23 ديسمبر، 2024 4:34 م

مهزلة التصريحات في العراق

مهزلة التصريحات في العراق

في شهر نيسان من عام 1990 ظهر صدام حسين وبطريقة دون كيشوتيه ليعلن في مؤتمر صحفي  أن العُلماء العراقيين قد توصلوا إلى صناعة المكثف اللازم لتفجير قنبلة الكيماوي المزدوج , وانه سيقوم بحرق نصف إسرائيل مما أحدث ردة فعل دوليه عنيفه على هذا التصريح وقد ركز الاعلام الدولي على الكلمات الاربع الاخيره (سيقوم بحرق نصف أسرائيل) واعتبروا ان ذلك اعتراف من العراق بامتلاك اسلحة الدمار الشامل (الكمياوي المزدوج) ونيته بحرق اسرائيل ولم تنفع مئات بل الالاف من التوضيحات التي حاولت الة الاعلام العراقي بانه كان يرد على تهديدات اسرائيل وكان من نتيجة ذلك التصريح الاهوج ان دفع العراق الثمن غاليا من حصار وقتل واعادة العراق الى عصر ماقبل الصناعة ومنذ ذلك الوقت دقت ساعة النهاية لنظام صدام ليدفع ثمن تصريحات ظنها من ضرورات تحقيق حلمه في الزعامة .
وبالرغم من الثمن الذي دفعه العراق نتيجة للغباء وعدم التروي الا اننا نرى ان البعض من السياسيين اصيبوا بنفس هوس صدام في البطولات الكلامية واصبح هوسهم بالظهور على شاشات التلفزيون او على صفحات الجرائد والمجلات مرضيا بحيث اصبحت القنوات الفضائية غير كافيه لاحتواء تصريحاتهم فلجؤا الى افتتاح قنوات فضائية خاصة بهم . طبعا لايمكن لاي شخص كائنا من يكون ان يعترض على حرية التعبير وابداء الرأي فهي من الحريات التي كفلتها الاتفاقيات الدولية والاعلانات العالمية ناهيك عن الدستور العراقي الا ان القانون الذي حمى ذلك الحق وضع اصول لممارسة ذلك الحق فلايجوز ان تكون ممارسة الحق في التعبير او ابداء الرأي وسيلة لقذف الاخرين او التشهير بهم او لبذر الكراهية والطائفية . التصريحات التصعيدية.
فمن َالمعروف ان مخاطبة الجماهير هي فن التأثير على الجماهير واستمالتهم وهي تعتمد على عناصر الخبرة والمعرفة والمرانة و الملكة والقدرة على اثارة العواطف وتنبيه الشعور الا ان النظر الى سيل التصريحات التي يطلقها سياسيو العراق منذ ان ارتقوا مسرح الحياة السياسية نرى انها بعيده عن كل تلك العناصر وهي في حقيقتها لا تعدوا محاولة للتغطية على عجز فاضح يعاني منه السياسي العراقي، وهي عدم امتلاكه رؤية البناء والحل، وإفتقاره الى الثقافة السياسية التي يعالج بها الأزمات، فيلجأ الى التصادم المنفعل، ففيه تعتيم على الخلل الفادح ببساطة المستوى وسطحية التفكير. وهذا لايقتصر على جهة سياسية معينه سواء فنرى ان كافة الفرقاء السياسية تقع في نفس المطب في اطلاق تصريحات اقل مايمكن ان يقال عنها انها مضرة بمن يطلقها قبل ان تصيب بضررها الاخرين . ولعل اوضح مثال على ذلك ماصدر عن سعيد اللافي الذي يطلق عليه تسمية المتحدث الرسمي باسم متظاهري الرمادي . ففي اول ايام المظاهرات في الرمادي ورفعهم شعار (لا لعبد الزهره ) فقدوا تعاطف كل ابناء الجنوب وكل الاصوات المنصفه فتلك افعال يعاقب عليها القانون وخصوصا عندما لايدرك الذي يقوم بالتصريح ان مايقوله هو اعتراف من قبله بارتكابه جريمة مثل اعترافه بحيازه ادلة على قيام اخرين بارتكاب جرائم ارهابية وعدم قيامه بتقدم تلك المعلومات الى القضاء او الظهور المخزي لاحد النواب وهو يشهر وثائق يتهم بها الجهة التي تصادق على نتائج الانتخابات ويتهم القضاء العراقي انه نخره الفساد متناسيا بان الشعب العراقي كله ينتظر من تلك الهيئة التي وصفها باللامستقله اعلان النتائج الانتخابية ومن القضاء الذي وصفه بالفاسد ان يصادق على تلك النتائج وقد يكون مفهوما لو انه كان يدافع عن قضية تخصه ولكن ان يظهر غاضيا متوعدا ومزبدا ليتحدث عن موضوع يخص تكتل من المفروض انه ينافس التكتل الذي يمثله النائب المحترم .
