22 أبريل، 2024 9:58 ص
Search
Close this search box.

من يوميات التسول : يوم غريب حقا

Facebook
Twitter
LinkedIn

اليوم خطرَ لي ان اذهب الى ضاحية ليفربول (يعرفها جيدا كل من يعيش في سدني). لم اذهب اليها – رغم سخاء اهلها وزائريها- منذ فترة لا سباب كثيرة لا مجال لذكرها.
كان الوقت الثالثة ظهرا ..موعد خروج التلاميذ الكرماء .. وعادة ما ابقى حتى الخامسة موعد خروج الطبقة العاملة قبل ان استقل القطار الى ضاحية اخرى تنشط ليلا.
يوم الجمعة غالبا ما يكون يوما سخيا. نهاية اسبوع عمل تهيمن فيه مشاعر الاسترخاء والحبور على وجوه الناس والايدي المبسوطة.
كان الاستفتاح جيدا .. قطعة ذهبية ام الدولارين. استقرت في سلتي بهدوء اذ ارتطمت ببطانة السلة المصنوعة من مخمل بنفسجي. بعد ثوان معدودة هبطت قطعة فضية نصف دولار ورنت على العملة التي كانت ترقد لوحدها ثم تلتها ثالثة ورابعة.. الخ.. قلت سيكون يوم رزق عظيم. ايام التسول تُعرف من بداياتها.
لايخو يوم من عملة ورقية ..ام الخمسة او العشر دولارات. لكن قليلة جدا هي الايام التي تزينها عملة العشرين دولارا الحمراء. وقد تباركَ هذا اليوم بها.
اقتربت فتاة افريقية ..وقفت ثم ابتسمت ولوحت بالورقة الحمراء قبل ان تنحني وتضعها في السلة المباركة. عادة يريك الجائدون عطاياهم ان كانت ورقية . لا اعرف لماذا لكن يبدو انهم يحبون ان يشوفوك امتنانهم وشكرهم.
مع الساعة الخامسة كادت السلة ان تطفح بما فيها لكن شيئا ما غير محبب اخترق نظام السرد الجميل وافسد نشوة العمل. اقترب رجل “جانكي” من المدمنين على المخدرات .. نظر الي بغضب ثم اخرج محفظته “بنية اللون وجديدة ” ورمى بها في سلتي ثم ذهب لا يلوي على شيء. توقفت عن اللعب وارخيت الهي المجوف على الارض.. فتحت المحفظة ورايت فيها اجازة سياقة وبطاقة ميديكر وكارتات بنك لكنها للاسف بلا نقود.. صحتُ وراءه “يا رجل خذ محفظتك كل بطاقاتك فيها”.. لماذا ترمي محفظتك.. لكنه استمر في سيره لا ياوي علي شيء.. ولم ارغب في الركض وراءه خشية ان يحدث تصادم او شجار او ان اترك الهتي عرضة للصوص. وضعت المحفظة في حقيبتي وعدت الى العمل ..قلت لابد انه سيعود .. لكنه بسلوكه الغريب هذا عكر المزاج الى درجة كبيرة. بعد دقايق حدثَ امر اخر كان القشة التي قصمت الظهر. فتاة هذه المرة ” جانكية ايضا” بثياب رثة وشعر منكوش بدات تعترض طريق الناس وهي تمد يدها متسولة بطريقة الكدية. (انا طبعا اتسول بكرامة دون سؤال وبلا كدية ) ثم حضرَ شاب جانكي ايضا يدفع عربة تسوق مليئة بطانيات ..اخذَ ركنا مقابلا لي .. فرش بعض البطانيات على الارض وجلس هناك. كانت الفتاة تذهب اليه بين وقت واخر وتضع في يده ما تحصل عليه من نقود.. حصلت الفتاة على مبالغ معقولة .. كثير من الناس وخاصة النساء وضعوا في يدها ما تيسر لهم . كانوا متعاطفين معها الى حد ما. حينذاك قلت في سري هذه اشارة من القدر بانه حان موعد التعزيلة .. لملمتُ اغراضي في حقيبتي وعلقتها على كتفي ودخلت محطة القطار بانتظار ان يقلني الى مكان اخر فما زال الوقت مبكرا والارزاق في الليل عادة اوفر حظا من النهار.
حين عدت الى البيت هذه الليلة.. عديت النقود .. كانت اكثر من المعتاد.. ثم وضعتها في الصندوق الكبير… صندوق الحياة. متمنيا لتلك الفتاة رزقا وفيرا وقد غفرت لها احتلالها لمكاني. كنت قبلها هناك ولا بد من احترام ملكية الاخرين. لم ازاحم احدا ابدا طوال ايام التسول التي ناهزت الثلاث سنوات الان. من يصل اولا يملك المكان ومن عليه خاصة وان هذه الاماكن لا تحتاج الى تصاريح او رخص للتسول .. هي ملكية مشاعة وغير تابعة لاي مؤسسة.
facebook: Fadeel Kayat

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب