23 ديسمبر، 2024 4:52 ص

من يهرب النفط العراقي ؟

من يهرب النفط العراقي ؟

ربما هناك من سيفاجأ بالسؤال و هناك من سيعيد السؤال من باب حب الاطلاع و هناك من سيطلق زفرة و دمعة على حال العراق و ما وصلت إليه أحوال العراق  . العراق بلد نفطي هذه حقيقة معلومة للجميع لكن لماذا يعيش المواطن العراقي البؤس و الجوع و قلة ذات اليد خاصة في ظل ارتفاع هائل لأسعار المعيشة و بقية الضروريات الأخرى ؟. لا يمكن أن تكون عراقيا و لا تتأثر لما حصل و يحصل من كوارث مختلفة على مدار اليوم و السنة و لا يمكن أن تكون مواطنا عراقيا شهما و صالحا و لا تتساءل على مدار اليوم و السنة عن الجهة أو الجهات المتحالفة التي تهرب الثروة النفطية العراقية دون أن تكون عائداتها في خزينة الدولة و خادمة لمشاريعها الهادفة للرقى بمستوى معيشة و حياة الإنسان العراقي المنهك و المكلوم . لقد أصبح الصمت على أحد الخطايا الكبرى المرتكبة في العراق منذ سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين  جريمة في حق الضمير العربي و الإنساني عموما  خاصة حين يصبح السارق معلوما و  ظاهرا للعيان و تكون معالم المؤامرة الهادفة  إلى إنهاك العراق و إسقاطه بمثل هذا الوضوح .

لا نذيع سرا و لا نخترع العجلة كما يقال حين  نؤكد أن منفذي عملية نهب الثروات البترولية العراقية أغلبهم من المواطنين العراقيين  و من ذوى المناصب و الرتب و الأحزاب المختلفة  و بأكثر دقة علينا الإشارة إلى  تورط كثير من كبار الضباط النافذين و المعنيين أصلا بحماية هذه الثروة و الذين ينطبق عليهم المثل الشائع ” حاميها حراميها ” . هؤلاء الضباط يستغلون مناصبهم و تحركهم بحرية و دون حسيب أو رقيب  ليهربوا كميات غير مسبوقة  من النفط العراقي بما تصل قيمته إلى ملايين الدولارات دون أن يرفّ لهم جفن أو تنتابهم حمرة خجل و بسبب ضعف الرقابة  و الفرق فى أسعار الوقود داخل  محافظات العراق و دول الجوار  تتم عملية سرقة النفط العراقي  بطرق بدائية بسيطة و عبر إحداث ثقوب في الأنابيب الرئيسية الناقلة من خلال ربط أنابيب ذات ضغط عال لسحب النفط و تهريبه بعد تجميع كميات كبيرة . بطبيعة الحال تم ضبط عديد محاولات التهريب و إيقاف كثير من المهربين لكن تظل الأمور مريبة و داعية للقلق .

هناك جهات سياسية حاكمة و هناك قامات حزبية معلومة  و هناك  صمت مريب يلفّ موضوع تهريب النفط العراقي و الكل متورط  بكل المقاييس خاصة بعد أن تولى الجميع تقريبا حكم العراق منذ سقوط الرئيس صدام حسين سنة 2003 و إذا كانت سرقة البترول تتم بإيعاز من ذلك النظام   بسبب الحظر المفروض عليه أمريكيا بالأساس حتى يمكن الحصول على مبالغ  كبيرة من العملة الصعبة يتم صرفها  لتغطية أجور الموظفين و شراء بعض المستلزمات الحيوية فإن السرقات الحالية تتم بعلم أجهزة نافذة في الدولة و لغايات الإستقواء بعائدات البيع لخدمة أغراض حزبية  مشبوهة  و بمشاركة جهات مخابرات من دول الجوار  لا  تريد للعراق خيرا و بالطبع هناك إسرائيل و المتعاونين معها من الذين جاؤوا على ظهر الدبابات الأمريكية . لعل ملف تهريب و سرقة النفط العراقي يحيلنا  إلى ملف الحيتان الكبيرة التي ترعى و تمارس الاحتكار و الجريمة المنظمة و تجارة المخدرات و الرقيق الأبيض و بيع الأعضاء البشرية و يكشف  حجم الكارثة  و صعوبة معالجتها .

في ظل مثل هذه الأوضاع  الصعبة  هناك من يتساءل هل أن الحكومة الحالية أو أية حكومة قادمة  قادرة على مواجهة هذه المافيا الأخطبوطية المترامية الأطراف و التي تستغل هشاشة الوضع الأمني لتفرض سلطانها  على كل ما يمكن أن يصدر من قرارات حكومية لها علاقة بضرورة التصدي لهذه الظاهرة  ؟ ربما هناك من يقول من باب التفاؤل المفرط أن القضاء العراقي يقوم بدور كبير رغم كل الصعوبات و العراقيل و الضغوط المعنوية و الأخطار الجسدية التي تعرض لها عدة قضاة لكن و كما يقال العين بصيرة و اليد قصيرة و البت في مثل هذه الملفات يحتاج فعلا إلى سنوات يحصل في الأمور أمور و تتغير الحكومات و تتوالى الإرادات و الأوامر المتضاربة  ليصبح تنفيذ حكم العدالة مجرد شعارات انتخابية و لغو للاستهلاك المحلى . لا شك أن من يقوم بعمليات التهريب و يخطط لها هي جماعات مرتبطة  طبعا بجهات سياسية من كل الأحزاب و الميول السياسية و العقائدية و العشائرية النافذة و الجميع يعلم أن  الكشف عمن يقف وراء هذه الجهات  سيكون بمثابة  زلزال  مدمر لان هذه الجهات  تمتلك  ميليشيات مسلحة قادرة على مواجهة كل  تحركات الحكومة   التي لا تزال  تبدى ارتباكا و ترددا  و عدم فاعلية  لا تخفى على أحد  خاصة  أنه لا يمكن معرفة أي الجهات الحكومية المخترقة .