23 ديسمبر، 2024 5:17 ص

من ينصف القضاء العراقي..القاضي عبد الأمير الشمري مثالاً

من ينصف القضاء العراقي..القاضي عبد الأمير الشمري مثالاً

من المعلوم أن كل الدستوريات المحترمة، تسعى الى تفعيل المبدأ الدستوري المعروف بالفصل بين السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، إذ لايمكن لأي بلد ان ينمو ويتطور ويزدهر ليرتقي الى مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة، مالم يمتلك جهازاً قضائياً مستقلاً وعادلاً يعمل وفق تشريعات واضحة وبشكل مهني ودون رضوخ لأية ضغوطات سياسية أو دينية أو إجتماعية.

وقد كان القضاء العراقي حتى عهد قريب، يتسم بنزاهته الكبيرة وكفاءته العالية مرتكزاً على قوانين رصينة بإستثناء بعض ما تبقى من حقبة البعث الأسود وجاري العمل على تعديلها او رفعها والغائها، ولكن بشكل عام لايرقى الشك الى بنيان المؤسسة القضائية العراقية التي تفخر بإنها قدمت للعالم محكمة نزيهة الى طغاة العهد البائد طيلة شهور قبل ان تقول فيهم قول الشعب وتحكم عليهم بما يستحقونه جرّاء ما إقترفته أيديهم من جرائم وإنتهاكات بحق الأبرياء والضحايا من أبناء الشعب العراقي الذين سفك دمهم أو غيبوا في مطامير شعب الأمن والمخابرات القمعية أو زجوا بمقابر جماعية.

والقاضي عبد الأمير الشمري لمن لايعرفه؛ فهو أحد القضاة الذي تولى مهامه ابان العهد البائد في محافظة البصرة ثم انتقل الى محافظات عديدة حتى عين مشرفاً على محاكم المنطقة الجنوبية بأكملها، وشهدت له سوح العدالة مواقف مشرفة لم يخضع فيها لأبتزاز أحد أو يرضخ لحاكمٍ أو طاغية طيلة فترة عمله التي تجاوزت العقدين من السنين.

كما ان موقفه بإطلاق سراح احد السجناء ابان العهد البائد والذي جرى قطع يده ظلماً وعسفاً، مشهور ومعروف، وبرغم تداعيات ذلك ومطالبة الدكتاتور الصغير عدي بالأوراق التحقيقية من القاضي الشمري كمحاولة للضغط عليه وترهيبه، لم تثنه عن أداء واجبه مواجهاً لهذا الضغط بالرفض القاطع بتدخل الصغار والطغاة في عمل القضاء العراقي بأي حالٍ من الأحوال.

وتتكرر شجاعة عبد الأمير الشمري ومواقفه النادرة في العهد الجديد الذي يفترض ان يكون منحازاً الى جانب هيبة القضاء وسطوته، حينما كان قاضياً لهيئة النزاهة فأصدر مذكرته الشهيرة بضبط وإحضار وزير التجارة الأسبق عبد الفلاح السوداني بناء على تداعيات وشكاوى مواطنين من السماوة تضرروا نتيجة مواد غذائية تالفة ومسرطنة ضمن مواد البطاقة التموينية عثر عليها في مخازن الوزارة في المثنى.

وجرى أيضا تهديد القاضي والتضييق عليه والسعي لترهيبه من قبل جهات حزبية نافذة إبان حقبة رئيس مجلس القضاء السابق مدحت المحمود الذي حارب القضاة الذين واجهوا الفساد وتصدوا للمفسدين، وعمل بكل السبل لتهميشهم واقصائهم، لكن القاضي الشمري كان اقوى من كل هذه الأساليب الرخيصة وأصدر قراره بحبس كل من أساء للشعب العراقي وخالف ضميره وواجبه الوظيفي.

حينها بلغت الأمور الى اقصاها وبلغ السيل الزبى، حيث تم نقله غير مرة الى محاكم أدنى، بغية رفع يده عن ملفات مهمة اشتغل عليها..منعاً لكشف الفساد والتخبط الذي تعيشه العديد من مكونات الدولة العراقية في زمن الفساد والعهر هذا.

ليس ذلك فحسب، بل جعلوه وهو القاضي ذي الخدمة التي تفوق العشرين عاماً يشتغل بصفة نائب مدعي عام في إحدى النواحي بريف المحافظة لدى قاضي لاتتعدى خدمته السنتان فقط !

إننا نناصر القاضي المخلص والنزيه عبد الأمير الشمري بكل طاقاتنا، ونحن الأغلبية الصامتة، ونعلن تضامننا معه، ونذّكر انها خسارة مابعدها خسارة ان يعامل القضاة النزيهين، بهذه الطريقة ولايجدون اذناً صاغية من الحكومة التنفيذية في البلد التي يفترض انها تسهر على تطبيق القوانين وتوفير المناخات المناسبة لعمل السلك القضائي بتفرعاته كلها.

وهي دعوة للحكومة الحالية، بفتح تحقيق على أعلى المستويات لمعرفة الجهات التي استمرت بتوجيه تهديداتها وتدخلاتها بعمل الجهاز القضائي بشكل عام وبالقاضي الشمري بشكل خاص، وأن يرد له الإعتبار من خلال منحه الاستحقاق الوظيفي المناسب، ليسود العدل والإنصاف أرجاء العراق الحبيب.. والله من وراء القصد.