بعد ١٧ عاما من الاحتلال الأميركي ولازالت قرارات بريمر المجحفة بحق الاقتصاد العراقي بشقيه الزراعي والصناعي تفعل دورها في تدمير الاقتصاد العراقي بشكل ممنهج و متعمد,ولم تجرأ حكومات المحاصصة الطائفية ما بعد حقبة بريمر على إلغاء القرارات التي ساهمت ولازالت تساهم بتدمير الاقتصاد العراقي, فيما واصل المسؤولون عن القطاعين بعد الاحتلال في تخريب وتشويه العملية الإنتاجية وكأنهم أدوات لتنفيذ أجندات لدول الجوار على حساب المصلحة الوطنية.
يومها كان العراق ينتج ما يكفيه ويزيد من محاصيل زراعية ولحوم شتى, أما اليوم فقد تدهورت زراعة بلاد ما بين النهرين إلى مستورد حتى التمور التى كان العراق الاول على المستوى العالمي.
اتخذ الحاكم الأميركي بول بريمر عدة قرارات ساهمت في تدمير الدولة العراقية وكان اسوا واخطر القرارات بعد الغاء مؤسسات الدولة,القرار ٨١ الذي يتعلق بالأمن الغذائي في العراق ولما له تأثير على حياة المواطن العراقي, وتحت مسمى براءات الاختراع تضمن القرار بعدم السماح للمزارعين العراقيين بخزن البذور او تبادلها بينهم, كما لم يسمح لهم جني المحصول الزراعي وتخزينها,في محاولة للتحكم في الامن الغذائي للمواطن العراقي,فيما فتح الباب على مصراعيه أمام الشركات الاميركية لجني الأرباح من خلال الإنتاج والتحكم بنوع البذور التي يستخدمها القطاع الزراعي في العراق, كما وأن الحكومات المتعاقبة منذ عام ٢٠٠٣ سارت على نفس النهج الذي رسمه بريمر في إغراق السوق المحلية بالسلع الاجنبية غير المتكافئة للمنتجات الوطنية في ظل اتهامات لبعض وزارات الدولة بتعهد ضرب القطاع الزراعي والثروة الحيوانية خدمة لأجندات دول الجوار.
الواقع ان الامن الغذائي في العراق وصل الى حد الفشل نتيجة تولي قطاع الزراعي مسؤولون عديمي الخبرة, ولم تقم بمشاريع ملموسة لزيادة وتحسين المنتجات الزراعية وكان من تبعات ذلك تحول العراق من الاكتفاء شبه الذاتي الى بلد مستورد لقمحه وخضراواته وتموره وغذائه الآخر ,فيما أكدت لجنة الزراعة في البرلمان العراقي عن وجود جهات سياسية تسهل استيراد منتجات زراعية بالتزامن مع موسم الحصاد للمنتجات الزراعية والحبوب في العراق لضرب القطاع الزراعي والثروة السمكية من خلال خطط وأساليب ملتوية مستغلة عدم تفعيل حماية المنتج المحلي وغياب الرقابة الحكومية.
ولم يكن قطاع الصناعة اقل ماساة من القطاع الزراعي فقد شهد القطاع الصناعي تراجعا تدريجيا وشبه كلي بعد عام ٢٠٠٣, بعد تدمير قوات الاحتلال البنى التحتية للصناعة العراقية وبالاخص المنشآت العملاقة والمصانع الكبيرة , وذلك لجعل العراق وصناعته الوطنية ضعيفة وتابعة لهم وبحاجة لمنتجاتهم ومصانعهم .
فقد مثل القرار ٣٩ الذي أصدره بريمر بخصخصة ٢٠٠ من الشركات المملوكة للدولة ملكية أجنبية بنسبة١٠٠% من الشركات العراقية مع تحويل الاموال والارباح لصالحها, كما خفض بريمر الرسوم على السلع المستوردة الى خمسة بالمئة أعقبه تدهور أشد عندما تولى قيادة هذا القطاع مسؤولون لا علاقة لهم
بالصناعة .
فيما تشير احصائيات رسمية الى ان العراق كان بحوزته قبل عام ٢٠٠٣ نحو ١٧٨ ألف مصنع بين حكومي تابع لوزارة الصناعة والتصنيع العسكري وآخر تابع للقطاعين المختلط والخاص حتى بلغت المساهمة بدعم الناتج الوطني الى نحو١٦% حتى عام ٢٠٠٢.
ومن العوامل التي ساهمت في انهيار الصناعة سياسة الباب المفتوح على صعيد التجارة الخارجية, مما أغرق السوق العراقية بالسلع من مختلف دول العالم دون أن تتم حماية الانتاج المحلي والمستهلك العراقي وهو ما ادى الى احتضار الصناعة بمختلف قطاعاتها, كما وان هناك معدات حديثة هربت ونقلت من المصانع العراقية الى دول الجوار وبيعت بارخص الاثمان, وقد لعبت الأحزاب المتنفذة وسماسرتها وتجارها بتدمير الصناعة من خلال استيراد البضائع وتسهيل دخولها العراق حتى اصبحت السوق العراقية فائضة ولا سيما البضائع الايرانية.
وفي هذا السياق يشير وزير الصناعة السابق محمد صاحب الدراجي الذي كشف عن شرط غريب يفرض على أي شخص يستلم الوزارة , وقال الدراجي في تصريح صحفي ان( البنى التحتية في وزارة الصناعة جيدة للبدء بعمليات التصنيع سواء المدني او الحربي لكن هناك عملية مقصودة ومتعمدة لإفشال الصناعة المحلية) واضاف الوزير(ان الوزير إذا كان يرغب بتقديم منجز في هذا المجال يقولون له لا نريد منك شى سوى عدم تشغيل المصانع)مؤكدا أن عدد المصانع بلغ ١٠ آلاف مصنع اهلي واكثر من ٣٠٠ حكومي, بسبب غياب الدعم وحماية المنتج الوطني أمام المنتجات الايرانية والسعودية والتركية وغيرها, ملمحا الى تورط نواب ومسؤولين كبار في هذا الأمر.
من هنا فإن الوضع الاقتصادي الكارثي على المستوى الزراعي والصناعي الحالي يدق ناقوس الخطر, الذي يحتم على أصحاب القرار السياسي والاقتصادي الإسراع بعلاج المشكلة , وذلك من خلال إلغاء قرارات بريمر المجحفة بحق العراق وشعبه, وإيقاف الخنوع والخضوع لقرارات لا تخدم المصلحة الوطنية.