23 ديسمبر، 2024 9:19 ص

من يمثل سنة العراق؟

من يمثل سنة العراق؟

لم يعد خافيا على احد اليوم ان العراق يتمثل بثلاثة مكونات رئيسية, فهناك الشيعة الذين يملكون زمام الامور في عراق ما بعد 2003, ولديهم ممثليهم سياسيا وعسكريا, وهناك الكرد الذين استحصلوا اقليمهم الخاص, ولم يعد اعلان استقلالهم سوى تحصيل حاصل, اما المكون الرئيسي الثالث فهم السنة وهم الطرف الاكثر تضررا حتى من بعض الاقليات لعدة اسباب, لعل من ابرزها انهم وحدهم من حمل لواء المقاومة ضد المحتلين, وان ولائهم كان دوما للدولة وليس لطائفة او اجنبي, وظلوا وحدهم يخوضون صراعا من اجل الحياة وسط بحر متلاطم من الفتن والازمات.

ولما كان النظام الجديد قد فرض على العراق وأصبح امرا واقعا كان لابد للسنة ان يكون لهم ممثل يجلس في دوائر صنع القرار ويعرف ما يدور في دهاليز السياسة دون ان يتقاطع ذلك مع المقاومة الرشيدة التي تستهدف المحتل دون ان تمتد يدها الى الدم العراقي.

 

شارك السنة في مجلس الحكم الذي شُكّل اثناء فترة الادارة المدنية، رغم عدم قناعتهم بان تلك المشاركة لا تمثل نسبتهم الحقيقية، لكن من كان حينها يأبه لقضية النسب ؟! فالكل عراقيون والاهم اخراج البلد من محنته، بيد ان هذا التفكير لم يكن لدى الاطراف الاخرى التي كانت تستعد للاستحواذ واقصاء الشركاء.

 

لقد كانت مقاطعة السنة لاول انتخابات جرت في العراق احتجاجا على الحيف الذي لحق بهم بعد الهجوم على مدينة الفلوجة، مقاطعة استغلها البعض لرسم الخطوط العريضة لمستقبل عليه الدولة العراقية فعدوا كأقلية، لكنهم عادوا ليدخلوا في الانتخابات الثانية عام 2006 بقوة تحت لافتة كبيرة اسمهما “جبهة التوافق العراقية”.

 

كان للشيخ الشهيد اياد العزي عليه رحمة الله الدور الابرز في تكوين جبهة التوافق كممثلة وحيدة للسنة في الانتخابات مقابل الائتلاف الوطني الشيعي والتحالف الكردستاني، ولقد بدى واضحا ان الحزب الاسلامي يمثل جوهر التوافق كونه الحزب الاعرق والاكثر تنظيما، هذه الجبهة لم تنل استحقاقها في الانتخابات لان منافسيها من أشرفوا على العملية الانتخابية فكان طبيعيا ان تأتي النتائج كما يشتهون.

 

وعندما حانت انتخابات 2010 اندمجت التوافق مع كتل اخرى من مختلف التوجهات بغية تقديم قائمة تكون عابرة للطائفية وتتجاوز الخلافات الجانبية لانقاذ البلد من الحالة المزرية التي عاشها في السنوات الماضية، في حين تمسك الاخرون بلافتاتهم التي كانوا حملوها منذ البداية.

 

ولما فازت العراقية بالانتخابات، صودر حقها في تشكيل الحكومة بدعم خارجي وتم الالتفاف عليها بشكل يثير الدهشة، لكنها ظلت وفية لمنهج التوافق بمطالبتها بحقوق السنة من إطلاق سراح المعتقلين الابرياء وايقاف عمليات الدهم والاعتقال المتواصلة في مناطقهم والكف عن سياسية الاقصاء والتهميش التي انتهجتها حكومة المالكي في ولايتها الاولى واستمرت عليها في ولايتها الثانية بشكل أكثر وايذاء وعنجهية.

 

لقد حتمت الاحداث الاخيرة التي شهدتها البلاد، من عدم استجابة لمطالب الحراك وسقوط المحافظات السنية بيد داعش وتهجير مئات الاولوف من السنة الى اماكن شتى، حتم على ممثليهم ان يشكلوا “تحالف القوى الوطنية” كممثل لسنة العراق بعد خروج الخبث المتمثل ببعض الشخصيات التي كانت تمثل عبئا على القائمة، شخصيات تقبل عن الطمع وتدبر عند الفزع.

 

تحالف القوى الوطنية يشارك اليوم في الحكومة والبرلمان وهو يحمل صفة ممثل العرب السنة، لما يضمه من شخصيات عرفت بمواقفها المناصرة لأهلها، بخلاف باقي الكتل الصغيرة الاخرى التي تريد ان تنافسه على هذا الشرف، هذه الكتل التي جربت كثيرا لتتخذ موقفا مبدئيا مناصرا لأهلها، لكنها في كل مرة كانت تميل حيث تميل رياح المصلحة، وما قضية سحب الثقة عن نوري المالكي عنا ببعيدة.

 

لا ندعي ان تجربة تحالف القوى الوطنية وسلفيه كانت مثالية، لان الاوضاع في العراق لم مثالية ولا حتى طبيعية، وهل كان الاخرون بكل مسمياتهم وانتماءتهم مثاليين؟!! وهل عصموا من الخطأ؟

 

ان قياس مدى نجاح اي تجربة او فشلها يُعرف بما قدمته بالمقارنة مع الظرف الذي كانت تعمل به، فممثلي السنة عملوا في اشد الظروف قسوة وضراوة، فكان عليهم ان يواجهوا المشروع الامريكي والمشروع الايراني في ان واحد، كان عليهم ان يتقوا شر الخارج بكل ما لديه من اجندات، وان يتعاملو مع الداخل بكل يحمله في جو من المنافسة غير الشريفة حيث تتجلى روح الطمع والثأر والاستئثار، وفي ذات الوقت كان عليهم ان يقنعوا جمهورهم بصوابية عملهم في تلك الظروف العصيبة، حيث تتعقد المواقف ويختلط الحق بالباطل.

 

لا شك محنة المحافظات السنية ملأت الفضاء باصحاب الجعجعة الفارغة ممن يرفعون عقارئهم صباح مساء للطعن في هذا او شتم هذا او التشكيك في عمل ذاك، وهم لا يقدمون لا نقيرا ولاقطميرا لمن يدعون تمثيلهم، اما من يعمل فشأنه الاصابة والخطأ، وهل السياسية الا فن الممكن، لهؤلاء المتشدقين اقول: من يدعي منكم تمثيل السنة فليقدم لهم خيرا او ليصمت.