23 ديسمبر، 2024 5:55 ص

ان مما لا شك فيه ان الديمقراطية في العراق ما زالت تحبو وتحتاج الى عقود لتستقر في النفوس وتعيها اذهان العراقيين ويتطور الفهم العام لها وتؤتي ثمارها ولكن مما يعاب على الشعب وقياداته انها لم تستفد من تجارب الشرق والغرب في هذا المجال اضافة الى ان الانتخابات عندنا هي مثل فلم ممل يعاد تكرار احداثه كل اربع سنوات بنفس الوجوه ونفس الشعارات وبلا اي انجازات تذكر فما زال العراق بعد عشر سنوات على التغيير يتقدم قائمة الدول الاكثر فساداً مالياً وادارياً وتجارياً في العالم وما زال العراق يرزح تحت مأسي التفجيرات والنقص في الكهرباء والماء والدواء بل وحتى الغذاء عند الكثيرين! ورغم ان الميزانية لدينا جعلتنا في مصاف الدول المانحة وجعلت بقية الدول المساعدة للعراق تخفض من مساعداتها للعراق بحجة انه بما يمتلك من موارد مادية قادر على اعمار نفسه ومساعدة غيره ان استثمر موارده بشكل صحيح، اذا فأين الخلل؟
سؤال لا بد ان يتبادر الى ذهن اي شخص يجلس في مجلس عام يعقد لأي شخصية انتخابية حين يسمع المثاليات والقنابل الكلامية والعمق الفكري لهذه الشخوص فيتساءل اين الخلل؟فالأشخاص هم خيرة المتكلمين ولديهم من الشهادات -سواء منها الرصينة او المزورة او المشتراة بنقود!- ما لا يمتلكه غيرهم! ووسط عزوف الكثير من الكفاءات عن الترشح يبقى هؤلاء هم الحل الوحيد فأين الخلل؟
هل الخلل في الشعب الذي يتقاعس الاكفاء منه عن التصدي للمسؤوليات العامة؟
ام ان الخلل في فهمنا لهؤلاء المسؤولين الذين يجيدون فقط فن الكلام ولا شيء غيره!
ام ان الخلل في النزعات العشائرية والحزبية والطائفية الضيقة التي لا زالت تحكم ذهنية الناخبين؟
ام ان الخلل في الوفرة المالية الحالية وسط ضمائر ميتة ومصالح متنامية لحيتان بشرية تأكل ولا تشبع وتسرق ولا تمل؟
ام ان الخلل في ان ما يطرح هو كلام جميل في غير وقته وافكار مثالية زيادة عن اللزوم وتطبيق اسوأ من السيء والناس نيام؟
ام ان الخلل كما يحلو للبعض ان يعلقونه على شماعة المؤامرات الدولية والدسائس الداخلية والخارجية والاجندات السينية والصادية؟ ام اين الخلل؟ الخلل في كل ما ذكر واكثر بكثير!
فكر مشوه وشعب لا يعرف ما يريد!
لا شك ان التربية البعثية والحروب الدموية والمسخ الفكري خلال النصف الثاني من القرن العشرين جعل الافكار العراقية تعجن ببهارات الشيوعية والاشتراكية والدموية والدينية المشوهة واللادينية واللامبالية المقيتة والمصلحية الضيقة والبحث عن من يشبع القوم اليوم ويجيعهم غداً فكيف نتخلص من كل هذا ليصفوا الجو للبحث عن غد افضل؟ وكيف نجعل الشعب يتجه الى وجهة موحدة تقوده الى الخلاص مما هو فيه؟
خيركم من استمع القول فأتبع احسنه
في الجواب على الاسئلة السابقة تدخل جدلية الدور في من يبدأ الاصلاح ليصلح الاخر؟ الشعب يصلح نفسه لتصلح الحكومة التي ينتخبها؟ ام ان الحكومة الصالحة تعمل على النهوض بالواقع الشعبي فتصلح الافكار والاعمال وتوجه الناس الى الخير؟
مسألة الدور جرت بيني وبين من احب                لولا مشيبي ما جفا لولا جفاه لم اشب!
