19 ديسمبر، 2024 12:50 ص

مهنية الاعلام وحرفته

مهنية الاعلام وحرفته

مما لا شك فيه ان العالم المعاصر اليوم  يعيش حالة من التعقيد في شتى مجالات الحياة ، وهو تعقيد غالباً ما يُنتج الكثير من ‏الأزمات، ابتداء من أزمة الذات المعاصرة بدلالاتها وتشعباتها ، مرورا بالأزمات السياسية والاقتصادية ‏والمالية التى تشمل كل مجالات الحياة
وهنا تبرز اهمية الدور الذي ‏تلعبه وسائل الإعلام ، في تباين الرؤى ، برصد الوقائع وتحليلها والاسهام في تقديم الحلول كونه مرآة المجتمع العاكسة لاهم القضايا التي تشغل الجمهور ، باعتبار ان ذلك جزء من الدور المنوط بوسائل الاعلام ، الى جانب رفع حالة الوعي السياسي والثقافي للأفراد .
ان أول وأهم واجب للصحفي وحجر الزاوية في أخلاقيات مهنة الصحافة هو احترام الحقيقة وحق الجمهور في معرفة الحقيقة ، اذ إن جوهر عمل الصحفي هو تقصي الحقيقة وتوصيل المعلومة والخبر الصحيح من مصادره الموثوقة للقارئ والمشاهد والمستمع من دون تشويه أو تحريف فلا صحافة ولا صحفي مهني من دون حقائق.
صحيح ان المادة-5- ثانيا من قانون حقوق الصحفيين نصت على ان (للصحفي حق التعقيب فيما يراه مناسبا لايضاح رأيه بغض النظر عن اختلاف الرأي والاجتهادات الفكرية في حدود احترام القانون ) ، فان ذلك لا يعطي الحق لبعض الفضائيات ، التي من المفترض انها ملتزمة بتعليمات هيئة الاتصالات والاعلام ، ان تنتهج الاسلوب الهجومي والاستفزازي في معالجة الاوضاع عبر طرح لا يكون موضوعياً في اغلب الاحيان بحجة الوصول للحقائق وجعل المشاهد منشّدا للاستماع لمعلومات تريد تسويقها اليه .
فهل هذا السلوك الاعلامي يمكن ان نصف مادته اليومية بالحرفية ؟ ، وكل ما يقدم هو حالة من الاستقطاب السياسي والأيديولوجي واستعمال سلطة الاعلام ضمن نهج يجعل ساعات البث اكثر لفضائية ما دون غيرها عبر الضجيج والصراخ ومشادات حادة جدا يكون محورها مقدم برنامج متفذلك .
ان ترك الحبل على الغارب وبهذا الشكل لن يمكّن الاعلام ان يأخذ دوره في تحقيق الحرية والديمقراطية  والعمل بمسؤولية وحرفية من اجل البناء لا الهدم ، وتحقيق ثقافة اعلامية مؤثرة في المجتمع للنهوض بواقعه الى مديات الرقي والتطور .
ولان الرسالة الاعلامية هامة وخطيرة فكثير من وسائل الاعلام نجدها تلتزم الموضوعية والشفافية بعيدا عن التحيز والذاتية ملتزمة بمهنيتها ووطنيتها ، خصوصاً وان حالة الاستقطاب السياسي كان من اهم اسبابه هو ( التصريح ) للمسؤول بشكل يومي عن كل شيء وفي كل قضية وعدم التفريق بين التصريح الشخصي للمسؤول ، كنواب البرلمان ، وبين التصريح الذي يعبر عن راي الكتلة التي ينتمها اليها النائب او اللجنة البرلمانية المتخصصة التي يعمل النائب ضمن نطاقها المتخصص.
ويقول الفليسوف والصحفي الفرنسي فولتير في حرية التعبير عن الراي: انني اختلف معك في كل كلمة تقولها لكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في ان تقول ما تريد .
وبناء على كل ما تقدم ، فان الإعلام فعالية فكرية إبداعية تتفاعل مع الواقع وتتحاور مع الجمهور ، وقد بات في عصرنا الحالي قوة ضاربة لها سطوتها وتأثيرها العميق في الفرد والمجتمع والدولة والعالم ، ومكانتها التي لا تنافسها فيها قوة أخرى في صياغة المفاهيم وتحديد المواقف وتشكيل الذهنيات وصناعة الرأي العام المحلي والعالمي ، وقد قفز تسلسلها في الغرب المتحضر من السلطة الرابعة الى السلطة الاولى لان لها اليد الطولى في صناعة الاحداث.