من البديهي أن الاعداد لمهرجان دولي مسرحي تشارك فيه فرق تنتمي لقارات متعددة،يعد مسؤولية كبيرة جدا ليس من السهل النجاح فيها إلاّ إذا كانت عملية الإعدَاد قد بدأت منذ فترة مبكرة،وتولت لجان متعددة ومختصة مسؤوليتها،كلٌّ تعمل حسب اختصاصها ومسؤوليتها،فالمسألة لاترتبط فقط بتقديم عروض مسرحية،انما تتعلق بجوانب ادارية وتنظيمية لها صلة مباشرة بما يتم يتوفر من ارضية مادية مناسبة لاستيعاب واستقبال الوفود المشاركة في اماكن تليق بهم، وبما يوفر لهم الراحة والهدوء والتقدير العالي،بالشكل الذي يجعل جميع الفرق المسرحية تشعر بأهمية حضورها ومشاركتها في فعاليات المهرجان من دون أن يكون هناك أيّة تفرقة في التعامل فيما بينها،هذا اضافة الى اهمية المحافظة على نوعية العروض المختارة للمهرجان وذلل بالحرص على انتقاءها وفقا للمعايير الفنية التي تضعها إدارة المهرجان،واستبعاد ايّة حسابات اخرى لاصلة لها بتلك المعايير،وهذا ماسيعطي بالتالي انطباعا حسنا لدى المشاركين وجمهور المهرجان.كماسيعزز بالتالي اصرار الفرق المسرحية على المشاركة مرة اخرى في الدورات القادمة .
مسار صحيح
في تقديرنا الشخصي أن مهرجان اربيل الدولي للمسرح الذي تنظمه سنويا المديرية العامة للثقافة والفنون في اربيل ودائرة الفنون المسرحية بوزارة الثقافة والشباب في حكومة اقليم كوردستان قد بدأ فعلا يخطو باتجاه المسار الصحيح الذي اشرنا اليه في مقدمة المقال،اخذين بنظر الاعتبار حداثة مسيرته. فالدورة هذه هي الثالثة من عمره منذ أن بدأ مسيرته قبل ثلاثة أعوام.اضافة إلى حداثة التجربة بالنسبة الى القائمين على تنظيمه.وقد بدا واضحا أن ادارة المهرجان تجاوزت بشكل كبير الثغرات والهفوات التي صاحبت الدورتين السابقتين سواء في الجانب التنظيمي أو العروض المشاركة،فالتحسُّن بات واضحا بشكل ملموس في هذين الجانبين.
تنوع المشارَكَات
شهدت دورة المهرجان هذا العام مشاركة سبع فرق مسرحية من جنسيات اوربية وعربية وتم تقديم14عرضامسرحيا خلال سبعة ايام،وقد جاءت الفرق المشاركة من:فرنسا،المانيا،بيلاروسيا،السويد،كتالونيا،وتونس ،المغرب، أوغندا ،بغداد، اضافة الى ثلاث فرق من كوردستان العراق.
بطبيعة الحال يعكس تنوع الفرق المشاركة سِعة أفق ادارة المهرجان وحرصها على أن يكون هذا الملتقى الفني الدولي،نقطة التقاء واسعة تقام عليها أسس حوار جاد ومثمر لثقافات متنوعة في إطار الفضاء المسرحي.
والفن المسرحي بما يملكه من ادوات اشتغال فنية ــ نضَجَت عبر مسيرته التاريخية الطويلة ــ يتمحور عمله على مفردة التفاعل مع المتلقي ،اضافة الى كونه حقل فني ومعرفي لتبديد الظلمة عن جمال العالم،وذلك عبر مايرسله من خطاب فني تتكامل فيه عناصر سمعية وبصرية لتبرق من خلاله رسائل طمأنةٍ للأنسان في وجودٍ يسودهُ الخوف والاضطراب وذلك عن طريق اشاعة الوعي في ذاته القلقة وهي تبحث عن الحقيقة.
