23 ديسمبر، 2024 5:15 ص

ضمن حدود المنطق، أن تتحالف الإرادات والأهداف المتوافقة، وتتنافر المتناقضات منها. وحين يحاول المتتبع فهم الاصطفافات العالمية اليوم، ويكتشف أن المواقف العربية متوافقة تماماً مع الإرادة الأمريكية ( ومن خلفها الصهيونية )، يشعر بالضعة والهوان، ويدرك أنه تعرض لعمليات معقدة من غسيل الأدمغة. لأنه بتوافقه مع هذه الإرادة الإجرامية يكون قد خلع آخر قطعة من قيمه العقائدية والأخلاقية على سرير العهر الغربي، ودخل عارياً للعالم الجديد.
ولا يحتاج أحد في هذا المضمار إلى شواهد تعزِّز هذه الحقيقة المعروفة المجهولة، فالسلوك السياسي العربي يؤكد ذلك بكل صغيرة وكبيرة من ممارساته بدءاً من الإعلام التبعي، إلى المواقف العلنية والسرية، فضلاً عن الأفعال المقصودة وغير المقصودة. بل بدأنا نلملم صفوفنا ونجلب بخيلنا ورجلنا للدخول بحروب غير محسوبة العواقب، ولا محسومة النتائج  مع الضفة الشرقية للخليج العربي، متناسين أن أمريكا والصهيونية هم العدوّ الأول الذي ينبغي أن نحذره.
كنا نتّهم الحكومات المتسلطة حين تتغير أدوار اللعبة السياسية في المنطقة، فنقول: حكوماتنا لها علاقات متينة بأمريكا، وحكوماتنا تتهاون مع إسرائيل، وتتهادن. وكانت شعوبنا تفهم مجريات الأحداث، فترمي الحكومات بالعمالة، وفي أحسن الأحوال، ترميها بالضعف والمساومة.. أما الآن فمع كل ما يجري من تحالفات مشبوهة، واستسلام للإرادة الصهيونية.. وتبادل أدوار .. إلا أن شعوبنا قد دخلت اللعبة من أوسع أبوابها وأصبحت جزءً منها وطرفاً فيها، فقد هيّجتها أبواق الإعلام التي تعرف أي وتر تضرب لتسكر الشعوب، ولتتبنى أدوار الحكومات استسلاماً وتحالفاً مع قوى الظلام والهيمنة.
وأصبح التبادل الجزئي للأدوار تبادلاً كلياً.. فالشعوب العربية تلعب دور الحكومات، والحكومات العربية تلعب دور إرادة الهيمنة الأمريكية، وأمريكا تحقق الإرادة الصهيونية في المنطقة. كما أصبحت الحروب تُشَنّ بالنيابة بدءً بحرب الثمانينات بين العراق وإيران.. فبغض النظر عن الظروف التي سعّرت أوار هذه الحرب، إلا أن الراصد لا يستطيع تبرئة أمريكا والصهيونية من خلفها في تأجيجها واستمرارها.. لاستنزاف قوتين صاعدتين طامحتين .. تشكلان بشكل أو آخر تهديداً وخطراً حقيقيين على المدلّلة إسرائيل.
لقد كان جوهر صراع المنطقة يتمركز في بؤرة الهيمنة والمقاومة.. أما اليوم فقد تغيرت الأدوار وأصبح لصراع المنطقة وجهان مرتبطان جدلياً: وجه هو الوجه الأعمق القديم وهو الهيمنة الإسرائيلية للحفاظ على وجودها من الانهيار، ووجه ظاهر معلن وهو الصراع الطائفي والديني.. والغريب أننا نعرف جميعاً أن صراعنا هذا مجير لصالح الوجه الأول، وهم يحركونه متى شاءوا وأين شاءوا.. ونحن نعلم جميعا : أننا أدواته، وأننا حطبه الذي لا ينضب.
وبعدُ.. أليس حريّاً بنا عرباً ومسلمين، أن نتريث قليلاً لنتأمل أدوارنا التي نلعبها، وما أريد لنا أن نمارس؟ أليس حريّاً بنا أن نستوثق من مصالح بلادنا؟ وهل هذه المصالح يمكن أن تتفق مع إرادة أمريكا؟ أو تتوافق مع مطامح الصهيونية؟ هل الغرب حقاً يفكر بمصالح مشتركة بين شعوبنا العربية والإسلامية وبين الشعوب الغربية؟ أم أن الأعداء الحقيقيين وفق أيدلوجياتنا قد لبسوا أقنعة الصداقة وصارحونا بحبهم المفاجئ.. ونحن سرعان ما صدقناهم ووثقنا بهم، ليخدعونا بأعداء وهميين .. يبتزوننا من خلالهم، ويستنزفوننا بهم.. وهؤلاء الأعداء المفترضون لم يحتلّوا القدس، ولا ينوون احتلال الخليج.. كما أنهم ليسوا طامعين بثرواتنا النفطية، ولا يعملون على إفسادنا ثقافيا ولا اجتماعياً. تعالوا نتدبّر أحوالنا.. ونتعرف من جديد على ما يراد لنا، نتأمل مجردين من العصبيات والطائفيات المحدودة.. نفكر بهدوء بعيداً عن القنوات المشبوهة، وخارج تأثير التقارير المدسوسة، والوثائق المفبركة، لنتعرف من جديد على ما نريد نحن وما يراد لنا. ( وإن لم تكونوا مسلمين، كونوا عرباً أحراراً ).
ليس عوداً على نظرية المؤامرة.. لكن من يريد لنا أن نتمزق، ومن يريد أن يضربنا بعضنا ببعض، ومن يريد أن يجنِّب مخططاته إمكانيتنا لإفشالها، يدرك تماماً ما يفعله، ويدرك تماماً ما نفعله نحن…. وبكل براءتنا ندخل أسرة مومسات الغرب سكارى وما نحن بسكارى، متنافسين عليهن متصارعين، منكسرين ومنتصرين، لنتمدد على شراشفها الناعمة بدمائنا.. وما أن يطلع الصباح حتى نجد أنفسنا نحن المهزومون بلا هوادة.
[email protected]