العلاقة التكاملية بين الحكومة والبرلمان في جل بلدان العالم من الامور المسلم بها ديمقراطيا , لان لكل واحدة من هاتين المؤسستين عملها المنوط بها بما يتلائم مع الصلاحيات الممنوحة لها دون التجاوز على صلاحيات الاخرى, لذا فان فقدان الاحترام المتبادل وتحويل تلك العلاقة الى صراع ارادات من شانه ان يذهب الاستقرار السياسي في البلد ادراج الرياح.
ان أًس العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية تقوم على اساس ان تشرف الاولى على الثانية وتقوّم عملها, لكن في بلدنا العراق الذي ولدت فيه الديمقراطية بعملية قيصيرية اسالت الكثير من الدماء وقدمت فيها الكثير من الخسائر.
كان الواقع السياسي مسرحا للشد والجذب بين الطرفين الحكومي والبرلماني وصلت ذروتها في ايام المراهقة السياسية التي مارسها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي من خلال محاولته الاستفراد بالقرار وفرض ارادته بنوايا ديكتاتورية وان تبرقعت بالديمقراطية, فبعد استحواذه على القضاء, قيد المالكي مجلس النواب ومنعه من تشريع القوانين الا عبر بوابة مجلس الوزراء الذي يسيطر عليه دون قانون يحكم نظامه الداخلي, كما منعه من ممارسة حقه الرقابي برفضه الحضور لقبة البرلمان ولو للاستضافة, او استجواب الوزراء والمسؤولين المدنيين والعسكريين, وسن بذلك سنة سيئة ستكون كارثة اذا ما استحكمت وصارت عادة كل الحكومات اللاحقة, كما فرض المالكي هيمنته على الهيئات المستقلة التابعة قانونا لمجلس النواب, بل واستعملها لضرب المجلس .
وقد نتج عن تلك الخصومة بين السلطتين ان تعطلت قوانين واستنزفت طاقات بالحروب الكلامية توجت بانقضاء عام كامل دون اقرار موازنة للبلد لأول مرة.
وحتى بعد تغير الوجوه فان محاولة اتهام البرلمان بكل الازمات التي يمر البلد امر تجاوز احيانا حدود المنطق, مثلما شاهدنا باقتحام متظاهرين لبناية مجلس النواب محملين اياه مسؤولية مجزرة سبايكر, وهو شان عسكري من المفترض ان يتحمله القائد العام للقوات المسلحة وقادته العسكريين.
لأجل هذا كله جاء اعلان رئيس مجلس النواب سليم الجبوري عزم المجلس على إعادة هيبته،ودوره كخطوة اولى لبناء علاقة تكاملية مع الحكومة بعيداً عن التنافس والغلبة, كما كان سابقا, وهو ما ينبغي أن يحظى بتأييد جميع كتل مجلس النواب بما فيها كتلة رئيس الحكومة,وما شاهدناه سابقا من وقوف نواب ضد المجلس تأييدا لرئيس الحكومة ينبغي ان لا يتكرر, وان حدث فانه يعني اننا رجعنا خطوات اخرى الى الوراء, ولن يسمح ببلورة ديمقراطية ولو نسبية في ظل وضع شائك ومقعد يعيشه البلد ويحتاج الى تظافر الجهود وتكاتف الايدي بدل الاستفراد الذي قاده الى ما هو عليه اليوم, مع ايماننا بان البرلمان ليس منزها عن الاخطاء وان الحكومة لا تتحمل وحدها كل الاخفاقات.
ان الوقت لم يعد في مصلحة احد والقاء التهم على الاخر والتنصل من المسؤولية لن يكون مبررا للفشل, والعاقل من اتعظ بغير, واي اعادة للتجربة “المالكية”في التعامل مع الاخرين لاسيما مع مجلس النواب سيفتح للفشل بابا من الصعب اغلاقه , فاعتبروا يا اولي الابصار,