البعثيون … في أستيلاهم على السلطة ، أي عودتهم ثانية العام ١٩٦٨ وفي تداعيات وضع سياسي مربك ، الوضع الداخلي والصراع الدائر بين الاحزاب حول الظفر بكرسي الحكم ونتيجة وضعهم الصعب وخوفهم من فقدان هيبة الكرسي ثانية ، ألتجأؤوا الى مغازلة الشيوعيين رغم حمامات الدم بينهم ، كانت مازالت دماء الشيوعيين ملطخة على حيطان اللجنة الاولمبية وسراديب قصر النهاية ومركز المأمون بمشاركتهم برجلي الكرسي من أجل تثبيته ، حيال خطوات ونيات أراد بها البعثيين التخلص من عقدة الماضي الدموي في الذاكرة الشعبية العراقية . تمكنوا وبسرعة قياسية من بناء منظومة قمع كاملة بميزات وخبرات متفردة في التعامل مع الملفات الأمنية لقوى وتحركات خصومهم السياسيين ، وملفات دول الجوار .
كانت أجهزتهم القمعية تتعامل مع قوى المعارضة بنفس طويل وهاديء , وينم عن تجربة وتخطيط وتوجيه ودراسة , ومن خلال تجربتي البسيطة والمحدودة في العمل الحزبي السري ، كانوا يتعاملون معنا بدراية ومعرفة حيث يتابعوا الخطوط الحزبية الى آخر نفس ، حتى وأن فلتت من بين أياديهم ، ومتابعة الرفيق الناشط ، أي يصبرون عليه ويتحملون تحركاته وعلاقاته وأن كانت مؤذيه لهم ، لحين معرفة كل خطوطه وتحركاته ولا يعني شيء لهم أذا أختفى عن دائرة سيطرتهم وتمكن من تجاوز الحدود أو ألتحق الى الجبل مع الثوار حامل السلاح ضدهم .
كان موضوع الاندساس ودس رجالهم داخل تنظيمات القوى المعارضة لهم ، من أولويات أجهزتهم القمعية والامنية داخل قوى المعارضة لتفتيتها من الداخل ، وفعلاً أخترقوا بعض التنظيمات وجندوا قادة وكوادر ، ومنهم ما زالوا يعملون ويزاودون للتغطية على ضعفهم في الهجوم على المناضلين وألحاق الحيف بهم ضمن وضع عام مربك وخطير .
بعد سقوط نظام البعث في العراق على يد الاحتلال وعملائه ، روى لي رفيق ( عتيق ) بالنضال والعمل السري ، العمر المديد له من نهاية الخمسينيات الى أيام سقوط البعث نيسان العام ٢٠٠٣ ، وفي هذا الشهر والسنة بادر بعض الشيوعيين من خلال تلقيهم معلومات مهمة عن مكان ملفات الشيوعيين المخبأة وقصص أعتقالهم في وضع أمني وسياسي متداعي ، تمكنوا في الاستيلاء على أرشيف مديرية المخابرات العامة المدفون في مخازن الأسواق المركزية في المنصور ، وكانت الاوراق التي تخص أرشيف حزبنا الشيوعي يقدر وزنها الى ( طن واحد ) من الاوراق المنضدة والمرقمة ، نقلت بعناية الى مقر الحزب العام الجديد في ساحة الأندلس ، وكان الحديث الشائع أن تنقل الى مدينة شقلاوة في بيوت الشيوعيين وتختار لجنة للتدقيق في المعلومات والاسماء وتشخيص المتعاونيين ، ولكن الذي حدث خارج أرادة العقل والمنطق والضمير، حيث شاهدوا تلك الوثائق في اليوم الثاني تحترق في ساحة متروكة خلف مقر ساحة الأندلس ؟ .
