22 ديسمبر، 2024 7:12 م

مواطن عراقي يبصق بوجه رئيس الوزراء

مواطن عراقي يبصق بوجه رئيس الوزراء

في زمن انعدمت فيه روح الفكاهة والضحك والابتسامة وحلت محلها مشاعر الكآبة والبكاء  على اطلال الماضي .. في زمن انعدمت فيه صور البطولة وحلت محلها نداءات كاذبة لاعادة امجاد الماضي لحاضر مثقل بالهموم والنكبات  ما احوجنا اليوم الى العودة الى روح النوادر والطرائف التي تعودنا سماعها في مجالسنا من مواطنين عاشوا تلك الفترة او سمعوا اطراف حديث عنها .. من اجل ان نخفف من قساوة واقع الحياة الاجتماعية هذه النوادر تعيد لاذهاننا كيف كان يتعامل الرئيس مع المرؤوس وما احوجنا اليوم الى جمعها لتكون دروسا للحكام في كيفية التعامل مع المجتمع المحيط بهم بعفوية وانسانية للمحافظة عليها من الاندثار ولتكون برنامج عمل لعودة الروح للمجتمع .. ومن الحكايات الطريفة التي تدلل على روح التسامح  بين المسؤول وابناء شعبه ماحدث  ما سجال بين رئيس الوزراء في عهد النظام الملكي توفيق السويدي والشاعر الكبير معروف الرصافي  يقال ان خصومة وقعت بين  رئيس الوزراء  وبين الشاعر الرصافي  وقد عمد اصدقاء الطرفين الى مصالحتهما فاقام احد المقربين منهما من ذوي الجاه  وليمة كبيرة  دعا اليها الطرفين مع كبار الشخصيات البغدادية وفي اثناء الجلسة وتبادل الاحاديث  قال احد المدعوين مخاطبا السويدي عن قصد ” معالي الوزير شلون حال الدنيا وياك ” فرد عليه السويدي غامزا ” الدنيا موخوش دنيا .. بس المهم الواحد يسوي معروف ويشمره بالشط ” ونطق مفردة ” معروف ” بصوت عال بحيث سمعها الشاعر الرصافي .. فادرك  الرصافي انه المعني بهذا الكلام وان السويدي  يستفزه قاصدا ..
 فبلعها الرصافي وسكت واجبر نفسه على عدم الرد لانه في وليمة صلح ولكن فجاة التفت الشخص نفسه ووجه السؤال ذاته الى الرصافي قائلا له ” افندينا انته شلون حال الدنيا وياك ” فما كان من الرصافي الا ان يقتنص الفرصة فعدل سدارته واجاب باسترخاء ” عمي الدنيا خوش دنيا .. بس توفيقنا طايح حظه ” في اشاره الى توفيق السويدي .. ولم ينزعج رئيس الوزراء  ولم ينفعل بل تقبل كلام الرصافي بروح من المرح والفكاهةومن الحكايات الاخرى التي تدلل على روح التسامح ورجاحة  عقل السياسي ما حدث لرئيس الوزراء نوري سعيد الذي اشتهر بحب الاختلاط مع المواطنين حيث كثيرا ما كان يتجول في الاماكن الشعبية او يجلس في مقاهيها ومن الحكايات التي تروى عن رئيس الوزراء ماحدث منتصف ليلة شتاء عام 1957 عندما كان جالسا  الباشا السعيد بمعية مرافقه في احد مقاهي بغداد في شارع غازي حيث انتبه له احد الاشقيائية وكان مخمورا وترنح امام رئيس الوزراء وسأله قائلا ” انت نوري سعيد ” فاجابه الباشا ” متوهم اغاتي ” فقال له الشقي المخمور ” ابشرفي تشبهه .. العفو اغاتي ” لكنه عاد ثانية باتجاه الباشا نوري سعيد وقال له وقد بدت عليه علامات الغضب ” لا لا انت نوري سعيد القندرة ” ونظر الى سائق الباشا وقال له ” وانت صالح جبر قيطانة .. 
اتفو عليكم ” وبصق بوجههما وعندما اراد مرافق الباشا ردعه وضربه منعه رئيس الوزراء نوري سعيد ومد يده بكل هدوء في جيبه واعطاه مبلغا من المال وغادر المقهى .. وفي السيارة قال له  المرافق بحنق وغضب شديد متذمرا ” جناب الباشا ليش مخليتني أأدب هذا الادب سز ابن الشارع اللي تطاول على سيادتك ” فقال له الباشا بهدوء ” أبني هذا سكران وماعليه حرج .. لو انت ضربته وجرجرناه للتوقيف راح يسألونه لك اشسويت .. راح ايكول تفلت بوجه رئيس الوزراء .. ويصير بطل .. أو آني انفضح ..بس هسة راح ايروح وتنتهي القصة ” بهذه الروحية يتعامل  نوري سعيد مع ابناء شعبه .. لكن هذا الباشا السعيد لم يحالفه الحظ  فقد قتل وسحل  في شوارع بغداد بعد يوم واحد من توقيع محضر اجتماع مباحثات الاتحاد الهاشمي ويقول  السكرتير الشخصي العقيد الركن فاضل  احمد العزاوي ” ذهبت الى بيت رئيس الوزراء نوري سعيد ليلة 13 تموز عام 1958  وعند دخولي البيت وجدته يرتدي بيجاما وجالس  على الزولية وامامه صينية وفي الصينية ماعون كبير فيه طعام فقال لي اتفضل فاضل خوش “ثريد بامية” يقول العزاوي جلست معه وتناولنا ثريد الباميا وكانت هذه اخر وجبة عشاء يتناولها بهدوء وفي صباح اليوم التالي حدثت الثورة  وقتل اغلب اقطاب النظام الملكي في عملية لاتخلوا من وحشية بعد قيام  منفذي الانقلاب بفسح المجال لبعض الافاكين بالتمثيل بجثث افراد العائلة الملكية  كان هذا التحول البداية لدخول  العراقيين في صراعات حزبية متنافرة المباديء والمنهج اوصلت العراق الى الفوضى التي مازالت اثارها ماثلة حتى يومنا هذا تؤشر وجود خلل في تركيبة وبنية المجتمع العراقي والانظمة المتعاقبة على حكم العراق بعد سقوط النظام الملكي الذي كان زعماءه يتحلون بصفات وقيم نبيلة مازال الموطن العراقي الذي عاصر تلك الفترة   يتذكرها  بشيء من الفخر والاعتزاز برموزها حيث كانوا يشكلون في تصرفاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية مع افراد الشعب تمازج جميل يدلل على بساطتهم