وفي الجواب على هذه الجدلية لا بد ان نعرف ان الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ولذا فالتغيير يبدأ من الشعب ليتجه صعوداً الى الدولة والحكومة والقيادة في مختلف الصعد والامر لا يتم في ليلة وضحاها بل بتجمع اصحاب الفكر والقلم والباحثين الاجتماعيين والمثقفين في تجمعات صغيرة تكبر مع الوقت ليعم صدى اقوالهم وافعالهم المجتمع كله فتنشأ طبقة اهل الفكر ويقودوا الناس الى جادة الصواب ويهذبوا الافكار ويشذبوها باختيار الخطاب المناسب في الوقت المناسب فهكذا نهض غيرنا وهكذا يجب ان ننهض ونتحمل مسؤوليتنا التاريخية التي سيحاسبنا عليها الابناء غداً قبل حساب الاخرة على التفريط في الحقوق وتضييع البلد في الصراعات والتحزبات والتكتلات التي لا تمت الى الصالح العام بصلة ولا تحقق الغاية من ثقافة المثقف وشهادة الخريج فالكل متفق على ضرورة الاصلاح والنهضة ولكنهم لم يتفقوا لحد الان على الالية والوسيلة لذلك.
انعدام الثقة
ان مما لا بد من الاشارة اليه هنا هو قضية انعدام ثقة الناس بالوعود الانتخابية حيث ثبت فشل كل من وعد بشيء مما ادى الى انعدام الثقة بما يطرح الان وما سيطرح وللقضاء على هذه الظاهرة يجب ان يتبع المرشحون والقياديون لحركة البلد شعار (اعمل ودع عملك يتكلم) ويتركوا الفنون الكلامية والوعود الانتخابية ويتجهوا الى العمل فحين نعلم ان عدد المرشحين في العراق تجاوز ال(8000) مرشح لمجالس المحافظات واغلبهم ان لم يكن كلهم مسؤولين حالياً في دوائر الدولة ومؤسساتها، ندرك ان غايتهم ليست الاصلاح فلو ان كل واحد منهم عمل على الاصلاح والتطوير في مكانه ودائرته لكان الحال غير الحال ولما احتجنا الى حكومات محلية حين يكون ظابط كل شخص ورادعه ومحركه الضمير والخوف من الله ومراعاة خدمة الناس ومصالحهم فهل الى ذلك من سبيل؟ نسأل الله تعالى ذلك عن قريب فقد شاب الرضيع ومات الكبير على امل رؤية الوعود الانتخابية تتحقق فرفقاً بالعباد يا وكلائهم في مواقع الخدمة والتكليف وليس التشريف واتقوا يوماً لا ينفع فيه مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم وانا ادعوا كل من يتصدى الى المسؤولية في الوقت الحاضر الى التحلي بثقافة استشهادية تجعله مستعداً دوماً للشهادة في سبيل تحقيق مبادئه وخدمة الناس فأن اجر ذلك اعظم واكبر من كل اموال الدنيا وكنوزها لو كانوا يعلمون.
علاوة على ما ذكر:
ما زال شيخ العشيرة يجتمع بأبناء عشيرته ليحظهم على انتخابه! وبلا برنامج انتخابي ولا استحقاق!!
وما زال شيخ الدين يجتمع بمريديه واتباعه وانصاره ويحضهم على اتباعه وانتخابه ولا برنامج انتخابي ولا مشروع ولا استحقاق ولا اختصاص!
وما زال مدير الدائرة يخوف موظفيه لينتخبوه والا!!! فالسيف القاطع ان فشل؟ وبلا برنامج انتخابي ولا احقية ولا اختصاص!!
وما زال الحزب يحشد جماهيره والمنضمين تحت لوائه بالترغيب بالمكاسب ان فازوا وحققوا النصاب للحكم والتحكم والترهيب من عواقب الفشل والخسارة في الانتخابات !!!؟؟
وفي كل هذا غاب صاحب البرنامج الانتخابي الواقعي والتنافس الحقيقي بين صالح وطالح ومختص ودخيل وخادم للشعب ومتمصلح طامع بالسلطة والمال والمنصب
فهنيئاً للعراقين ان يقتلوا من اجل انتخابات كهذه في تفجيرات حقيرة وعلى ايدي ارذل الخلق.