بعد سقوط حكومة عادل عبد المهدي، لا بد من أن يجري اختيار رئيس مجلس الوزراء المقبل، ضمن شروط، تضمن سلامة المسيرة، فيما يمكن تسميته بالمرحلة الانتقالية، ما بين ثورة تشرين، وبين تحقيق كامل أهدافها.
صحيح إن اختيار رئيس مجلس الوزراء ليست القضية الوحيدة التي يتوقف عليها نجاح المرحلة القادمة الممهدة للتغيير، بل لا بد من وضع برنامج متكامل لتلك المرحلة، وأكثر من مجموعة قدمت مشكورة رؤيتها بهذا الصدد، لكن شخص رئيس الوزراء لهذه المرحلة له الأثر الكبير في مدى نجاحها أو إخفاقها.
من هنا أحببت أن أبين ما يمكن اعتباره شروطا يمكن التوافق عليها عمليا، حتى لو لم يكن عليها إجماع، بحسب قناعة كل طرف. وأدناه الشروط المهمة التي ينبغي بتقديري أن تتوفر في رئيس مجلس الوزراء المقبل، أقدمها بين يدي قيادات الحراك الشعبي، وعموم ذوي الشأن والاهتمام، ولو إن هناك أحيانا تداخلا بين البعض والبعض الآخر من هذه الشروط:
أن يكون عراقيا في مشاعره وفي فكره السياسي، لا يقدم أي هوية على عراقيته، وأي ولاء على ولائه للعراق.
ألا يكون ولاؤه للعراق بتبني عنصرية وطنية، واستعلاء على بقية الشعوب، بل أن تكون وطنيته إنسانية، بحيث يحب لسائر الشعوب ما يحب لشعبه.
ألا يقدم كسياسي أي هوية جزئية، سواء كانت هوية دينية، تنتمي إلى دين الأكثرية، أو أي دين آخر، أو كانت هوية مذهبية، أو قومية أو عشائرية أو مناطقية، وأن يكون معروفا بكونه يترك دينه ومذهبه وعقيدته وقوميته وعشيرته ومنطقته في بيته، لينطلق إلى الخارج، فيما هو أداءه وخطابه وبرنامجه السياسي عراقيا وحسب، إنسانا وحسب.
أن يكون مستقلا غير منتم في الوقت الراهن إلى أي حزب، وألا يكون قد ترك حزبه عن قريب، إذا كان حزبيا في الآونة الأخيرة، ليؤهل نفسه كمستقل أو متظاهر بالاستقلال لرئاسة الوزراء، بل أن يكون ذلك بوقت كاف قبل الأول من تشرين الأول الماضي.
ألا يحمل غير الجنسية العراقية، وإذا كان يحمل جنسية أخرى، ومعروفا عنه إن ذلك لا يؤثر على ولائه للعراق أولا، فعليه أن يتنازل عن جنسيته الأخرى تلك، ويأتي بالوثائق التي تدل على تنازله عنها، وإسقاطها عنه من قبل الدولة المعنية.
ألا يكون معروفا عنه إلى وقت قريب تضامنه مع دولة من الدول التي عرف عنها التدخل في الشأن العراقي بشكل سلبي، مثل إيران والسعودية وتركيا وقطر والإمارات والكويت وسوريا وغيرها.
لا يجب أن يكون متدينا، ولا يضر إن كان متدينا، بشرط ألا يكون متشددا في تدينه، حتى لو كان منفتحا على الآخر المغاير في الدين أو المذهب، وغير متعصب تجاهه، لاحتمال أن يؤدي التشدد إلى أن يكون ولو بأي مقدار ذا مشاعر إسلاموية، أو طائفية.
وهكذا إذا كان من دين الأكثرية، ومن أحد الطائفتين، أن يكون مطمأنا إليه كليا، بأنه لا يفكر سياسيا كشيعي أو كسني، ويا ليتنا نجد الرجل المناسب أو المرأة المناسبة من خارج دين الأكثرية.
أن يحترم عقائد المواطنين بما يؤمنون به من دين أو مذهب أو عقيدة، ولكن أن يكون معروفا عنه اعتماده للفصل بين الدين، أي دين، والمذهب، أي مذهب، وحتى العقيدة غير الدينية، أي عقيدة، من جهة، وبين السياسة وشؤون الدولة والشأن العام من جهة أخرى.
أن تكون مرجعيته حصرا الدستور والقانون والشعب، ولا يزايد بالمرجعية الدينية أو يتقوى بها إذا ما كانت مواقفها منسجمة مع مواقفه، فالمرجعية نفسها أكدت على مرجعية الشعب، عندما قالت ليس عليها إلا النصح والإرشاد، والشعب هو الذي يقرر ما هو أصلح لحاضره ومستقبله، مما يدل على تأكيدها على عدم ولايتها على الأمة، وبالتالي فأنا واثق أنها إذا رأت المسيرة سليمة، فلن تتدخل بعد ذلك في الشأن السياسي، بل تتوجه إلى النصح والإرشاد الاجتماعي، لتسهم في تجذير القيم الأخلاقية والإنسانية، مما يحتاج المجتمع إليه، لا بفرض الرؤية الدينية للأخلاق، بل باعتماد الرؤية الإنسانية الجامعة لكل الأديان والعقائد الإنسانية غير الدينية.
أن يكون موثوقا تماما من نزاهته، من خلال سيرته، وألا يكون جشعا في المال، ومتطلعا إلى الثراء، كهم يتخذ أولوية في حياته.
أن يكون شجاعا حازما في حربه على الفساد المالي بكل مستوياته، ولو ضمن برنامج متدرج، وعلى مراحل، لكن دون إفراط في التسويف، بل أن تلمس منه خطوات جادة بهذا الاتجاه.
أن يعرف عنه حبه للفقراء والمحرومين، واهتمامه برفع مستواهم المعيشي.
أن يتحلى بثقافة ومستوى تعليمي يؤهله لقيادة العملية الأسياسية.
أن يكون ذا اهتمام كبير بتطوير حقل التربية والتعليم، وكذلك التعليم العالي والبحث العلمي، وذا عقلية حديثة فيما يتعلق بكل ذلك.
ألا يكون من النوع المعتد بنفسه المتفرد بقراراته، بل من النوع الذي يحسن اختيار مستشاريه، دون إفراط ولا تفريط، ليضمن لنفسه اتخاذ القرار الصائب في كل قضية، حسب اختصاص ميدانها.
ألا يكون ذا نزعة قومية، سواء كانت عربية أو كردية أو تركمانية، أو ما سواها، بل يكون في حال انحداره من أي من القوميات المذكورة أو غيرها عراقي النزعة بالدرجة الأولى.
أن يكون معروفا بإيمانه بدولة المواطنة والمساواة وبمبادئ الديمقراطية والحقوق والحريات، وباحترامه لحقوق الإنسان، ولا يعتمد أيا من الإيديولوجيات الشمولية.