22 نوفمبر، 2024 10:25 م
Search
Close this search box.

موازنة 2021 ( لم تزيد العانة فلس )

موازنة 2021 ( لم تزيد العانة فلس )

رغم إن أهزوجة ( عاش الزعيم الذي زيد العانة فلس ) كانت موضع تندر الأحزاب المعارضة للزعيم الراحل عبد الكريم قاسم إلا إنها تركت أثرا ايجابيا طيبا في نفوس الكثير من العراقيين ، ففي عام 1960 اصدر الزعيم قرارا باستبدال العملة المعدنية من فئة 4 فلوس ( التي كانت تسمى العانة ) إلى قطعة معدنية أخرى من فئة 5 فلوس ، وفي حينها حددت أماكن ومواقع متعددة لاستبدال إل 4 فلوس إلى 5 فلوس ، وقد كان هذا القرار بمثابة عربون المحبة بين الزعيم وفئات كثيرة للشعب لدرجة إن العديد واصلوا الإشادة به وبانجازاته حتى بعد رحيله عام 1963 ، واعتقد بعض بسطاء الناس إن رمزهم استقر القمر إذ بقت أجيال تتذكره بالخير من خلال النظر إليه في الليالي القمرية رغم إعدامه علنا بالطريقة البشعة التي تم بثها عبر شاشات التلفاز .
إن الهدف من هذه المقدمة ليس تقييم فترة حكم الزعيم وإنما للتذكير إن من يفعل خيرا للشعب ولو كان بمقدار الفلس ربما يبقى في ذاكرتهم لسنين او عقود ، وهو ما لم يحصل للرؤساء بعد فترة حكمه فلم يتذكر الناس من عبد السلام عارف غير انه ( صعد لحم ونزل فحم ) ، كما إن عبد الرحمن عارف الذي سلم من الموت بخروجه من الرئاسة دون إعدام او موت لم يترك بصمات تذكر ، والأمر ينطبق على احمد حسن البكر الذي خرج ب( أمر دبر بليل ) وبعده جاء صدام حسين الذي تم إعدامه بالطريقة المعروفة للجميع ، وفي العهد الجديد الذي جاء بعد 2003 لم تظهر شخصية كاريزمية كشخصية قاسم لا بسبب طبيعة الحكم كونه برلماني وليس رئاسي وإنما من شحة الانجازات رغم إنفاق مئات المليارات من الدولارات ، فالمصائب التي عاشها ويعانيها الشعب لا تحتاج إلى تعداد سواء من حيث الماء والكهرباء والمجاري والصحة والفقر والبطالة والفساد او غيرها من المظاهر التي باتت معروفة ومكشوفة ويدفع ثمنها المواطن كل يوم ، واغلب الرئاسات الوزارية التي تولت الحكم تعلن أسباب الإخفاق ذاتها من حيث طبيعة العملية السياسية التي تعتمد على مشاركة الجميع دون وجود معارضين حقيقيين وتسلط بعض الشخصيات والأحزاب على مراكز القرار والتدخلات الإقليمية والدولية وانتشار الإرهاب وغيرها من التبريرات التي لم تقنع الكثير، واعتقد البعض إن اعتصامات وتظاهرات تشرين الأول 2019 ستوجد حلا للمشكلات القائمة ، سيما بعد إقالة او استقالة حكومة عادل عبد المهدي والاتفاق على السيد مصطفى ألكاظمي كشخصية توافقية نظرا للأصوات التي حصل عليها في مجلس النواب او لان المتظاهرين لم يبدوا اعتراضات جوهرية على تسلمه منصب رئيس مجلس الوزراء وتكليفه بتشكيل حكومته من الوزراء التي اكتملت أسرع مما سبقتها من الحكومات ، وحكومة ألكاظمي انتقالية ويفترض إنها معروفة الأهداف والمعالم ومن واجباتها تلبية مطالب المتظاهرين والتمهيد لانتخابات نزيهة وعادلة تحظى بالقبول وبالمشاركة الواسعة للشعب على وفق النصوص التي وردت في الدستور وبما لا يتعارض مع المعايير المتعلقة بحقوق الإنسان والشفافية والديمقراطية بالشكل الذي يجعلها تحظى بقبول ومباركة المنظمات الدولية ذات العلاقة بالعراق ، وقد توقع المتفائلون أن يترك ألكاظمي بصمة كتلك التي تركها الزعيم لمحدودية المدة ووضوح الأهداف .