والمسرح في هذا الإطار من بين بقية الفنون هو الاكثر فعالية وجمالية لتحقيق هذه القيم النبيلة بشكل واقعي وملموس بعد أن بدَّدَت السياسةُ أحلام الانسانية في تحقيق مناخ آمن ونظيف للتعايش والحوار.
هذا اللقاء الدولي ستبدو بلاشك نتيجتة واضحة ــ شكلا ومضموناً ــ على صورةِ المسرح الكوردي مُستقبَلا،ومن خلاله سيكتسب خبرة عالمية تضاف الى رصيده المحلي ــ وهو أحوج مايكون اليهاــ ستؤهله بالتالي للخروج نحو افق دولي يتسع لأحلام الواسعة .
ومما يدلل على جدية ادارة المهرجان في الاخذ به نحو مسار سليم وطموح حتى يصل في هيكليته التنظيمية والفنية بمستوى المهرجانات الدولية أنْ عهدت مسؤولية لجنة تحكيم المهرجان الى نخبة ممتازة من الاسماء المسرحية الرصينة والمعروفة على المستوى الدولي،فقد ترأس اللجنة البريطاني البروفيسور روبرت لينج وسكرتير اللجنة د. فاضل جاف ،أمّابقية الأعضاء فهم كلُّ مِنْ:الناقد المسرحي المغربي عبد الواحد بن ياسر، وكريستوف بلا تيد مدير بيت المسرح الالماني،والمخرج الايراني قطب الدين صادقي.
بروتوكل تعاون
شهد المهرجان بالاضافة الى العروض المسرحية حضور وفد مصري كبير ضمَّ عددا من نجوم المسرح والسينما والتلفزيون في مقدمتهم النجم فاروق الفيشاوي وصفية العمري وسامح الصريطي وسامي مغاوري وخليل مرسي وايتن عامر ووفاء الحكيم وغادة طعمة وفاروق الرشيدي وعمر عبد العزيز وكمال عبد العزيز ومحمد ابوداؤود والمنتج محمد فوزي ورئيس اتحاد الفنانين العرب مسعد فودة،والأمر المهم في المشاركة المصرية هو:توقيع اتفاقية مشتركة مابين نقابة فناني كوردستان ونقابة المهن السينمائية ونقابة المهن التمثيلية.وقد وقع الاتفاقية عن الجانب المصري الفنان سامح الصريطي ممثلاً عن نقابة المهن التمثيلية إضافة إلى مسعد فودة رئيس اتحاد الفنانين العرب.وتهدف هذه الاتفاقية الى تفعيل سبل التعاون المشترك مابين الجانبين في إطار تبادل الخبرات والمشاركات في المهرجانات والفعاليات الفنية،اضافة الى تقديم كافة التسهيلات الانتاجية لتحقيق العمل المشترك مابين الجانبين.
أمَّا فيما يتعلق بالجانب الفني الذي ظهرت عليه العروض المسرحية المقدمة في المهرجان ــ خاصة ماقدمته الفرق الاجنبية ــ فقد لوحظ عليها اهتمامها بالرقص بشكل اساسي،كذلك الاعتماد على لغة الجسد في مقابل تهميش عنصر الحوار القائم على الكلمة المنطوقة،وقد تجلى ذلك واضحا في العرض الالماني والبلاروسي والفرنسي.ويعزى ذلك بتقديرنا الى محاولة تلك الفرق تجاوز عقبة اللغة في عدم قدرتها على ايصال الافكار الى جمهور الحاضرين الذي ينتمي الى لغات مختلفة وثقافة متنوعة وهذا مايشكل بالتالي عائقا يمنع التواصل والتفاعل مابين العرض والمتلقي.لذا كان خيار الاعتماد على لغة الجسد هو الأسلم،اضافة الى إن المراهنة على مايختزنه الجسد من طاقة دلالالية تتيح للمخرج أن يتحرك بها في اطار تشفيري يمنح العرض فضاء تأويليا تعجز اللغة الادبية عن تحقيقه.وقد انعكس هذا بطبيعة الحال على مستوى القدرات الحرفية/الجسدية العالية لممثلي وممثلات الفرق الاجنبية،مقارنة بالممثلين العرب والكورد.