25 ديسمبر، 2024 12:28 م

من ينتصر في العراق الدولة أم اللادولة؟

من ينتصر في العراق الدولة أم اللادولة؟

لاتنطبق الكثير من المسميات والنظريات السياسية والمفاهيم على الواقع العراقي، ليس لأنه بلداً مازال يرزح تحت الإحتلال بالرغم من السيادة الشكلية التي يتذرع بها نظامه السياسي، بل لأن ذلك النظام أقل شأناً من أن يُنظّم بنظريات وقوانين تتواجد في أي دولة تتمتع بنظام طبيعي، فكل ما يتميز به النظام السياسي في العراق هو الفوضى ولا غير ذلك.

نعتقد إن الحالة العراقية يمكن أن تُعطى دروساً لطلاب الجامعات المتخصصة بتدريس علم السياسة وإنذاراً لمن يريد الإستفادة من غياب الدولة والفوضى الخلّاقة التي صنعتها أمريكا في العراق ومن ثم ندمت على هذا القرار.

الإحتلال الأمريكي وسقوط بغداد أعاد المجتمع العراقي إلى تركيباته الطائفية والعشائرية والقومية، وحتى التي لم تُشظّى بحل الدولة قام الحاكم الأمريكي في حينها بول بريمر بتمزيق ذلك المتبقي وترسيخ مفهوم المكونات مما جعل الهويات الفرعية التي كانت غائبة تسعى لتمثيل في الحكومة ومجلس النواب والهيئات حتى لا يسحقها قطار المحاصصة كما أفقدها الهوية الوطنية.

بعد عام 2003 وجد العراقيون في العشيرة والمذهب والطائفة ملاذاً لهم في حياتهم اليومية وعامل أمان بعد أن وقفت الدولة عاجزة عن حماية ذلك المواطن الذي أصبح يُقاد بسهولة من الشارع ليُعتقل أو يُسجن أو يُبطش به.

أصبح المذهب هو البوابة الرئيسية للتوزيع المحاصصاتي للوظائف والمغانم والمنافع، تحول إلى شعار يُتغنّى به بعد أن غاب مفهوم الدولة، في هذه اللحظة المصيرية نشأ مفهوم الميليشيات، كانت بداياتها جماعات خارجة عن القانون إستطاعت أن تنمو وتتجذّر بفعل الحواضن الإجتماعية والسياسية والبيئية التي ساعدت في نمو هذه الظاهرة.

وجدت بعض دول الجوار ضالّتها في تلك الجماعات الميليشياوية التي إنقسمت في الولاءات.

الغريب في صناعة تلك الميليشيات هو السيادة التي ترفع السلاح من أجلها في الوقت الذي تتعكّز فيه على دول الجوار في رفع هذا الشعار وتسمح لها بالتدخل في شؤون البلد الداخلية.

مع تراكم الأخطاء والسلبيات التي أوجدها مفهوم المليشيات في الشارع العراقي من أعمال قتل وسلب ونهب دون تحرك سياسي يعيد للدولة هيبتها أو يحدّ هذه الظاهرة، أصبح هناك طريقان في العراق لا يلتقيان هو الدولة واللادولة.

في تاريخ العراق الحديث ظهرت قوى اللادولة من خلال “الحرس القومي” التي شكّلها حزب البعث في العراق عام 1963 بعد إنقلاب الثامن من شباط/فبراير ووفّر له غطاءً قانونياً بإصداره قانون الحرس القومي بإعتبار البعث على رأس السلطة.

ربما لا تغيب عن الذاكرة العراقية تجربة الجيش الشعبي التي إنبثقت بالعراق في سبعينيات القرن الماضي تضم متطوعين مدنيين، كانت وظيفته تعزيز قوة نظام البعث الحاكم بما يمثل قوة شبه عسكرية ليتحول بعد ذلك إلى عامل دعم للقوات المسلحة النظامية في أوقات الحرب التي إستمرت ثمان سنوات مع إيران.

أجاد العراقيون توصيف ما يحدث بعد عام 2003 للجماعات التي تحمل السلاح خارج نطاق القانون بالسلاح المنفلت ليتطور فيما بعد إلى مفهوم اللادولة، بعد أن تحوّل ذلك السلاح إلى صدور العراقيين مُحدثاً شرخاً في المجتمع العراقي تسبب بالقتل والتهجير والتنكيل لأبناء البلد الواحد، يُضاف إلى ذلك القاع الصفصف الذي وصل إليه حال البلد جراء تخطّي اللادولة الشؤون العسكرية وحفظ أمن البلد إلى الإستئثار بالإقتصاد والسياسة، وصل بهم الحال إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!.

لقد تحولت اللادولة إلى أرق مزمن للدولة من خلال تعاملها مع المجتمع الدولي وضرورة كبح جماح هذا السلاح المنفلت وأزمة سيادية تتمثل بولائها إلى خارج الحدود وإبتعادها عن القرار العراقي الذي تشّتت بسببها وتدخلها في الأمور الإقتصادية من خلال هيئات إستباحت تهريب الدولار إلى خارج الحدود أو إستثمارات تنافس الدولة ذاتها والتفنّن في صناعة الموت على أبناء جلدتها.

قوى اللادولة تجد نفسها اليوم وحيدة في الساحة بعد أن تفتّت مفهوم “وحدة الساحات” وصدر القرار الدولي بضرورة إنصهار اللادولة في جسد الدولة وتسليم السلاح المنفلت إلى صاحب الأمر، لكنه قرار صعب التطبيق بعد أن تفرعت مصالح السلاح المنفلت وأصبحت قوة مؤثرة داخل الدولة لها إمكانيات تفوق الدولة ذاتها، فهل من السهل التخلّي عن كل تلك المصالح والمنافع والنفوذ؟ نعتقد إن الأيام القادمة ستخبرنا بالجواب.

أحدث المقالات

أحدث المقالات