وسط زحمة التفجيرات العشوائية المتتالية، والدماء التي تسيل على شوارع بغداد بلا هدف ولا غاية، وردني خبر كان في البداية اشبه باشاعة غير مؤكدة تشير إلى مقتل صديقي الصحافي مهند محمد الوائلي.
تلقيت الخبر بحالة من الذهول، لكن الامل بقي يحدوني: الخبر غير صحيح حتما. نظرت إلى صفحته على موقع الفيسبوك، واذا بي ارى انه قام ببعض الانشطة وعلق على بعض المنشورات مؤخرا، فزاد بي الامل بان يكون الخبر مجرد اشاعة او خطا ما.
سحبت هاتفي واتصلت به على الفور. رن الهاتف وانا انتظر بفارغ الصبر ان يرد علي. واذا بصوت حزين منكسر يرد، فاسال: مهند، هل هذا انت؟ يجيب الصوت: كلا، أنا ابنه. اذا هل ما سمعته صحيح؟. يجيب: نعم، صحيح والدي احترق تماما وهو في مشرحة مستشفى اليرموك، حيث لا يزال شقيقي الصغير، الذي اصيب رئته، راقدا فيها .
هكذا قتل مهند، في تفجير انتحاري في جنوب بغداد.
صحافي نشيط عرفته قبل اعوام طويلة. رجل لا يخاف الموت، يصر على الحصول على المعلومات، ويبني شبكة علاقات عامة حتى يتواصل مع الاخرين. وحين اقول صحافي نشيط اعني انه كان يناضل للحصول على المعلومة الحقيقية لنقلها بامانة.
وعلى المستوى الشخصي، كان صديقا بكل معنى الكلمة. ففي خضم الاوضاع التي نمر بها، كان عل الدوام صديقا وفيا ومتواصلا، يعتب كثيرا ادا انقطعنا عن بعضنا البعض لفترة من دون ان نسال عن احوالنا.
ولشدة وفائه، فقد استبدل صورته الرئيسة من على موقع الفيسبوك ووضع صورة زميلنا المصور الصحافي ياسر فيصل الجميلي الذي اعدمته منظمة “داعش” في سوريا ، وليس ذلك فحسب، بل شارك في حملة كبرى يقودها زملاء لجمع تبرعات لاسرة الفقيد ياسر.
بعد تاكدي من خبر وفاته، ادمعت عيناي، وحاولت قدر المستطاع اخفاء حزني وامساك دموعي حتى لاتنهمر امام زملائي في العمل وهم يعزوني، فيما مضيت استعيد ذكرياتي معه وصورا جمعتني به خلال تغطياتنا الصحافية التي كنا عادتا نلتقي فيها في بعض الاحداث.
واخيرا، رحت اراجع كل كلماته وضحكاته تارة، وعتبه تارة اخرى على مدى اكثر من عام على نافذة الدردشة الخاصة بيننا.
كنت انوي اني ارسل له رسالة اخيرة قبل ان يفارقنا في التفجير الذي اودى بحياته، لكن شاءت الاقدار ان نفترق قبلها، واليوم لا احظى سوى بفرصة ان اقول لك ارقد بسلام، علنا نلتقي قريبا فقافلة العنف هنا تمضي بلا توقف وتنادي دوما: هل من مزيد؟.
* مراسل وكالة الانباء الفرنسية في بغداد