من يتابع الحراك السياسي الجاري منذ فترة والمتصاعد يوماً بعد أخر سيتلمس دون أدنى ريب مجموعة من المؤشرات التي تستوجب التوقف والتفكير والعمل، منها بشكل خاص:
** العمل المحموم الذي تمارسه قوى الإسلام السياسي في البيت الشيعي الحاكم وميليشياته، من أجل إعادة الوحدة، ولو بصورة شكلية، إلى صفوفها لمواجهة قوى المعارضة للنظام السياسي الطائفي ومحاصصاته الطائفية المذلة. ويقف في مقدمة شخصيات هذه المجموعة المالكي والحكيم والعامري والخزعلي والمهندس وحزب الله.
** العمل المحموم لرئيس الحزب الإسلامي (جماعة الإخوان المسلمين) الذي يسعى إلى كسب القوى الإسلامية السياسية السنية إلى جانبه بهدف وأمل الدخول في تحالف مع المجموعة الشيعية الأولى التي تحركت هي الأخرى صوب رئيس المجلس النيابي العراقي سليم الجبوري، والذي حظي أخيراً بتأييد الخامنئي للتحالف مع المالكي.
** كل القوى الرافضة للدولة المدنية الديمقراطية والمجتمع المدني وهوية المواطنة المشتركة والساعية إلى تكريس الهويات الفرعية المشتتة للقوى والمفرقة للصفوف والتي يهمها استمرار التمييز والفساد.
** بعض دول وقوى الجوار التي تسعى بكل السبل، لاسيما إيران وسرويا وحزب الله، إلى تأييد هذه القوى وتكريس النظام السياسي الطائفي، في حين دول أخرى، لاسيما السعودية وقطر وتركيا، تسعى إلى استبداله بنظام طائفي آخر، وكل هذا التدخل الفظ مخالف ومناهض لإرادة شعب العراق المتعدد القوميات والديانات والمذاهب.
** وتتصدى هذه القوى لمسائل جوهرية في مقدمتها رفض أي تغيير في النظام السياسي الطائفي والمحاصصة الطائفية، ورفض تغيير التوزيع الطائفي لتشكيلة المفوضية المستقلة للانتخابات، ورفض تغيير النظام الانتخابي باتجاه ديمقراطي، ورفض كل المطالب الشعبية الأخرى التي تتصدى للفساد والإرهاب والتمييز ودور المليشيات الطائفية المسلحة في حياة الشعب العامة واليومية.
** نشر الكثير من الافتراءات والإشاعات الكاذبة من أجل إعاقة أي تقارب وتعاون بين القوى الوطنية والديمقراطية العراقية، وهو أمر يفترض أن ينتبه له كل من يسعى لتحالف القوى المناضلة من أجل التغيير.
** في مقابل هذا الحراك المحموم والمتفاقم لهذه القوى، يتابع المواطن والمواطنة بالعراق حراكاً مدنياً وديمقراطيا ما يزال بطيئا جداً لا ينسجم بأي حال مع حاجات البلاد وضروراتها الماسة والملحة التي تستوجب حراكاً أوسع وأسرع وأشمل على صعيد العراق كله، من أجل تعبئة كل القوى التي تضررت وما تزال من سياسات الأحزاب والقوى والفئات الحاكمة، وهي في الواقع العملي تشكل الغالبية العظمى من الشعب العراقي والتي تزيد نسبتها عن 98% من سكان العراق. إن التحالف المنشود يفترض أن يعبئ جميع الأحزاب والقوى التي ترفض الطائفية السياسية، والسياسات الطائفية التي مورست حتى اليوم من جانب القوى الإسلامية السياسية الحاكمة، شيعية كانت أم سنية، فهي لم ولا تمثل، لم ولا تخدم مصالح الشعب بقومياته وأتباع دياناته ومذاهبه، بل خدمت وتخدم ذواتها وجيوبها والحاشيات الانتهازية الداعمة والمصفقة لها.
إن التحالف الوطني والديمقراطي المنشود يفترض أن يطرح الحد الأدنى من الأهداف التي تسهم في تجميع كل القوى السليمة لخوض الانتخابات بقائمة موحدة يتم الاتفاق عليها، وفي مقدمتها مناهضة الطائفية السياسية والتمييز الطائفي والعنصري وضد المرأة وحقوقها المشروعة وضد الإهمال والتهميش والأقصاء ومن أجل تغيير بنية المفوضية المستقلة وتغيير قانون الانتخابات…الخ، إنها القوى التي يفترض أن تكون مؤمنة بعراق مدني ديمقراطي حديث يرفض تسلط القوى والأحزاب الإسلامية السياسية على الدولة والسلطات الثلاث باسم الدين، وترفض تسلط الدولة على الدين وخدمة مصالح الحكام. فحيادية الدولة إزاء الأديان هو الضامن لاحترام الديانات وأتباعها وطقوسها، واحترام الدولة ودستورها وقوانينها ونظامها الديمقراطي.
لا شك في أن مثل ها التحالف الذي يمكن ويفترض بل ويجب، بسبب واقع العراق الراهن، أن يجمع في صفوفه قوى اللبرالية واليسارية والديمقراطية بأطيافها العديدة والجماعات الدينية المدنية التي ترى في فصل الدين عن الدولة ضرورة فعلية ملحة، من الناحية المبدئية، إضافة إلى ما تسبب به، هذا الربط غير العقلاني بين الدين والدولة، من انتهاكات فظة وعواقب وخيمة على الشعب، بما في ذلك اجتياح العراق من بوابة الموصل والأنبار وغيرها قبل ذاك.
واقع العراق المرير يؤكد أن تعجيل التحرك صوب هذا المهمة، مهمة التحالف الوطني والديمقراطي، لم يعد قابلاً للتأجيل، إذا ما أرادت هذه القوى المؤمنة بالشعب وقضيته العادلة والساعية للخلاص من الفساد والإرهاب والتمييز والموت اليومي والتدخل الخارجي، فالجميع أمام ساعة الحقيقة ابتداءً من الأحزاب والقوى ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية والديمقراطية.
في ضوء هذه المهمة العاجلة انبثقت اللجنة التحضيرية التي أطلق عليها “لجنة المبادرة لتحريك ودعم التحضير لانعقاد مؤتمر القوى الديمقراطية في العراق”، والتي وجدت صدى طيب واستجابة واسعة من لدن الكثير من القوى والأحزاب والقوائم الانتخابية والشخصيات الوطنية العراقية من علماء وأدباء وفنانين وإعلاميين وسياسيين، التي نأمل أن تتكلل جهود الجميع بنجاح كبير عبر اللقاءات والحوارات والنقاشات الجارية والمطلوب تكثيفها وتعجيلها وتوسيع قاعدتها لكل المقصودين بالدعوة لتوحيد الجهود لمواجهة التردي المتسارع في أوضاع البلاد الراهنة، لكل من يجد أن النداء موجه له أيضاً، وصولاً إلى عقد مؤتمر توحيد الجهود في تحالف متين.
إن من واجب الشعب كله، ولاسيما قواه الطليعية المعارضة والمناضلة، إفشال مخططات تكريس الطائفية ومحاصصاتها والتمييز والإقصاء والفساد والإرهاب بالبلاد، وإسقاط التدخل الخارجي الفظ في شؤون العراق الداخلية، إنها مهمة كل مواطنة ومواطن سليم العقل والطوية في المجتمع العراقي دون استثناء!
نقلا عن الحوار المتمدن