السنوات 2014 و2020 و2022 لها علامات فارقة في تاريخ العراق ، ففيها فقدنا الموازنات الاتحادية و لم تستطيع الحكومات إعدادها وتمريرها في مجلس النواب تحت مختلف الأعذار والمسوغات لم تتم المساءلة عن مسببيها بعد ، وهي سنوات لم تخلو من النفقات بل صرفت بها مئات او عشرات المليارات من الدولارات بطريقة 1\12 من المصروفات الفعلية شهريا للإنفاق الفعلي للعام السابق وهي من ( اضعف ) الطرق في تمشية الأمور لان لها العديد من المعاني وينتج عنها الكثير من الانعكاسات وفيها وبسببها ينمو و ينتعش الفساد ، وفي 2023 تختلف الظروف كثيرا عن الأحوال التي مرت بها البلاد في تلك السنوات ، فالأموال متوفرة في الاحتياطيات والحكومة تتمتع بكامل الصلاحيات ومجلس النواب في حالة انعقاد ( والحمد لله ) ، ولكن رغم ذلك نشهد تأخرا في انطلاق الموازنة عن الموعد المحدد في قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019 ، فالمفروض والمطلوب هو تقديم الموازنة قبل نهاية 2022 بشهرين ولنقل بشهر او بعد بداية العام بأيام نظرا للتأخر في مباشرة الحكومة الحالية ، ومهما كانت الأعذار والوعود والأمنيات فان الموازنة لا تزال غائبة عن الأنظار والسريان حيث لم تقدم لمجلس الوزراء لمناقشتها وإعدادها رغم انقضاء شهرين من الموعد الرسمي لنفاذ الموازنة الاتحادية في 1\ 1 من كل عام ، وغيابها لا يضع البلد في إحراج فحسب باعتبار أن الموازنة من الأدوات السيادية بل يعطل الكثير من مصالح الناس في أمورهم الحياتية وفي تنفيذ المشاريع وفي إيفاء الحكومة بما عليها من واجبات والتزامات ، فالموازنة ليست جداول وأرقام وإنما أداة تدب الحياة في الفعاليات والنشاطات التي يجب أن تنفذ ايفاءا بالوعود والفقرات التي وردت في البرنامج الحكومي والذي تحول لالتزام واجب التنفيذ بعد المصادقة عليه في مجلس النواب .
وكما معلن للعيان فان هناك مجموعة من الأسباب التي تؤخر تقديم الموازنة وهي تحديد سعر صرف الدولار وتحديد السعر المتوقع لمبيعات النفط وإكمال الاتفاق بين الكتل المنضوية في إدارة الدولة بموجب التعهدات التي رافقت تشكيل الحكومة ، ومن الناحية العملية فقد تم تحديد سعر صرف الدولار لأغراض الموازنة ب 1300 دينار للدولار كما تم الاتفاق على السعر الذي سيعتمد لمبيعات النفط بحدود 65 دولار للبرميل ، ولا يزال التفاوض بخصوص تنفيذ الالتزامات جاري ولم تحل عقده بعد والأبرز في ذلك ما يتعلق بإقليم كردستان ، فالأمر يتعلق بجانبين احدهما حل الخلافات بينهم ثم إجراء التسويات بخصوص حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية وكيفية تسديد قيمة ال250 ألف برميل الافتراضية ودفع رواتب البيشمركة بحيث لا تستقطع من حصة الاقليم والتعجيل بتشريع قانون النفط والغاز او تأجيل تنفيذ قرارات المحكمة الاتحادية بخصوص نفط الاقليم لحين إصدار قانون النفط ، كما إن هناك مواضيع تتعلق بإدارة كركوك وبعض المناطق المختلف عليها وموارد المطارات والسيطرة على المنافذ الحدودية غير الرسمية وتسديد إيرادات المنافذ والمطارات ، وأكثر ما يتم التداول به موروث ومؤجل من السنوات السابقة ويتكرر كل عام ويتزامن مع موعد صدور الموازنة الاتحادية وحسمها يتطلب أكثر من المرونة المعتادة مع مراعاة حساسية الأمور فما يتم منحه او تسويته ربما يفتح المجال لمطالبات إضافية من الكتل الأخرى تحت باب المحافظة على توازن وعدالة تخصيص النفقات والإيرادات في عموم العراق ، والجهات المسؤولة عن إعداد الموازنة وهي وزارتي المالية والتخطيط لا يمكنها انجاز ما عليهم إلا عند الانتهاء من كل الاتفاقات ويبدو إنها لم تنتهي وأن أغلق بعضها في مشروع القانون فسيصعب تمريره في مجلس النواب ، والملفات التفاوضية لم تغلق مما يؤجل ولادة الموازنة ويجعلها في حالة سبات فلا موعد محدد لسريان الموازنة التي تحولت لمساومات سياسية لم تنجز بعد ، وهذه المساومات تخالف المنطق فمحتويات الموازنة هي عبارة عن ثروات الشعب التي يجب أن تخصص لتحقيق منافعه خلال السنة المالية ، وتكريس الموازنة لمصلحة الكتل وتأجيل نفاذها لأكثر من مرة لحين التوافق بينهم يسبب إضرارا بالشعب والبلد يغص في مشكلات ونواقص يأمل البعض حل بعضها بعد أن تحسنت الإيرادات وتوافرت الأموال والتي يخشى البعض فقدانها بمرور الأيام ، ولا يخفى إن البلد أمضى 2022 بدون موازنة وبحكومة تصريف الأعمال بمعنى انه حرم من تنفيذ المشاريع والمنافع ، ومجلس الوزراء الحالي باشر بإصدار حزم الاصلاحات وأعلن رئيسه عن قرارات لمعالجة الاختناقات ويعول الكثير على تنفيذها ولكنها ستبقى رهن الأمنيات او يتأخر مباشرتها إن لم تصدر الموازنة الاتحادية لتوفير التخصيصات ، وموازنتنا تمر عليها الأشهر و لا تزال تراوح مكانها وابسط ما يقال إن أمورها تتعقد وتتحول لصعبة المنال .