23 ديسمبر، 2024 1:42 ص

من يكره الزعيم ؟

من يكره الزعيم ؟

 قبل الحرب العالمية الاولى ونظرا لاتساع حركات التمرد التي قادتها القبائل العربية قامت السلطات العثمانية عام ١٩٠٩بتعيين الشريف حسين شريفا على مكة الذي قام بدوره بتعيين ابنه الامير فيصل قائدا للسرايا المكلفة بقمع حركات التمرد تلك وفي العام ١٩١٦ قام الشريف حسين وبتنسيق ودعم بريطاني بقيادة تلك القبائل التي ( كان يقمعها ) للثورة ضد الحكم العثماني ، وفي العام ١٩١٨ عُين الامير فيصل ملكا على سوريا مكافأة للخدمات ( الجليلة ) التي قدمها الشريف الاب للتاج البريطاني لكن سرعان ماتم خلعه من قبل الفرنسيين اذ وجهوا له انذارا بتسليم البلاد فَقَبِل الانذار وامر بحل الجيش رغم اعتراض وزير الدفاع حينها يوسف العظمة ولكن حمية الملك الوطنية ! دعته الى دعوة الوطنيين السوريين لمقاومة الاحتلال الفرنسي فشكل جيشا لمقاومة المحتلين خاض معركة قتل فيها يوسف العظمة ورفاقه المقاومين الاحرار فيما سا، فر جلالته الى لندن .
  في تلك الفترة اندلعت في العراق ثورة العشرين التي اجبرت بريطانيا على تغيير سياستها من الاستعمار المباشر الى حكم وطني تحت الانتداب كان من نتائجه تعيين الملك فيصل ( قائد سرايا قمع حركات التمرد ) ملكا على العراق تلاه ابنه غازي ثم حفيده فيصل في فترة امتدت من عام ١٩٢١ الى عام ١٩٥٨ شهدت ماشهدت من حراك وارهاصات شكلت في جانبها الايجابي تأسيس معالم الدولة العراقية وانشاء هياكل مؤسسات ديمقرطية وانجاز مشاريع للبنى التحتية .
  تلك المقدمة ضرورية لمناسبة ذكرى ثورة ١٤ تموز ولبيان اسباب اعتراض واستهجان البعض لدرجة النقمة عليها ويمكن تصنيف فئتين من الاعتراضات الاولى تعترض على الاطاحة بالملك وبالتالي من اطاح به والثانية لايهمها الملك بل تعترض على من اطاح بالملك ، الفئة الاولى تشمل ثلاثة اولهم الهاشميون ويمكن تفهم اعتراضهم على تلك الثورة كونها سلبت منهم ملكا ليس مهما ان يكون الله منحهم اياه ام بريطانيا وثانيهم التجار اصحاب القرابة والنفوذ الذين تضررت مصالحهم بسقوط نظام سلمهم مفاتيح احتكار التجارة ويغيضهم نظام جديد اذا رأى جشعا منهم استورد من الخارج لتبور تجارتهم وثالثهم الاقطاعيون الذي يدينون للملك الذي وزع عليهم الاراضي فاصبحوا بفضله يتسكعون في شوارع بغداد وملاهيها والفلاحين العبيد يدفعون بعرقهم ثمن لياليهم الحمراء فبالتاكيد سيعترضون على حاكم اخذ منهم الارض ووزعها على صغار الفلاحين البسطاء ، اما الفئة الثانية فتشمل اولا امريكا وبريطانيا وهؤلاء عذرهم مقبول فقد زال نظام موال لهم وجاء نظام وطني حر مستقل لايقبل باملاءاتهم وضرب مصالحهم وشرع بتأميم النفط وثانيا العروبيون من بعثيين وقوميين بشكل عام وهؤلاء لم يستطيعوا ان يبينوا لنا سبب عدم قبولهم بنظام جمهوري يتوافق مع الكثير من شعاراتهم واطاح بحكم وقع على اتفاقية مع حاييم وايزمان تعترف بحق اليهود في فلسطين وتشجع الهجرة اليهودية اليها واسقط ملكا قال جده بالحرف (جئت ممثلاً لوالدي الذي قاد الثورة العربية ضد الترك تلبية منه لرغبة بريطانيا وفرنسا ) وهم ذاتهم لم يبينوا سببا لمعاداة نظام جديد عمل على قِصَر فترة حكمه على توحيد العراق وبناءه على اسس وطنية وعاش الناس فيه احرارا بلا هياكل شكلية توحي بالديمقراطية وتتصرف باسلوب قمعي ، ديمقراطية على ضرورتها لم تكن لتشكل اولوية لشعب مسحوق معدم ليس فيه طبقة وسطى اما من النخبة الحاكمة وتاجرا واقطاعيا واما حمالا وخادما وفراشا وفلاحا عندهم  ، نظام كان حريصا ان يبني بيتا يأوي المشردين بدلا من برلمان يأوي المتنفذين واللصوص ومصاصي دماء الفقراء ولم يعلنوا لماذا رفضوا نظام طبق الاشتراكية بكل معانيها فعلا لا قولا ودون تنظير وتجارة بمبادئها ، نظام رجل لم يعبأ كثيرا بالانتخابات لانه لم يكن بحاجة لصندوق ليعرف نبض الشارع واحتياجاته ولم يكن لروتين ان يوقف عمله ، نعم عمل ولا احد يمكنه انكار مافعل ففي كل بقعة في ارض العراق له شاهدة ، هنا مستشفى وهنا جسر وهناك سد وهناك حي ومدينة وهنا محطة للمياه وهناك مشروع صناعي وهنا وهناك مدارس وجامعات ولم تكن سوى اربع سنوات استطاع فيها ان ينجز ماعجز عن انجازه خصومه في عقود  ويكفيه فخرا ان ترك كل هذا الاثر الطيب في نفوش شعبه ولم يجلب العار لامته بنكبة او نكسة او وكسة ولم يثب على الحكم بازاحة صاحب الثورة الاصلي ولم يقم حفلات الموت والتعذيب الهمجي لخصومه هو من قال عفا الله عما سلف ضحى بنفسه وحمى شعبه المنتفض لحمايته من بطش عصابة انقلبت عليه  ،
  هؤلاء هم اعدا ثورة الزعيم بدل ان يعملوا على تحقيق حلمهم القومي المزعوم حاربوا حلم الرجل الذي سعى لبناء دولته وخدمة شعبه ، تأمروا عليه وحين تم احباط مؤامرتهم اسبغوا عليها مايدور في عقولهم وما هو من اخلاقهم وعابوا عليه محكمته ونسوا ان محكمته على هناتها لم تكن تحاكم انبياء ولم يعيبوا على انفسهم محاكمتهم الميدانية له  ، واليوم وانا ارى اقلاما تتهجم على الزعيم وثورته تتملكني الدهشة لاني اجد من بين بعضها من هم في ظني لاينتمون لاي من الفئتين المذكورة وهؤلاء عليهم النظر بموضوعية وليعلموا ان خصومه ومعارضيه وحتى اعداءه يعترفون له بخصال لم نعهدها منذ حكم علي ابن طالب ، يعترفون بوطنيته الخالصة الحرة ، وطنية لم يلوثها ويدنسها اي ارتباط مشبوه او رضوخ لنفوذ اجنبي مهما كانت قوته وايضا هم ولا شك يعترفون بنزاهته وشرفه وزهده وتواضعه ولاينكرون انه هو الذي دخل بقميصه وخرج بقميصه .