ربما هناك من سيفاجأ بالسؤال و هناك من سيعيد السؤال من باب حب الاطلاع و هناك من سيطلق زفرة و دمعة على حال العراق و ما وصلت إليه أحوال العراق . العراق بلد نفطي هذه حقيقة معلومة للجميع لكن لماذا يعيش المواطن العراقي البؤس و الجوع و قلة ذات اليد خاصة في ظل ارتفاع هائل لأسعار المعيشة و بقية الضروريات الأخرى ؟. لا يمكن أن تكون عراقيا و لا تتأثر لما حصل و يحصل من كوارث مختلفة على مدار اليوم و السنة و لا يمكن أن تكون مواطنا عراقيا شهما و صالحا و لا تتساءل على مدار اليوم و السنة عن الجهة أو الجهات المتحالفة التي تهرب الثروة النفطية العراقية دون أن تكون عائداتها في خزينة الدولة و خادمة لمشاريعها الهادفة للرقى بمستوى معيشة و حياة الإنسان العراقي المنهك و المكلوم . لقد أصبح الصمت على أحد الخطايا الكبرى المرتكبة في العراق منذ سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين جريمة في حق الضمير العربي و الإنساني عموما خاصة حين يصبح السارق معلوما و ظاهرا للعيان و تكون معالم المؤامرة الهادفة إلى إنهاك العراق و إسقاطه بمثل هذا الوضوح .
لا نذيع سرا و لا نخترع العجلة كما يقال حين نؤكد أن منفذي عملية نهب الثروات البترولية العراقية أغلبهم من المواطنين العراقيين و من ذوى المناصب و الرتب و الأحزاب المختلفة و بأكثر دقة علينا الإشارة إلى تورط كثير من كبار الضباط النافذين و المعنيين أصلا بحماية هذه الثروة و الذين ينطبق عليهم المثل الشائع ” حاميها حراميها ” . هؤلاء الضباط يستغلون مناصبهم و تحركهم بحرية و دون حسيب أو رقيب ليهربوا كميات غير مسبوقة من النفط العراقي بما تصل قيمته إلى ملايين الدولارات دون أن يرفّ لهم جفن أو تنتابهم حمرة خجل و بسبب ضعف الرقابة و الفرق فى أسعار الوقود داخل محافظات العراق و دول الجوار تتم عملية سرقة النفط العراقي بطرق بدائية بسيطة و عبر إحداث ثقوب في الأنابيب الرئيسية الناقلة من خلال ربط أنابيب ذات ضغط عال لسحب النفط و تهريبه بعد تجميع كميات كبيرة . بطبيعة الحال تم ضبط عديد محاولات التهريب و إيقاف كثير من المهربين لكن تظل الأمور مريبة و داعية للقلق .
هناك جهات سياسية حاكمة و هناك قامات حزبية معلومة و هناك صمت مريب يلفّ موضوع تهريب النفط العراقي و الكل متورط بكل المقاييس خاصة بعد أن تولى الجميع تقريبا حكم العراق منذ سقوط الرئيس صدام حسين سنة 2003 و إذا كانت سرقة البترول تتم بإيعاز من ذلك النظام بسبب الحظر المفروض عليه أمريكيا بالأساس حتى يمكن الحصول على مبالغ كبيرة من العملة الصعبة يتم صرفها لتغطية أجور الموظفين و شراء بعض المستلزمات الحيوية فإن السرقات الحالية تتم بعلم أجهزة نافذة في الدولة و لغايات الإستقواء بعائدات البيع لخدمة أغراض حزبية مشبوهة و بمشاركة جهات مخابرات من دول الجوار لا تريد للعراق خيرا و بالطبع هناك إسرائيل و المتعاونين معها من الذين جاؤوا على ظهر الدبابات الأمريكية . لعل ملف تهريب و سرقة النفط العراقي يحيلنا إلى ملف الحيتان الكبيرة التي ترعى و تمارس الاحتكار و الجريمة المنظمة و تجارة المخدرات و الرقيق الأبيض و بيع الأعضاء البشرية و يكشف حجم الكارثة و صعوبة معالجتها .
في ظل مثل هذه الأوضاع الصعبة هناك من يتساءل هل أن الحكومة الحالية أو أية حكومة قادمة قادرة على مواجهة هذه المافيا الأخطبوطية المترامية الأطراف و التي تستغل هشاشة الوضع الأمني لتفرض سلطانها على كل ما يمكن أن يصدر من قرارات حكومية لها علاقة بضرورة التصدي لهذه الظاهرة ؟ ربما هناك من يقول من باب التفاؤل المفرط أن القضاء العراقي يقوم بدور كبير رغم كل الصعوبات و العراقيل و الضغوط المعنوية و الأخطار الجسدية التي تعرض لها عدة قضاة لكن و كما يقال العين بصيرة و اليد قصيرة و البت في مثل هذه الملفات يحتاج فعلا إلى سنوات يحصل في الأمور أمور و تتغير الحكومات و تتوالى الإرادات و الأوامر المتضاربة ليصبح تنفيذ حكم العدالة مجرد شعارات انتخابية و لغو للاستهلاك المحلى . لا شك أن من يقوم بعمليات التهريب و يخطط لها هي جماعات مرتبطة طبعا بجهات سياسية من كل الأحزاب و الميول السياسية و العقائدية و العشائرية النافذة و الجميع يعلم أن الكشف عمن يقف وراء هذه الجهات سيكون بمثابة زلزال مدمر لان هذه الجهات تمتلك ميليشيات مسلحة قادرة على مواجهة كل تحركات الحكومة التي لا تزال تبدى ارتباكا و ترددا و عدم فاعلية لا تخفى على أحد خاصة أنه لا يمكن معرفة أي الجهات الحكومية المخترقة .