في كلّ يوم تطالعنا نشرات الأخبار بأنباء القتل،التي تقع في بقع كثيرة من بلادنا العربية، وبخاصة في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، ومصر، وأماكن أخرى تعيش حالة من الاضطراب، وفقدان الأمن، بمناطق تعاني من المدّ الإرهابي، الذي ترجم وجوده على أرضها من خلال، التفجيرات الانتحاريّة، وزرع العبوات الناسفة،والسعي لاشعال صراعات طائفيّة، يقتل بها الأخ أخاه، في مهرجان الدم، وغالبا ما يكون ضحيّة هذه الصراعات المدنيّين، والأبرياء
والأنكى إنّ هذا الموت يأتي باسم “الإسلام” وتحت راية”الله أكبر” !
في موقع التواصل الاجتماعي”تويتر” ، قرأت تغريدة لأحد الـ”داعشيين” يقول فيها “نحن قادمون لتخليص الناس من العبادة من دون الله ،سنهدم الكعبة” فعلّق مثقّف “داعشي” :”هذا تلفيق ” ، سألته ” وهل أخبار قتلهم مسلمين بدم بارد على الهويّة ،مدعومة بالصور ،والفيديوهات ، تلفيق أيضا” ؟ أجاب “لا ، هذه الأخبار لا خلاف عليها ” سألته ثانية ” وهل الذي يقتل مسلما لا يتورّع عن هدم الكعبة ، والرسول الكريم يقول “لَهَدْمُ الْكَعْبَةِ حَجَرًا حَجَرًا أَهْوَنُ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ”؟
فتوقّف عن الكلام المباح ، بينما ظلّ مسلسل القتل مستمرّا ، في تلك المناطق العربيّة الساخنة ، وقد لفت نظري خبر بثّته وكالة “رويترز ” يشير إلى مقتل 2417عراقي واصابة2287في أعمال عنف ، وإرهاب في شهر واحد هو “يونيو” الماضي ، حسب احصائية أعلنتها الأمم المتحدة، معتبرة “يونيو” الشهر الأكثر دموية حتى الآن منذ عام 2007 الذي شهد صراعا طائفيّا بعد هدم مرقدي الأمامين علي الهادي ، والحسن العسكري في سامراء.
هذا الخبر الموجع احتلّ مكانا في أشرطة الفضائيات الاخبارية، وظل يدور راويا حكاية الموت اليومي في هذا البلد الجريح ، تسمّرت ، أمام الشاشة، متخيّلا كم من عائلة فجعت بقتيل ! وكم من أم ثكلت بولدها ! وكم أخ فقد أخاه ،وكم من زوجة ترمّلت !! ووووو
إلى جانب تلك الاحصائيّة الملطّخة بدماء بريئة أرادت الحياة، فانتزعتها منها الأيدي الآثمة، ظهر خبر عن مقتل ثلاثة شبان اسرائليين في بلدة حلحول بالقرب من مدينة الخليل في الضفة الغربية، قلت :لاحول ولا قوّة الا بالله، فالموت لا يفرّق بين الصغير والكبير، ثمّ ظهرت أخبار أخرى تتابع تداعيات الجريمة ، وأهمها عقد جلسة طارئة للمجلس السياسي والأمني المصغر “الكابينت “ترأّسها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، وفيها حمّل حماس المسؤولية ، وتوعّدها بـ”دفع الثمن”، وقد نال مقتل الشبان الثلاثة اهتماما دوليّا ،فقامت منظمات الدولية باصدار بيانات تدين هذه الجريمة التي يذهب بعض المحللين بعيدا ،فيرون إنّها كانت ذريعة ، وفرصة سانحة للتخلّص من “حماس” ضمن أجواء التصعيد ضدّ التيّارات الإسلاميّة .
تابعت التداعيات ،وظلّ خبر سقوط الـ2417 ضحيّة عراقيّة،يدور في شريط الأخبار ، وحيدا في ساحة الدم !
فحسدت الشبّان الثلاثة على هذه الميتة المدوّية !
ورثيت للـ2417 ضحيّة عراقيّة!
مع إقرارنا إن ّ الجريمة واحدة ، ففي جرائم القتل الكلّ سواسية، ولا فرق بين دم عربي ، وإسرائيلي، ولا بين قتل شخص واحد وألف ، فـ”الإنسان بناء الله، ملعون من هدمه”، وكلّنا نرفع أصواتنا ضدّ لغة القتل التي تعيدنا إلى الهجميّة بدءا من جريمة “قابيل” عندما هشّم رأس أخيه “هابيل” بحجر ،وليس انتهاء بالجرائم التي ترتكب في كلّ مكان في عالمنا الملوّث ببقع الدم .
ولكن الذي استوقفني بالخبرين هوالكيل الدولي إزاء قضايانا بمكيالين، مع إنّنا “كلّنا لآدم وآدم من تراب”، ويبدو إن التراب الذي جبل منه لحمنا، نحن العرب، رخيص، وإلّا ماهو تفسير هذه اللامبالاة إزاء الدم العربي، والعراقي بشكل خاص، ولماذا نموت بالجملة دون أن يرف ّجفن لحكوماتنا، والمجتمع الدولي ، ولا للمنظمات الإنسانية، ولاحتى للمثقفين والأدباء العرب ، وكأنّ موتنا تحصيل حاصل “في هذه الأرض التي تعفّنت فيها لحوم الخيل والأطفال والنساء، وجثث الأفكار” كما يقول الشاعر عبدالوهّاب البياتي ،بينما تقوم الدنيا ولا تقعد لوقتل سوانا؟ فهل أن الـ2417 ضحيّة عراقيّة، التي راحت هباءً منثورا، في لجّة الأخبار، لم يكن يجري في عروقها دم بل ماء؟ أم إنّها مهرجانات الدم العراقي والعربي والإسلامي المعقودة بلا نهاية.