23 ديسمبر، 2024 12:25 م

موازنة .. تنعي موازنة

موازنة .. تنعي موازنة

الحديث عن الموازنة العامة لجمهورية العراق يدفعنا الى تسليط الضوء عن الغاية منها  باعتبارها  أداة اقتصادية فاعلة تكفل توزيع الموارد المالية على نحو دقيق وعلمي وتحقق الأهداف الاجتماعية والتنموية، وفق سياسة النظام السياسي السائد في البلد ومبادئه التي تكفل بحصول المحافظات العراقية بما فيها محافظات الاقليم ومواطنيهم على حقهم في رؤية هذه الموازنة تسخر من اجل تنفيذ مشاريع تعود بالنفع العام على الشعب وصرف مستحقات العاملين في القطاع العام وبعض الشرائح الاجتماعية التي لم يغفل القانون رعايتها ويتوجب منحها الاستحقاق الكامل . ومع تزايد حدة المناقشات في مجلس النواب حول تشريع وأقرار الموازنة العامة للعراق ، ومع أستقرار لوجهات النظر لدى السادة الاعضاء يتضح ان هذا الموضوع البالغ الاهمية والحساسية ليس سوى مجموعة ارقام وحسابات تقديرية وتنازع حول حصص المحافظات والوزارات التي ينتمي وزيرها الى كتلة واحدة مع بعض اعضاء مجلس النواب ، وان نواب المحافظات يدافعون بشراسة عن حصص محافظاتهم من الموازنة التي بلغت عند اقرارها نهاية العام الماضي وما أتبعها من موازنة تكميلية تجاوزت المئة وأربعين مليار دولار في تحطيم للرقم القياسي لاكبر موازنة في التاريخ تخصص لشعب لايتجاوز تعداد نفوسه الثلاثين مليون ومساحته لاتتجاوز 435 كم مربع . ولا يتضح ان الموازنة قام بوضعها أناس خبراء وذو رؤية أستراتيجية تنموية تعرف الفرق بين حجم الموازنة المرصودة وتوزيعها على الموازنة التشغيلية والنفقات السيادية والنفقات العامة والموازنة الاستثمارية وغيرها ، وفي كل عام يتسائل النواب عن جدوى تخصيص هذه الاموال الهائلة وما الهدف منها ؟ وهل حققت الموازنة السابقة الغاية المرجوة منها ؟ فعلى سبيل المثال عندما تخصص عدة مليارات تحت بند ( اصلاح المنظومة الكهربائية ) وعند مناقشتا للموازنة الجديدة ونأتي ايضاً الى هذا البند ( اصلاح المنظومة الكهربائية ) الا يتسائل أحدنا او احدهم او أحد ما ماذا صنعتم بالتخصيصات السابقة لهذا الهدف الحيوي ؟ والحال مطابق تماماً عند مناقشة تخصيصات النهوض بالبنى التحتية لقطاع الخدمات وأستصلاح الاراضي ووتطوير القاع الصناعي الذي يخصص له المليارات ولا نشهد تحولاً يسيراً ملحوظاً لهذا القطاع . وقد يغفل القائمون على وضع هذه الموازنة حدوث اي انتكاس في اسعار النفط والتي تعتمد عليها الموازنة العامة بصورة شبه كلية في توفير الموارد المالية ، ولا ينتبه المشرعون الى استحداث بدائل أخرى للدخل يمكن ان نستخدم الموازنة الحالية في ايجادها وتفعيلها وتقويتها لتكون عوناً في قادم الايام مثل الاستثمار الزراعي والسياحي والصناعي والتجاري عبر تنشيط حركة نقل البضائع والافراد الى العراق وجلب منفة من خلال الرسوم الكمركية والترانزيت في حال ساهمت الموازنة الحالية في رفع مستوى الخدمات وبسط الامن والاستقرار والتعامل بعقلانية مع الملفات الخارجية وتحسين سمعة العراق الخارجية عبر تقليل مستوى الفساد والعبث بمقدرات الموازنة العامة المخصصة لرفاهية الشعب وتطوير البلد . وليس التعامل مع الموازنة العامة على انها (رقم مسبق) تم تخمينه والمطلوب هو (قسمة) هذا الرقم على (الخانات) على ان يكون حاصل العملية الحسابية بدون باق.
وهذا يقودنا الى موضوع الحسابات الختامية للوزارات والمؤسسات التي نص القانون على تقديمها الى البرلمان قبيل الشروع بأقرار الموازنة الجديدة ، فقد اعلن مراراً غياب مثل هذه الحسابات وقد يعلم حجم التخصيصات ولكن قطعاً لا يعلم بصورة دقيقة حجم الانفاق . أذن هي العشوائية والتخبط وبصورة أدق هو (التغاضي) ، وهذا يعطي مؤشراً سلبياً ان القائمين على أدارة الموارد المالية في جميع مفاصل الدولة ينقصهم الخبرة والرؤية ، وأن توفرت فسوف يصطدمون ببشاعة الفساد المالي والذي أهدر المليارات من التخصيصات المزمع صرفها في مشاريع عامة وتسهم في تحسين الوضع المعاشي وتقضي على البطالة وتقلل من مستوى الفقر وللحديث بقية ….