 من ناحيه اخرى نرى ان بعض التصريحات تثير الضحك وتكشف عن مدى ضحالة من يطلقها مثل ظهور احدى النائبات المحترمات على شاشة التلفزيون منادية بالويل والثبور وعظائم الامور لتبرز ( وثيقة خطيره) عن الفساد والكفر الذي ترتكبه الحكومة لتبرز  عملة الف دينار وربما فات عليها ان هذه العملة مستعملة في العراق منذ عام 2004 ولكن يمكن ان نلتمس لها العذر فالنائية المحترمة لم تتعود على رؤية هذه العملة الصغيره التي لايستعملها سوى ابناء الشعب المغلوبين على امرهم اما السادة الساسيين فقد تعودوا على منظر الاخضر من العملات . او ان يظهر وزير سابق وبعد ان اصدر القضاء العراقي حكمه في قضية اجهزة كشف المتفجرات وبعد ان اعتبر القضاء الانكليزي ان هذه الاجهزه هي اكبر عملية احتيال ليقول لنا الوزير المبجل بان هذه الاجهزه هي افضل وسيلة لمكافحة المتفجرات . والمشكلة ان جميعهم يقدمون لتصريحاتهم بالقول بان لديهم معلومات دقيقة او ان يلوحوا باوراق يكثرون من تحريكها .
ومما يثير الاستغراب ان بعض السياسيين او الذين يطلقون على انفسهم هذه الصفة وهم عنها بعيد انهم كلما برزت بارقة أمل للتقارب بين الكتل السياسية ، يبادر الى اطلاق تصريح قوي شديد اللهجة، يشعل به العلاقة بينهم ، ويؤجج المعارك الكلامية. كأن المطلوب هو انهيار جسور العلاقة بين الاطراف السياسية وحتى يصل تأثيرها الى الاسائه في بعض الاحيان الى علاقات العراق الدولية و تحطيم سمعة العراق في المنظمات الدولية مثل قيام وكيل احدى الوزارات بالرد بصورة متشنجه على تقرير احدى المنظمات الدولية متهما اياهم بان معلوماتهم غير دقيقة بدون ان يكلف نفسهم ليتذكر بان الموضوع كان ضمن نشاط تقوم به الحكومه العراقية ودعت تلك المنظمة لتقديم تقريرها وكان عليه ان يعطي نفسه الفرصه للرد بالارقام بدل الردود المتشنجه والتي احدثت من الضرر اكثر من الفائده
 ولاتقتصر مثل هذه الشطحات على سياسي الصف الثاني بل يطلق احد الكبار الثلاث من برجه العاجي بتصريح غريب جدا بالقول ان احد المكونات هو اكبر عددا من كتله اخرى وكأنه قد نسي او تناسى بان موقعه هو ان يمثل كافة العراقيين بدون النظر الى الطائفة او اللون او الدين والمعتقد وبدون ان يبين لنا الاساس الحسابي الذي بنى على اساسه ذلك التصريح متناسيا ان اول مباديء مخاطبة الجماهير وخصوصا لمن هو في مثل موقعه هي المصداقية . او ان يصرح احد الرؤوس الثلاث بان نائبه قد زوده بمعلومات خاطئه وانه سيحقق بالموضوع ولكن الاشهر تمضي بدون ان يرى الجمهور اي نتائج للتحقيق فان هذا يعرض المسؤول الى فقدان المصداقية .
إن رغبة السياسيين في التصريح والكلام، هو أحد الأسباب الرئيسية لأزمات العملية السياسية، فتصريح غير مسؤول من أحد النواب، يقابله سيل من التصريحات المضادة، كما حصل عندما قامت احدى النائبات من اصحاب الحظوه باثارة موضوع قيام اخد النواب بالعلاج على حساب الدولة لتتورط وتورط كتلتها وبقية النواب بكشف ملف لم يكن الجمهور يعلم به وهو قيام النواب بالعلاج واصلاح ماافسد الدهر من وجوههم ووجوه زوجاتهم ومناطق اخرى من اجسامهم على حساب الدولة بمعنى ان نواب البرلمان على أهبة الاستعداد لخوض المعارك الكلامية، وهي ظاهرة تتميز بها الحياة السياسية في العراق  بشكل ملحوظ. إن المواطن العراقي لا يسمع من سياسي أي كتلة من الكتل، كلاماً للحل، إنما يسمع الصرخات والاتهامات، ويتطور الامر في حالات كثيرة الى الإتهامات والشتائم. وكان بمقدور المواطن ان يحترم هذه الخصومة لو انها تنطلق من مواقف معقولة، لكنها خصومات مزاجية، ولذلك نراها متغيرة الاتجاه، فمن اشد حالات الخصومة، تنقلب الى تحالف وآخاء، ثم تعود الى التصادم ثانية، في حركة روتينية صارت مملة وغير قابلة للمتابعة. ماتناسين الاستراتيجيات الاربع الذهبية في مخاطبة الجمهور وقيادة الجماهير وبناء الرأى العام، وهي مخاطبة القلوب، وأيقاظ العقول،وتشكيل الطريق، وان يكون المتحدث هو البداية.متذكرين قول النبى (صلى الله عليه وسلم): «قضى الله أن لا ربا وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبدالمطلب».. الفكرة تقول أن تكون القيادات العليا للأمة هى قائدة ركب التنفيذ، أن تبنى بيوت النخبة من زجاج، فتصبح الشفافية هى العنوان الأوحد لكل أعمالهم، أن يلحظ الجميع أن التوأم الملتصق لقول القائد هو فعله: «الربا حرام، وأول من يطبق عليه القرار عم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .