من ينسج في ظلال الفوضى تعويذة مصطلح “الطرف الثالث” في الإعلام الحزبي والرسمي العراقي؟

من ينسج في ظلال الفوضى تعويذة مصطلح “الطرف الثالث” في الإعلام الحزبي والرسمي العراقي؟

في متاهات الخطاب السياسي والإعلامي العراقي، يبرز مصطلح “الطرف الثالث” كتعويذة غامضة، تُلقي بظلالها على كافة الأحداث الأمنية والاحتجاجات الشعبية، مُخفيةً الحقائق وراء ستار من الغموض. بعد تفجير ضريح العسكريين في مدينة سامراء بتاريخ 22 شباط 2006 وبداية الحرب الأهلية العراقية ظهرت البوادر الأولية لهذا “المصطلح” بعد أن فاحت رائحة مئات الجثث المتعفنة التي ترمى على الطرقات وفي مكبات النفايات وعليها آثار تعذيب شديدة وإطلاقه بالراس ومع العشرات من السيارات المفخخة والهجمات الانتحارية ومحاولة حكومية رسمية لتبرير قتل هؤلاء المدنيين بان :” هناك طرف ثالث يريد استمرار الحرب الأهلية والقتل على الهوية ؟ وكان لهذا “المصطلح” الدور الفعال والمفتاح السحري لاستخدامه لتبرير كافة أعمال العنف، التفجيرات، والاغتيالات، , والقتل على الهوية ومن دون أن تُسفر التحقيقات عن هوية هذا “الشبح” المراوغ. وفي سياق متشابك من توغل النفوذ الأجنبي في الداخل، الفصائل المسلحة، والصراعات الإقليمية، أصبح “الطرف الثالث” رمزًا للفوضى المُحاكة بعناية، يُطلق في الإعلام لتشتيت الأنظار عن الفاعل الحقيقي وكذلك استخدم بفعالية لحماية المتورطين الحقيقيين من أي مسائلة قضائية في قتل متظاهرين ثورة تشرين المباركة.

وفي هذا السياق وبعد أن برز المصطلح للظهور مرة أخرى , من قبل بعض النواب البرلمانيين والأعلام الحزبي وهم يتهمون بصورة مباشرة “الطرف الثالث” بقصف قاعدة الرادارات في كل من “معسكر التاجي” و”قاعدة الإمام /علي” الجوية ولغاية الان لم يتم الكشف عن حقيقية هذا “الشبح” وكيف تحول بمرور الزمن إلى أداة فعالة للسيطرة على الرواية الإعلامية الحزبية والرسمية، تاركًا العراق رهينة لغزٍ يُهدد استقراره من حيث تتداخل الحقيقة مع الوهم في وحل الأسرار!

وبما أن هذا المصطلح أصبح جزءًا لا يتجزأ ولافتًا من الخطاب الإعلامي والسياسي، خاصة في سياق الأحداث الأمنية والاحتجاجات الشعبية. هذا المصطلح، الذي يحمل طابعًا غامضًا، وأصبح يُستخدم في معظم الأحداث وغالبًا للإشارة إلى جهة (مجهولة الهوية) مع العلم بأن معظم الأجهزة الأمنية والاستخبارية والمخابراتية تعلم علم اليقين من هو “الطرف الثالث” وحتى من هي “الجهة المجهولة ” وبالاسم والمكان والتاريخ لاي حدث , ولكن وبما أن هناك فصائل ولائية لا يمكن المساس بها أو حتى الإشارة صراحة إليها لذا بان أفضل وسيلة الهروب وليس الصدام معها ويستخدم هذا المصطلح لغرض التضليل الإعلامي وامتصاص غضب الجماهير ولتُتهم بارتكاب أعمال عنف أو زعزعة الاستقرار دون تحديد هويتها بشكل واضح وصريح , حيث اصبح يُستخدم كـ”شماعة” لتعليق المسؤولية الجنائية عن أعمال العنف التي لم يُرد المسؤولون الرسميون أو الفصائل والأحزاب السياسية المشكلة للحكومات بعد عام 2003 تحمل مسؤوليتها تجاه حماية الشعب العراقي من هذا العبث الأمني.

ويشير كذلك إلى أن “الطرف الثالث” يُستخدم للإشارة إلى جهات تُنفذ عمليات اغتيال، تفجيرات، أو هجمات ضد المدنيين أو القوات الأمنية والعسكرية، دون أن يجرؤ أحد على تسميتها صراحة حتى وإن توافرت أدلة قطيعة جناية على المسبب لهذا التفجير أو الاغتيال أو الهجوم الإرهابي (1) هذا الغموض جعل المصطلح أداة مرنة وطيعة ليس فقط في يد الحكومة ولكن حتى في يد الأحزاب السياسية والفصائل الولائية للتنصل من المسؤولية، والمتابع البرامج السياسية الحوارية بمختلف عناوينها في القنوات الإخبارية المحلية تشير إليه صراحة بالبنان وتفضح كافة تصرفاته، لكن لا أحد يجرؤ من الضيوف على تسميته علنًا خوفا ليس فقط من المسالة القانونية ولكن من كاتم الصوت الذي يتربص به في أي منعطف قد يتواجد سوء حظه على الطريق؟.

