23 ديسمبر، 2024 2:16 م

مواقف واضحة وآراء سديدة

مواقف واضحة وآراء سديدة

من الواضح أن كل شخص بغض النظر عن مستواه الفكري إذا آمن بقضية معينة؛ فإنه يقدم الغالي والنفيس لأجل تحقيق أهدافها ، وإثبات صحتها ، فلا يخشى رد فعل المجتمع المحيط به خصوصاً إن لم يكونوا مؤمنين بتلك القضية ، وأكثر من ذلك إن كانوا معادين لها ، فهو لا يخشى كل ذلك مادام واثقاً بصحة وتمام ورجحان قضيته ، فتراه يضع تصرفات و ادعاءات المعاندين خلف ظهره ويمضي قدماً في إثبات تلك القضية. ويبدو ذلك واضحاً وجلياً في سِيَر حياة المصلحين ، وفي مقدمتهم الأنبياء والأولياء من أئمة أهل البيت والصحابة والتابعين مروراً بالعلماء العاملين الذين وصفهم النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) بـ( ورثة الأنبياء ) فكانوا بالفعل ورثتهم إذ ورثوا منهم أغلب صفاتهم ، ومنها صفة المواقف الواضحة الثابتة  التي لا لبس فيها بكل قضية يؤمنون بها .
وأريد هنا أن أسلط الضوء على شخصية في وقتنا الحاضر ، امتازت بصفات عديدة عن جميع أقرانها ومنها صفة اتخاذ المواقف الواضحة والثبات عليها، وهي شخصية المرجع العراقي العربي السيد محمود الصرخي الحسني ، فالمتتبع لمواقف هذا الرجل يجد أنه يقف في كثير من الأحداث والوقائع التي مرت عليه ؛ موقفا واضحا غير قابل للتأويل كما نرى ذلك في مواقف بقية الزعامات الدينية ، ومن تلك المواقف موقفه من العملية السياسية والقائمين عليها ، فقد كان السيد أول من أبدى رأيه في تلك العملية إذ رفض منذ البداية الاحتلال ، ومجلس الحكم الذي صدر منه مما أدى إلى هجوم القوات المحتلة على بيته وقد قتلت آنذاك ثلة من أنصاره ومريديه ، بينما نجد بعض المراجع لم يقف موقفاً حازما من تلك القضية ( قضية الاحتلال ومجلس الحكم )، لأنهم كانوا يخشـــون على مناصبهم إن عارضوها ، أو تأيــــــيد أنصـــارهم المغرر بهم – الذين كانوا يرفضون الاحتلال – إن أيدوها، وكذلك من الموقف الشجاعة التي اتخذها؛ موقفه من الانتخابات الأولى عام 2005 ( انتخابات الجمعية الوطنية ) ، إذ أفتى بحرمة الانتخاب إن كانت تؤدي الانتخابات إلى إراقة الدماء وتكريس الاحتلال ، وذلك لأن المكون السني لم يشارك فيها لأن أغلب مناطقه قد تعرضت لهجمات عسكرية من قبل قوات الاحتلال ، وقد طلب وجهاؤهم تأجيل تلك الانتخابات لحين التهيؤ لها ، ورأى السيد إن تمت الانتخابات من غير مشاركة المكون السني ؛ فإن ذلك سيؤدي إلى تعميق الخلاف وبالتالي قد تحدث فتنة طائفية وبالفعل حدثت تلك الفتنة ( من قتل وتهجير واعتداء على المساجد والمراقد … )، مما يشير إلى سعة أفق هذا العالم ونظرته للمستقبل عن طريق تحليل أحداث الواقع. في حين رأينا بعض المرجعيات قد أصرت على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر غير مكترثين بما سيحصل من نتائج سلبية بعدها ، وبعض آخر التزم الصمت ولم يذكر شيئاً في ذلك الحدث المصيري لأنهم كانوا غير واثقين من رؤيتهم تجاهه، وكذلك أدى ذلك الموقف (موقف السيد الحسني) إلى الاعتداء على أنصاره الذين كانوا يوزعون بيانه بخصوص تلك الانتخابات بالضرب والاعتقال.
وبعد الانتخابات وبعد تشكيل الحكومات المتعاقبة نرى أن السيد الحسني ظل ثابتاً على مواقفه في رفض السياسيين المفسدين ، وتحذير الناس منهم وكشف فضائحهم ، على الرغم من تلقيه العروض المغرية منهم – من توفير حماية وتمويل مادي وإعلامي – وعلى الرغم من تهديداتهم له إن بقي مستمراً على موقفه ؛ إلا أنه بقي رافضاً لهم لأنه يعرف أن هؤلاء السراق غايتهم تدمير العراق وتنفيذ أجندات خارجية معادية للعراق ( أرضاً وشعباً وتاريخا وثرواتٍ )، بينما نرى أن البقية أخذت تدعو إلى انتخابهم خوفاً وطمعاً ، والمعارضون لهم – الذين كانوا يطلقون على أنفسهم اسم المقاومة – شاركوهم في سرقة اموال البلد وتدميره والعبث بمقدراته.
وفي القضية السورية وقفت كثير من الزعامات الحوزوية عاجزة عن اتخاذ موقف واضح وصريح منها ؛ فهم يخشون تأييد الشعب السوري لأنه إن خسر المعركة فسيتعرضون إلى مضايقة النظام السوري ، ومضايقة إيران الداعمة له. كما أنهم إن أيدوا النظام فإنهم سيقعون في موقف محرج متناقض مع أطروحاتهم المزيفة التي تدّعي احترام رأي الشعوب ، واحترام حقوقهم وتقرير مصيرهم ؛ فأدى ذلك إلى اتخاذ مواقف ملتبسة ركيكة غير مفهومة القصد ، وهناك من دعم النظام السوري مصوراً أن الصراع سلفي ( الثوار ) شيعي ( النظام ) ويجب نصرة الجبهة الشيعية على السلفية . أما السيد الحسني فمنذ انطلاقة تلك الانتفاضة ، أيدها ووقف إلى جانب الشعب السوري ودعا إلى دعم تلك الانتفاضة بكل الوسائل المتاحة، غير مبالٍ بما ستؤول إليه الأمور ، لأنه لا يرى إلا الوقوف مع الحق ، والشعب السوري شعب مظلوم مقهور انتفض على حاكمه الجائر الظالم فلابد من الوقوف إلى جانبه ودعمه وتأييده، وهذه هي نظرة كل المصلحين في تأريخ البشرية فهم جاؤوا لنصرة الإنسانية وتربيتها وتهذيبها ، بغض النظر عن الدين والطائفة والعرق.
وبعد عرض تلك المواقف أرى أن السيد الصرخي الحسني مصلح حقيقي ويجب الاقتداء به وبمواقفه المشرفة ، لأن التأريخ والوقائع أثبتت صحة ما طرحه هذا الرجل وآمن به ، لأن في ذلك خير البشرية ومنفعتهم ، ووقايتهم من الوقوع في الفتن والمهالك.