وصحيح إن حكومة ألكاظمي بدأت بصنع بصيص من الأمل في معالجة ما موجود وأعطت وعودا في محاربة الفساد وفك الاختناقات بما ينعكس خيرا على الشعب ، إلا إن الأيام أثبتت إن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه في ظل ظروف غاية في التعقيد سواء ما يتعلق بطبيعة التنافس السياسي او بسبب أزمة كورونا وما تتركه من انعكاسات او في مجال إدارة الأزمة المالية وعدم وجود موازنة اتحادية والتي ألزمت الحكومة للاقتراض الداخلي والخارجي للإيفاء بأبسط المتطلبات ، ورغم إن الأمل لم ينقطع في أن يختم ألكاظمي ولايته بالأثر الايجابي ، إلا إن ما تم تسريبه بخصوص مشروع قانون الموازنة الاتحادية لعام 2021 وما سبقه من ترك مساحة واسعة للمنتفعين في الاستفادة من التذبذب في أسعار صرف الدولار أثار العديد من التساؤلات ، فقد شكلت نصوص المواد التي وردت في المشروع صدمة للكثير سواء ما يتعلق بتغيير أسعار صرف الدولار او في إيقاف التعيينات او في إنقاص رواتب الموظفين والمتقاعدين وفرض ضرائب ورسوم خيالية ، وهناك من يجمع بان لهذه الموازنة انعكاسات من شانها إحداث متغيرات سلبية في المجالات المعيشية والأمنية والسياسية ، فعلى الصعيد المعيشي فمن المؤكد إنها ستسبب الركود في الأعمال وستخفض القدرات الشرائية مرة من تغيير سعر الصرف ومرة من تقليل الدخل ومرة من زيادة الضرائب والرسوم مما يزيد الفساد والفقر إلى حدود أكثر من الموجود ، واليأس والإحباط الذي ستتركه آثار الموازنة من شانها أن تزيد من معدلات الجريمة والإدمان كما ونوعا وفي خلق العداوات بين الناس أي بين من يأكل ومن يتفرج عليه ، أما في المجال السياسي فإنها ربما ستؤدي لحالة من العزوف في المشاركة بالانتخابات القادمة عندما يتنافس أكثر من 400 حزب بعضها ممولة من الخارج او من مبيعات الدولار او غيرها من الموارد مجهولة الأصل .
ومما يجعل البعض لا يتفاءل من إجراء تغييرات جوهرية على الموازنة عند مناقشتها في مجلس الوزراء او عند طرحها على مجلس النواب مجموعة من الأسباب ، أولها إن الموازنة سبقتها مقدمات من حيث التهديد الذي أطلقه رئيس الوزراء في إن كانون الثاني سيكون خاليا من الرواتب فالهدف هو التعجيل في إقرارها لقرب نهاية السنة المالية ، ناهيك عن اخذ رأي الكتل بخصوص سياساتها والاتفاق مع الاقليم على ابرز مضامينها واخذ موافقة صندوق النقد الدولي ، والسبب الثاني إن الموازنة مليئة بالألغام التي تصيب المواطن لأنها لم تستهدف زيادة الناتج المحلي من قطاعات الاقتصاد وإنما الاعتماد على الاستقطاع وتعظيم الموارد من الخدمات المنظورة وغير المنظورة وان كان التجهيز بالقصور والتقصير او العجز وكأن المواطن هو منجم الموازنة ، ويعني ذلك من الناحية العملية انه مهما تم التغيير او التخفيف من موادها فإنها ستبقى تشكل صدمة لعموم المواطنين ، وموازنة 2021 هي الموازنة الأولى في فترة رئاسة ألكاظمي وقد تكون الأخيرة إذا قدر للانتخابات أن تجرى في 6 حزيران القادم ، ولا نعتقد بأنها أعدت بمعزل عن علمه ومعرفته بالتفاصيل ، وان إخراجها بشكلها الحالي او اقل منه بكثير ستجعل شعبيته على المحك لا لأنه ( لم يزيد العانة فلس ) ، بل لان فترته ستعرف بأنها زادت أسعار الصرف او بسبب ما ستتركه موازنة الحكومة من مضاعفة المعاناة في الفقر والعوز والجوع من الصعب معالجتها في القادم من السنين لان ما تعودنا عليه إن ما يرتفع من الأسعار لا يعود .

أحدث المقالات