كل شيء ينهار .. تتصدع الاسس وتغيب الملامح من الجدران، بل تختفي كليا ، والانسان عاجز عن فهم كيف اننا كلما نتعلم اكثر وكلما نعرف اكثر ، نكتشف عمق جهلنا، وبالتالي ضياعنا .. لا نملك الان في هذا العالم ذرة يقين بشيء ما ، كل شيء يُحال الى الجدال والخصام ، وهنا تكمن الغرابة : فاذا كنا نعرف ، ان لا شيء يقيني الان فلمَ هذا الخصام ؟ لم كل هذا الصراع ؟ هل مازال المال هو اليقيني الوحيد ، الذي مازال صامدا امام اكتساح زحزحة المفاهيم ؟ ، ورفض ما هو قار منها ؟ لم مازال المال يشكل المعيار لكل شيء ؟ حتى تلك الامور التي لا يمكن ان تقاس بالمال ؟ لذا صار كل شيء مصبوغا بلغة واحدة وتجل واحد .. الرأسمالية التي صنعت الافكار وطورتها ، انتجت الليبرالية ، وحررت المرأة واخرجتها الى المعامل ، ومع اننا جميعا ندرك قيمة المال الا اننا وجدنا من يصرفه في حروب عبثية ، وشراء لضمائر فاسدة ، ومنهم من يحرقه في جلسة طرب معربدة .. لذا نعود لنتساءل اذا كان المال هو الوسيلة لا الغاية ، فأية غاية انفع من صرفها على التعليم ، الذي سنتوصل -كلما تعمقنا به- اننا لا نصل الى القاع في هذا البحر الواسع .
لم يعد المال يسعد الانسان ، ومع الشره المتزايد للاستحواذ على اكبر رقم منه ، مازلنا لا نعرف ماذا نفعل به ، هل نتناول المخدرات به ام نرقص على ايقاع رنينه ، وجلجلة صوته ، ام نشتري به سكك الذهب الخالص لان ابصارنا مازالت تبرق للون الاصفر ! ان نزعة ضياع كل المعاني مع جشع غير مفهوم ، يجعلنا نطالب بعودة الاصوات الصوفية ، لندور حول فلك الذات وهي تتسامى بعيدا عن ضياع غير منتج ، ولنذهب الى ضياع منتج ، من نوع نعرفه انه اجمل واحلى !. اليست الحياة عبارة عن لغز يزداد تفاهة كلما انغمسنا في البعد عن الذات ! ان الصوفية التي نحتاجها ليست نزعة الى الاعتكاف والانعزال والانقطاع عن التأمل لصالح العمل المثمر … بل الحاجة الى معننة الاشياء وليس سلقها ، لنعبر كيفما اتفق ظرفا او حالة ثم لنقع في اخرى دون ان نتعلم من الحياة شيئا . يمكن للمال تتفيه وتسخيف الحياة حتى لتبدو كأنها ملهى ليلي ماجن يمتص كل ما لدى الحاضرين لينتهي الى اللاشيء من المعنى … انها الدعوة الى التوقف قليلا لنبدأ بداية جديدة بعيدة الطرق المستحدثة لعملية تبذير المال لصناعة الضياع .