لكن الظهور الأبرز والعلني الصارخ للمصطلح “الطرف الثالث” في الإعلام العراقي وحتى روج له في الأعلام العربي والعالمي كان خلال مسيرة الاحتجاجات الشعبية في ت1 2019، المعروفة بـ”ثورة تشرين” هذه الاحتجاجات، التي اندلعت في بغداد ومحافظات ومدن الجنوب، والتي طالبت بالإصلاح السياسي والاقتصادي وتوفير فرص العمل ومحاربة الفساد وإنهاء النفوذ الأجنبي الذي اصبح يتغلغل في كافة وزارات ومؤسسات ودوائر  استخدمت الحكومة العراقية المصطلح للإشارة إلى جهات مجهولة تُتهم بقتل المتظاهرين واستخدام الذخيرة الحية، في محاولة لتبرئة قوات الأمن وبعض ميليشيات والفصائل الأحزاب الولائية المسلحة من المسؤولية عن مقتل مئات المتظاهرين وإصابة الآلاف. وقد استمرت وسائل الإعلام الحزبية والحكومية وبصورة منسقة ومتناغمة مع بعضها البعض في الترويج لرواية “الطرف الثالث” ومع كل حصيلة جديدة للضحايا، في حينها ظهر في وسائل الإعلام ليصرح وزير الدفاع / السيد نجاح الشمري (25حزيران 2019 حتى 7 أيار 2020) أن يكون الترويج لهذا المصطلح مجرد تهرب من المسؤولية، ومؤكدًا صراحة ومعيدا على مسامع الجميع بوجود “طرف آخر ثالث يريد ترهيب المتظاهرين وقتلهم ” في المقابل، كانت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للمتظاهرين والقنوات الإخبارية المحلية المساندة لهذه التظاهرات تنشر مقاطع فديو علنية ومن ارض المواجهات تظهر بوضوح ساطع بعض قيادات ومقاتلين فصائل الحشد الشعبي بجانب القوات الأمنية باستهداف المتظاهرين بصورة مباشرة بقنابل الغاز المسيل للدموع واستخدام الرصاص الحي والمطاطي وحتى بنادق القنص في استهداف مباشر للقادة المتظاهرين المؤثرين في هذه التظاهرات لغرض إسكات أصواتهم والى الأبد؟. 

ولكن أن يعاد مصطلح “الطرف الثالث” كجهة مجهولة لتقوم وتقصف مواقع عسكرية حساسة عراقية مرة اخرى يجب ان نقف عندها كثيرآ وليس مجرد وقفة عابرة وكأن شيئا لم يكن , لان إعادة خطر المواجهة العسكرية المباشرة بين إيران والفصائل الولائية المسلحة من جهة و إسرائيل وحليفتها أمريكا من جهة أخرى ما يزال قائما بصورة اخطر من ذي قبل ؟ ومما يثير الكثير من الشكوك والريبة أو كما شطر بيت الشاعر ابن سهل الأندلسيكاد المُريب أن يقول خذوني أن يسارع الإعلام الموجه والتنصل من مسؤولية الهجوم، متهمة بصورة مباشرة وفورية “جهات خارجية” مثل إسرائيل أو عملاء الموساد في داخل العراق بتنفيذ هذا الهجوم وعلى الرغم من أن الجهات الرسمية قد شكلت لجنة تحقيق خاصة لمعرفة من هي الجهة التي قامت بقصف الرادارات بطائرات مسيرة , ومن هي الجهة الأخرى التي حلقت طائراتها المسيرة لمدة ساعات وبصورة منخفضة يمكن رؤيتها بالعين المجردة حول قاعدة الامام علي الجوية وسجن الحوت بالناصرية (2) بل حتى يمكن أسقاطها بسهولة من خلال حتى رشاشات الكلاشنكوف وليس فقط مدافع المضادات الأرضية وكما حصل في الحرب الهندية الباكستانية الحدودية التي جرت قبل أسابيع حيث رأينا من خلال منصات التواصل الاجتماعي انتشار أفلام لجنود أو مدنيين باكستانيين في القرى الحدودية وهم يطلقون النار من أسلحتهم الشخصية والرشاشات الخفيفة على المسيرات الهندية وقد تمكنوا من إسقاط عدد منها  وتصوير سقوطها من الجو.

