23 ديسمبر، 2024 6:02 ص

مهمة معصوم الشائكة في كردستان!

مهمة معصوم الشائكة في كردستان!

بدأ الرئيس العراقي فؤاد معصوم قبل يومين جولة في اقليم كردستان تستمر بضعة ايام، يلتقي خلالها كبار القادة والمسؤولين في مدينتي السليمانية واربيل.

وقد حدد الرئيس ثلاثة ملفات لبحثها في جولته، الاول، ملف العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، والثاني ملف مدينة كركوك، والثالث هو ملف حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يعد معصوم احد مؤسسيه وقادته.

لاول وهلة، تبدو مهمة الرئيس معصوم صعبة ومعقدة وشائكة، ارتباطا بطبيعة الملفات الثلاثة المشار اليها، التي تتداخل فيما بينها الى حد كبير، بحيث لايمكن الحديث عن أي ملف دون الخوض في الملفات الاخرى.

في ملف العلاقة بين المركز والاقليم، هناك نقطة جوهرية، يرفض اصحاب القرار الكردي في اربيل الاقتراب منها، لاسباب قد تكون نفسية ومعنوية اكثر منها اسباب واقعية ملموسة، الا وهي الغاء نتائج الاستفتاء كمدخل للدخول في حوار مع بغداد لحل المشاكل والخلافات بين الطرفين.

ولعله من اليسير جدا، اكتشاف التناقض الكبير في مواقف مسؤولي الاقليم، ففي الوقت الذي رحبوا فيه بقرار المحكمة الاتحادية ببطلان الاستفتاء، وما يترتب عليه من اثار ونتائج وتبعات، راحوا يتحدثون عن استحالة الغاء رغبة ثلاثة ملايين مواطن عبروا عن ارائهم بكل حرية، وراحوا يتحدثون عن عدم دستورية المحكمة الاتحادية. بحيث بات واضحا ان اصحاب القرار في اربيل يقولون شيئا ليناقضوه بشيء اخر، في الوقت الذي يلحون فيه على الشروع بالحوار مع بغداد بأسرع وقت، نتيجة ضغط الاوضاع الاقتصادية والسياسية السيئة التي افرزها الاستفتاء على عموم فئات وشرائح المجتمع الكردي.

والحكومة الاتحادية، تبنت منذ البداية موقفا واضحا حيال موضوعة الحوار مع الاقليم، يتمثل بألغاء نتائج الاستفتاء قبل كل شيء، والمجيء بوفد كردي يمثل كل القوى الكردية في الساحة، وهذا ما عجز عن تحقيقه حتى الان فريق اربيل، ويأمل البعض ان ينجح الرئيس معصوم في ذلك.

بيد ان معصوم الذي توجه الى السليمانية اولا، وتحديدا الى منزل الرئيس الراحل جلال الطالباني بمنطقة دباشان، ليلتقي أعضاء الهيئة العاملة لحزب الاتحاد، سيجد على طاولة البحث والنقاش، في أي مكان يذهب اليه الملفات الثلاثة حاضرة ومعروضة بكل تفاصيلها وجزئياتها، وسيكون مطلوبا منه تفكيكها، وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء والمتخاصمين، وكسر بعض الحواجز النفسية فيما بينهم.

ولاشك ان الامور في غاية الصعوبة، لان هناك مصالح كبيرة وحسابات عميقة، وتقاطعات حادة، وفراغات واسعة. وماجرى ويجري في فضاء الاتحاد الوطني الكردستاني خير مثال ودليل، فالقيادات الكبيرة المؤثرة غابت عن المشهد، اما بفعل الموت كما هو الحال مع جلال الطالباني، او بسبب المرض، كما هو الحال مع النائب الاول للامين العام للاتحاد كوسرت رسول علي، او جراء الانشقاق واختيار طريق اخر، كما حصل مع النائب الثاني للامين العام، برهم صالح، ناهيك عن حالات الفصل والاستقالة والابعاد التي طالت عددا لايستهان به من قيادات وكوادر الخطين الاول والثاني للحزب.

ولم خافيا حدة الصراع على السلطة والمواقع والمال والنفوذ بين رفاق الامس وخصوم اليوم، المترافق مع حملات تسقيط وتشهير علنية وسرية غير مسبوقة، لا توحي بأن حزب الاتحاد سوف يستعيد تماسكه وحضوره السياسي المطلوب.

وطبيعي ان ملف كركوك، بكل ما يحمله من عناوين ومغريات وتعقيدات، هو احد ابرز المسائل الخلافية بين قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني من جانب، وفيما بين الاخير وقوى اخرى في اربيل والسليمانية مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني وحركة التغيير(كوران)، من جانب اخر، مع عدم اهمال الوجود والتأثير الملموس لحزب العمال الكردستاني التركي المعارض(PKK).

والحقيقة المهمة التي ينبغي الالتفات اليها، هي ان الاكراد باتوا بعد السادس عشر من تشرين الاول-اكتوبر الماضي خارج دائرة التأثير والحضور في المشهد السياسي والامني العام لمدينة كركوك، بعدما استعادت الحكومة الاتحادية سيطرتها على المدينة، واليوم بدلا من ان يختلفوا على تقاسم السلطة والنفوذ والصلاحيات فيها، راحوا يتبادلون الاتهامات والشتائم بشأن الانكسار الكبير الذي تعرضوا له، وفقدانهم لـ”قلب كردستان”، التي كانوا يعولون عليها كثيرا.

وبعد ان يغادر الرئيس فؤاد معصوم السليمانية دون التوصل الى نتائج ومعطيات عملية مع رفاقه في مسيرة النضال الطويلة، وهذا هو المرجح، سيكون في اربيل، وما يؤشر عليه هنا، هو ان مسعود البارزاني، الذي تنحى عن السلطة اواخر الشهر الماضي، مازال اللاعب الفاعل الاول من وراء الكواليس، ولعل رئيس حكومة الاقليم نيجرفان البارزاني لا يخطو خطوة دون التشاور مع عمه البارزاني. لذا فأن الحوار الحقيقي لمعصوم في اربيل سيكون مع البارزاني. ويمكن تصور ما سيقوله الاخير للاول، اذ سيقول له “ان المحكمة الاتحادية غير شرعية، وان قراراتها سياسية، وان الاستفتاء هو خيار الشعب الكردي، وان الذين انسحبوا من كركوك انما خانوا القضية الكردية وتامروا عليها”، ومن غير المستبعد ان يوجه عتبا ولوما شديدا لمعصوم لانه اعتبر اجراء الاستفتاء خطوة غير مدروسة، اذ ان معصوم حمّل في حينه قيادة اقليم كردستان مسؤولية ما جرى من عملية عسكرية في كركوك، واعتبر أن إجراء الاستفتاء أثار خلافات خطيرة بين بغداد وأربيل وبين القوى السياسية الكردستانية ذاتها، والحل يتمثل في الالتزام بالدستور كأساس لأي خطوات أو إجراءات لاحقة.

ومن غير الواضح فيما اذا معصوم سيتباحث مع قيادات الحزب الديمقراطي في اربيل كقيادي لا رأي ولا تأثير له في الاتحاد الوطني، ام كرئيس دولة، لاحول له ولا قوة ولاكاريزما ولانفوذ!.

الاكراد يريدون من ينجح بحلحلة الامور لصالحهم، سواء كان كرديا ام عربيا، والحكومة الاتحادية في بغداد، تريد موقفا واضحا لا لبس فيه ولا غموض من الاكراد لتفتح ابوابها لهم وتشرع بالحوار معهم، وهذا ما يصعب على الرئيس معصوم انجازه والتوصل اليه.