دورات من الفراغ والضياع والإهمال والخيبة تلف المشهد العراقي بكامله، والغام سياسية موقوتة زرعها الساسة لأنفسهم وللشعب في التذاكر العراقية ، جرّاء سوء صنيعهم وخذلانهم للجماهير التي استأمنتهم على حقها في الحياة الطبيعية والعيش الكريم، فغدروا بها وتنكروا لتضحياتها وتجاهلوا كل الدماء الزكية التي سُفكت ولازالت على درب الحرية وبحثاً عن الكرامة.
قيل بأن “السياسة فن الممكن”، حد توصيف بسمارك، السياسي الالماني الأشهر في القرن التاسع عشر، ولها قواعد واسس تقوم عليها جهود الساسة، ويسيرون وفقاً لها. على افتراض أنهم رجال وطنيون يحملون هَمَ أوطانهم وقضاياه المصيريه، غير أن السياسة في العراق كانت نتاجاً لأنظمةٍ متعفنة، لم تعمل للوطن أدنى ما يستحقه يوماً من أيام الحكم وكفنٍ للممكن.
فكانت السياسة عندهم فن الانتهازية والتفنن في الولاء للحاكم الغالب بحكم القوة أو القبيلة، أو الارتهان للخارج بحكم الثقافة المكتسبة من الدول التي درس فيها بعض عرابي السياسة العراقية أو بحكم المصلحة المرجوة فظلوا خيوطاً تسيِّرهم تلك الدول بأيديها وتسوسهم.
الحاصل اليوم أن كثير من الساسة – ممن لا يزالون يقطنون الخضراء وممن كانوا يلوكون شعارات الوطنية ردحاً طويلاً من الزمن، ها هم وفي اول استحقاق وطني يفشلون فشلاً ذريعاً، فأصبحوا فرائس لدى أصحاب بعض الكتل الفسادة المتعفنة لا تقوى ولا تجرؤ حتى على الإيماء بما قد لا يروق “للسيد!!” وافواههم التي كانت ترعد وتُزبِدُ على البسطاء اصابها الخرس والعمى. وكذلك حال بعض الساسة الذين اتيحت لهم الفرصة للتحرر من قبضة سلطة رئيس الكتلةومغادرة الكتلة وبرغم مساحة التحرك الواسعة التي أتيحت لهم، إلا أنهم وللأسف سلكوا دروباً بعيدة عن دروب الوطن والمواطن وانشغلوا بمصالحهم وقضاياهم الشخصية لا أكثر، وهو ما اصاب العراق البسيط بالحيرة والذهول.
يقول صاحب كتاب “العقد الاجتماعي” المفكر الفرنسي “جان جاك روسوا” إن هدف كل نظام سياسي واجتماعي هو الحفاظ على حقوق الفرد وأن الشعب وحده هو صاحب السيادة المطلقة” غير أن جُل القيادات السياسية والعسكرية التي تعاقبت على حكم العراق قد سارت بعيداً عن ذلك ووقعت في المصيبة والخطاء بعد أن تربعت على قوائم العرش ودفعت بهم الجماهير إلى أعالي السلطة والحكم، القيادات التي نبعت منهم كمجتمع فقير باحث عن الكرامة سحقته الخطوب والحروب المستدامة بفعل حكم السلالات الفسادة المدمر للأرض والانسان.
ولأن من جاء بعدهم من الساسة قد أُجهِضوا أحلاماً وأُفسِدوا قلوباً وعقول عند خذلانهم للشعب عراقي ال وعدم وفائهم له، وانحيازهم المطلق إلى مصالحهم وجنون نزواتهم والاستئثار بالسلطة والثروة، وظهور نزعة استغلال المناصب مؤخراً وتوريثها لأبنائهم وذويهم على كل المستويات، تساوقاً مع رغبة الحاكم وحتى لا يكونوا عائقاً أمام طموحات توريث الجمهورية والشعب لشبابٍ غير قادرين على تحمل الهَمْ والمسؤولية.
وأصبح ساسة العراقيين اليوم في معظمهم يعمل في الخارج هائماً بروحه ومنشغلاً بمصالحه بعيداً عن المهام التي أوكلت إليهم في رعاية المواطنين وتلبية احتياجاتهم. عَلَتْ الصيحات وارتفعت الصرخات وكَثُرَ الانين في كل أرجاء الوطن جراء انقطاع رواتب الموظفين وانتشار الفقر في كل مكان.
كل ذلك لأنهم عجِزوا عن بناء السلام الحقيقي في صعدة إبان تفجر الصراع وحماية المواطن العراقي هناك من جور عصابات الفاسدين وظلمها وحتى من حماية القبائل التي ساندت الدولة في حربها ضدهم حتى لم تدخل الحكومة في الحرب ضد الفسادين بشكل مباشر. .
كما عجزوا وتقاعسوا في تحقيق مطالب المواطنين في بداية الحراك السلمي في المناطق العراق وعجزوا عن استشراف خطر القاعدة وداعش وتمددها وكسب كثير من الولاء لها في المناطق الغربية وبعض المناطق في الشمال حتى استشرى شرها وأثرها.
كما فشلوا في إيقاف تدهور وتهالك البنية التحتية والاقتصادية للبلد والحد من اعتداءات اللصوص وقطاع الطرق والانتهازيين على مصادر الاقتصاد من النفط والطاقة الكهربائية، فتهالك الاقتصاد وأصبحت العراق تبيت في ظلام دامس في كل قراه مُدُنِهِ ونواحيه.