يروي ماتس إيكمان على صفحات كتابه ( مهمة من بغداد ) ، حول حياة ضابط المخابرات العراقية ماجد عبد الكريم في السنتيين الاولتين من وصوله لمملكة السويد ، حاول تهديد المخابرات العراقية بفضح ملفاتهم من خلال أعطاء معلومات عنهم لحكومة السويد , وذلك أعتقاداً منه سوف يخلص عائلته من الخطر ويحررهم من قبضة النظام العراقي في بغداد ، هدد بفتح ملف الحرب ، ومن بدأ بها ، وكيف ، وعن تجهيزات العراق للحرب ، والعلاقات الدولية ضمن هذا الأطار ، والدول المانحة والداعمة لمشروع الحرب ، والحديث عن موقعه داخل جهاز المخابرات والمهام التي كلف بها ، وحيثيات أسرار أعدام رجل الدين الشيعي محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة العام ١٩٨٠ ، وقربه من عملية الاغتيال ضمن المجموعة التي أشرفت على التحقيق معه وتعذيبه ومن ثم أعدامه ، كما تحدث قبل أسبوع من مقتله من أعطاء المخابرات السويدية وعد له بمنحه اللجوء السياسي ، أذا أدلى بمعلومات عن نشاط المخابرات العراقية في السويد وأوربا ، كما ذكر من خلال تصريحاته لاحدى الصحف مقابل ٦٠٠٠ دولار أمريكي . في بداية قدومه الى السويد سكن بشقة مشتركة في أستوكهولم مع شخص عراقي أسمه ( مراد ) ، وكانت فاتورة التلفون للخط الارضي للشقه ب ٤٣٠٠٠ كرونه سويدي ، في الوقت الذي كان راتب ماجد عبد الكريم ب ١٤٠٩ كرونه سويدي ، في الوقت ذاته وصل له مبلغ من جهة مجهولة ب ٤٠٠٠ دولار ، الاعتقاد السائد أنذاك أن هذا الثمن مقابل تسريب معلومات الى صحف وقنوات ، أي بيع معلومات سرية الى جهات مختلفة ومجهولة . كان القتيل ماجد عبد الكريم يقضي جلٌ وقته مع صديقه مراد وبعض العراقيين في منطقة ( Märsta ) في أستوكهولم ، في خضم تلك الاحداث زار ماجد عبد الكريم السفارة الانكليزية في العاصمة السويدية من أجل منحه فيزة الى لندن ورفض طلبه . كما أن ماجد عبد الكريم ، كان يرتاد النوادي الليلية في العاصمة السويدية ، وفي أحدى الحفلات ألتقى بأمرأة سريانية أسمها ( ماريا ) ، وأقام علاقة عاطفية معها ، وحدثها عن خلفيات علاقاته مع الحكومة العراقية ومشاكلها ، لكن ماريا شكت به وبأحاديثه ، وحاولت مرة التفتيش في أغراضه وملابسه عندما كان في الحمام ورأها وقتها ، لكنها وضحت له ، أنها تشك به أذا كان على علاقة مع أمرأة أخرى . بدأ ماجد يزداد قلقه يوماً بعد يوم من وجوده في السويد ، وكان مع صديقه مراد عندما يخرجوا من الشقة يتركوا علامات في باب الشقة وزواياه للتأكد من أن لم يدخل أحد الى الشقة في غيابهم ، ودائما كان مراد يدخل الى الشقة أولاً ، من أجل أطمئنان أكثر .
في شهر أيلول من العام ١٩٨٤ قاموا بسرقة ستة بناطيل بقيمة ٧٧٤ كرونه سويدية في سنتر ( سودرمالم ) من محل ( H.M ) ، هنا الجالية العربية في السويد تطلق على تلك المحلات ( حجي محي ) . المدعي العام في محكمة سويدية صدر حكم بحقهم بتاريخ ٢٩ آذار ١٩٨٥ ، وفي يوم أصدار القرار ، كان ماجد عبد الكريم مقتولاً ، أما صديقه مراد ألقي القبض عليه بسرقه أخرى في محل ( Domus ) في منطقة ( Kista ) ، بتاريخ ١٧ تموز ١٩٨٥ . روى عن ماجد عبد الكريم أنه ألتقى بشخص أسمه عصام خضير الجميلي في العاصمة السويدية , وقال لصديقه مراد ، أن هذا الشخص خطر جداً ، ووقتها عرف أن فاضل البراك مدير المخابرات وضع ماجد عبد الكريم في لائحة خاصة لقتله .