أن ترويج هذا المصطلح بهذه الصورة المركزة في الإعلام الحزبي والرسمي العراقي، والذي يضم  ما يقارب من حوالي 55  قناة تلفزيونية و152 محطة إذاعية،  ومعظمها مسيطر عليها من قبل أحزاب سياسية حاكمة وفصائل ولائية مسلحة مما يجعل الترويج بكثافة لمصطلح “الطرف الثالث” أداة فعالة التلاعب بالنص الروائي الإعلامي لاي من الحوادث وذلك لإخفاء الجهات الحقيقية المسببة والمشاركة بهذه الإحداث والخروقات الأمنية وبمرور الوقت اصبح الإن الإعلام الحزبي بمختلف توجهاته ” المقروء والمسموع والمرئي ” هو من يتحكم في كيفية صياغة سردية الإحداث وجعلها مقنعة للرأي العام على الأقل ومناصريهم وحلفائهم ومتجاوزًا حتى في قوة تأثيره على الراي العام رواية سردية الإعلام الرسمي الحكومي ومع كل هذه السطوة الإعلامية ما يزال  يعاني من الفوضى وتأثير الأحزاب والفصائل. وهذا يعني أن مصطلح “الطرف الثالث” أصبح مرآة عاكسة يُستخدم كتعويذة إعلامية لتشتيت الانتباه الجمهور عن الحقائق، خاصة في ظل سيطرة فصائل ولائية ومن خلال شخصيات إعلامية حكومية و بمناصب رسمية على شبكات إعلامية رسمية مثل شبكة الإعلام العراقي،

يا أهل العراق، إن مصطلح “الطرف الثالث” ليس مجرد كلمات تُلقى في الهواء، بل هو تعويذة سحرية مظلمة , تُستخدم لإخفاء الحقيقة خلف ضباب الغموض. في مستنقع الأسرار بجرف الصخر، حيث تُحاك المؤامرات تحت ظلال بيوت القصب، يُشاع أن هذا الطرف هو شبح يتحرك بأوامر من عوالم أخرى، تارة يحمل وجه إيران، وتارة يرتدي قناع إسرائيل، وأحيانًا يُخفي هوية فصائل تتلاعب بمصير العراق. كل هجوم، من تفجيرات 2003 إلى أجنحة الطائرات المسيرة الشبح في 2025، يُلصق بهذا الطلسم الغامض، كأن العراق مسرح لصراعات سحرية لا تُرى.

هل هو شبح حقيقي يقف وراء الفوضى، أم مجرد تعويذة إعلامية تُستخدم لإلهاء الشعب؟ وعلى الرغم من ان الحقيقة تظل مدفونة بين طيات الإعلام الرسمي، حيث لا يجرؤ أحد على كشف النقاب عن هذا الشبح، خوفًا من أن يُبتلع بظلاله. نناشد بدورنا الجهات الرسمية الحكومة والإعلام التنزيه بالكشف عن حقيقة هذا “الشيطان” ونحذر بالوقت نفسه من أن استمرار هذا اللغز دون أن يكون له حل قد يُغرق العراق في دوامة من الفوضى والخراب والدمار القاتم لان شبح المواجهة المسلحة بين القوات المسلحة الرسمية المتمثلة بوزارة الدفاع و الداخلية وكافة اجهزتها الامنية والاستخبارية مع قيادة الحشد الشعبي والمنضوية تحت عبائتها العشرات من الفصائل الولائية المسلحة قد يشعل فتيل شرارتها طائرة مسيرة تابعة ” للطرف الثالث/ مجهولة الهوية” تقصف بالخطأ او بصورة متعمدة تجمع لجنود عراقيون لان في وقتها ستكون بداية النهاية لحرب اهلية من نوع اخر لا سامح الله وتكون انعكاس لما يحدث حاليا في السودان !

[email protected]

(1)لمزيد من التوضيح والمتابعة والأدلة حول من هي جهة مصطلح “الطرف الثالث” راجع المقالات أدناه :

*لغة التسامح والحوار مع الطرف الثالث لن تبني دولة المؤسسات والقانون!

https://kitabat.com/%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b3%d8%a7%d9%85%d8%ad-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%b1%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a7%d9%84%d8%ab-%d8%a7%d9%84/

**حقيقة “الطرف الثالث” في محاولة إغتيال الكاظمي!

https://kitabat.com/%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%b1%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a7%d9%84%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%8a-%d9%8a%d9%85%d8%ab%d9%84%d9%87-%d8%ad%d8%b2%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87/

(2)https://kitabat.com/news/%d9%85%d8%ac%d9%87%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%8f%d8%b3%d9%8a%d9%91%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%aa%d8%b5%d9%88%d8%b1-%d9%82%d8%a7%d8%b9%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5/

أحدث المقالات

أحدث المقالات