيروت، وظهر الألم والحزن واضحا في أحاديثهم وتعليقاتهم عبر مواقع التواصل الأجتماعي. هذا من جانب ومن جانب آخر،صحيح أن العراقيين معروفين بكرمهم وسخائهم وعطائهم اللامحدود وطيبتهم المفرطة ، ألا أنهم ومن بعد الأحتلال الأمريكي للعراق ضاقت بهم وعليهم سبل العيش وأصابهم الفقر والضنك والحاجة، وصاروا هم بحاجة لم يساعدهم كدولة وشعب!، حتى باتت تعقد المؤتمرات العربية والدولية من أجل سد فقرهم وحاجتهم وتحت عنوان ( مؤتمر الدول المانحة للعراق)!. فأعتقد وقد يتفق معي الكثيرين بأن أطنان المساعدات التي قدمها العراق الى لبنان بعد مصيبة التفجير كان العراقيين أولى بها!. ولا أعتقد بل وأجزم بأن أخواننا اللبنانيين المظلومين لم يزعلوا ويعتبوا علينا ( فالحال من بعضوا)، كما يقال وهم يعرفون بأن مصيبتنا واحدة والقواسم المشتركة بالألم والدمار والخوف بيننا كثيرة ومتشابهة في كل تفاصيل ومفاصل الحياة، وما حدث لهم بالأمس قد يحدث لدينا غدا!. فيا حكومتنا الرشيدة المثل العراقي يقول ( اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع)!.
المشهد الثالث: من بعد الأحتلال الأمريكي للعراق وأستباحته، ظهرت مؤشرات ودلائل كثيرة واضحة، على أقتطاع الكثير من الحدود البرية والبحرية من قبل دول الجوار للعراق، وتحديدا دويلة الكويت التي لا زالت تضمر الشر للعراق وتحمل كل النوايا السيئة وخاصة في موضوع ( خور عبد الله) العراقي الذي تحاول الأستيلاء عليه بكل الطرق!، تارة بشراء ذمم بعض المسؤولين العراقيين! الذين أشتركوا بالمفاوضات التي جرت بين العراق والكويت لترسيم الحدود البحرية،على ميناء مبارك الكويتي وخور عبد الله العراقي، وتارة لعدم مهنية الوزير والمسؤول المفاوض ومعرفته وخبرته بتفاصيل الحدود البحرية للعراق من الناحية الجغرافية والتاريخية. أقول لماذا لا يحاول رئيس الحكومة الحالية (الكاظمي) من أعادة المهندس (عامر عبد الجبار أسماعيل) على رأس وزارة النقل والمعروف وبشهادة الجميع بأنه الأقدر والأكثر مهنية وأحترافية وحتى الأكثر وطنية وحرص على مصالح العراق من غيره من الوزراء! والذي يرتعب منه الكويتيين عندما يعرفون بأنه هو من سيفاوضهم ، لمعرفتة في كل تفاصيل الخرائط الخاصة بالحدود البحرية والبرية للعراق مع دول الجوار، والتي يحفظها عن ظهر قلب كتلميذ شاطر وأبن بارلوطنه ولشعبه، والذي لا تخفى عليه أية آلاعيب ومراوغات من الطرف الكويتي حيث وقف لهم كالصقر! وأحبط كل محاولاتهم الخبيثة في المفاوضات الأولية التي جرت أبان حكومة السيد المالكي عندما كان وزيرا للنقل فيها. ويتفق غالبية العراقيين على أنه الأكفأ الذي لا يجاريه أحد والذي يستطيع أن يحفظ حقوقنا البحرية التي تحاول الكويت وغيرها من الدول خنقنا بحريا!.
المشهد الرابع: تداعيات كثيرة سيخلفها مشهد الضابط العراقي الشاب المندفع الى حد التهور! ، وشجاره مع المتظاهرين والذي حدث قبل أيام، في منطقة العلاوي وبالقرب من محافظة بغداد، والذي أنشغلت به كل الفضائيات ووسائل الأعلام ومواقع التواصل الأجتماعي. أرى وقد يتفق مع الكثيرين، بأن الضابط لم يحسن تقدير الموقف! رغم أنه يؤدي واجبه الرسمي، بل غلب عليه الغضب والعصبية والتهور، فأهان نفسه ورتبته العسكرية في مشهد بائس ومؤلم من الصعب نسيانه!. وبنفس الوقت لم يكن المتظاهرين على مستوى من الوعي والأدراك والمسؤولية، حيث أنهم تركوا أنطباعا سيئا لدى كل من شاهد الحادث ووضعوا أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه!، أن مثل هذه التصرفات من قبل المتظاهرين تزيد عليهم ألسنة النقد والتجريح والتشكيك!. وبالتالي أن المشهد كله يؤشر على سقوط هيبة الدولة ورموزها بشكل كامل أمام الشعب، وهذا مؤشر خطير ستتبعه عواقب كثيرة!.
المشهد الخامس: الشيء الملفت للأنتباه بأن غالبية الضيوف الذين تستظيفهم الفضائيات، في الندوات والبرامج الفضائية، للتحليل أو التعليق على الأحداث السياسيبة وغير السياسية الداخلية منها، أو العربية والأقليمية والدولية، جلهم من السياسيين والوزراء والمحافظين ونواب سابقين والذين عليهم كوارث وشبهات فساد والمرفوضين من قبل الشعب والذين أقيلوا من مناصبهم لتلك الأسباب!. وبعد أن أكتفوا مما سرقوه ونهبوه وأمنوا مستقبلهم ومستقبل عوائلهم لعشرات بل لمئات السنين القادمة بضخامة أرصدتهم المالية خارج العراق، أصبحوا منظرين بالسياسة والتحليل ونقد الأوضاع السياسة للبلاد وطرح الحلول لها!، فهل هناك مهزلة أكثر من هذه؟.
أخيرا نقول: أن الكلام يطول ويطول فهناك العشرات بل المئات من هذه المشاهد وغيرها تحكي قصة الألم العراقي بكل شجونه منذ الأحتلال الأمريكي للعراق، وهذه جزء من المشاهد وبالأكيد هناك الكثير الكثير غيرها.فهذه هي صورة اللادولة والتي حرص الأمريكان على أنتاجها والأبقاء والحفاظ عليها منذ 2003 ولحد الآن والتي ستبقى الى أمد غير معلوم!.