في ظل الأحداث التي يمر بها بلدنا من حيث مواجهة الإرهاب وتدبير متطلبات الإنفاق الكبيرة بعد هبوط أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ سنة 2003 ، فان رئيس مجلس الوزراء بحاجة ماسة جدا للسفر لغرض التشاور مع الأصدقاء والحلفاء والشركاء والأشقاء في مجال التسليح والحصول على الدعم المطلوب والمساعدة في إعانة أكثر من 3 ملايين نازح وتوريد الاحتياجات الضرورية رغم عدم القدرة على الدفع النقدي ، ومن الناحية البروتوكولية فان السيد العبادي عليه حضور اجتماعات ومنتديات ولقاءات لمجموعة من المحافل الدولية والإقليمية كاجتماعات التحالف الدولي ضد داعش واجتماعات الاتحاد الأوروبي وغيرها عندما يكون العراق ضمن المنهاج ، ناهيك عن حضور التجمعات الإقليمية والدولية لإلقاء الخطب وشحن الهمم باعتبار إن العراق تحول من البوابة الشرقية للأمة العربية إلى متلقي للصدمات الأولى نيابة عن العالم بأسره ، لان داعش الإجرامي يستهدف العالم جميعا و ( العراق ) هو حجاباته الأولى فإذا عبرها فان العالم يصاب بالسوء ، وحسب إحصاءات ( غير رسمية ) فان رئيس مجلس الوزراء قد اضطر للسفر خارج العراق بمعدل سفرة واحدة شهريا خلال الأشهر الأخيرة ، في ظروف صعبة يتولى فيه العراقيون القتال الصعب لتقليص المساحة التي يحتلها الدواعش بهدف تحريرها بالكامل وعودة النازحين إليها بأسرع وقت ممكن .
والسؤال الذي ربما يشغل بال البعض هو من يقوم بمهام رئيس مجلس الوزراء أثناء تواجده خارج العراق باعتبار إن هناك حاجة ربما تبرز لاتخاذ قرارات مهمة وسريعة ، فالحرب الكونية التي يخوضها العراق ربما تتطلب قرارات مصيرية باعتبار إن دستورنا أناط مهمة القائد العام للقوات المسلحة برئيس مجلس الوزراء ، فالمعارك المصيرية ربما تبرز الحاجة تدخلا لطيران التحالف الدولي الذي لا يمكن أن يتم إلا بطلب من العراق ومن خلال القائد العام حسب ما يتم التصريح به في الإعلام ، وفي هذا الخصوص نصت المادة 78 من الدستور بان رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة والقائد العام للقوات المسلحة ، كما نصت المادة 81 من الدستور ( أولا : يقوم رئيس الجمهورية مقام رئيس مجلس الوزراء عند خلو المنصب لأي سبب كان ) ، والسفر إلى الخارج لا يعني خلو المنصب من الناحية الفعلية لان الخلو ينطوي على صفة الاستمرارية في الغياب أو الخروج من المنصب ، وبالعودة إلى المادة 3 من نظام مجلس الوزراء رقم 8 لسنة 2014 الأقرب للموضوع نجد إن نصها يتضمن ( يقوم رئيس مجلس الوزراء بإدارة المجلس وترؤس اجتماعاته وفي حالة غيابه يعقد الاجتماع برئاسة من يخوله من نوابه ) ، وهذا يعني إن الموضوع يتعلق بإدارة الاجتماعات وليس ممارسة الصلاحيات كافة لرئيس مجلس الوزراء .
والنص الذي اشرنا إليه يعد معطلا حاليا نظرا لإلغاء مناصب نواب رئيس مجلس الوزراء بموجب حزمة الاصلاحات التي أطلقها العبادي وصادق عليها مجلسي الوزراء والنواب ، ومن الناحية التشريعية فانه لا يوجد من ينوب عن رئيس مجلس الوزراء عند سفره أو غيابه إلا في حالة خلو المنصب ومن (المرجح ) انه يقوم بتكليف احد القادة العسكريين لإدارة بعض الأعمال العسكرية بغيابه والتشاور معه أو الرجوع إليه هاتفيا أو بأية وسيلة اتصال آمنة ومناسبة ، أما جلسات مجلس الوزراء التي غالبا ما تنعقد يوم الثلاثاء من كل أسبوع فإنها تعقد أما قبل سفره أو بعد عودته ، والأعمال الاعتيادية للمجلس يتم انجازها من قبل الأعضاء أو من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء أو من قبل مكتبه ، وهي تشكيلات تم النص عليها في المواد 28 و29 و30 من نظام مجلس الوزراء رقم 8 لسنة 2014 ، ويظهر من خلال هذا العرض بأنه لا يوجد من يقوم بأعمال رئيس مجلس الوزراء في حالة غيابه رغم إن هناك فصل للسلطات الثلاث باعتبار إن نظامنا نيابي وليس رئاسي ، بمعنى إن رئيسي الجمهورية والوزراء يتم انتخابهم من قبل مجلس النواب وليس ن طريق الانتخاب المباشر من قبل الناخبين ، والتساؤل الذي يطرح هل من الصحيح أن يبقى البلد بدون رئيس مجلس الوزراء ولو على سبيل الوكالة أثناء سفره لغرض مواجهة الحالات الطارئة والأمور الآنية ؟ .
وهناك من يعتقد إن الحاجة غير ملحة أو ضرورية للتوكيل أو التكليف بضوء التطور الذي يشهده العالم في وسائل النقل والاتصالات ، فرئيس مجلس الوزراء يسافر بطائرة خاصة ومن الممكن توفير طائرة بديلة لإعادته للوطن عند حدوث أي عارض في طائرته ( مثلا ) ، كما إن تقنيات أنظمة الاتصال تتيح أمكانية إيصال ونقل المعلومات بوسائل متعددة يمكن تامين سريتها وخصوصيتها عندما تستدعي الضرورة إلى الحماية من التنصت والتسلل ، ولكن ما يثير الجدل لدى البعض هو أسباب الحرص على عدم إيكال هذا المنصب بالوكالة ولو لعدد محدود من الأيام في حين إن اغلب المناصب في الدولة تتم إدارتها على سبيل الوكالة ، فما يعيب على ذلك هو لجوء بعض الوزراء وشاغلي الدرجات الأدنى إلى التقليد من خلال عدم إناطة مناصبهم بالوكالة عند سفرهم وحتى عند تمتعهم بالإجازات الطويلة ، حيث نجد وزارات شبه خالية من مظاهر وجود الوزير عند غيابه لأي سبب بمنح الحمايات إجازة وإغلاق غرفة الوزير وكأنها ملكا له ، كما إن واقع الحال يؤشر إن بعض الوكلاء والمدراء العامون يغلقون غرفهم ويحجبون الصلاحيات عن وكلائهم لان اغلب الأمور تعرض عليهم بعد العودة من الغياب رغم إنهم بالوكالة أصلا ، وقد وصل الأمر إلى إن البعض يمارسون واجباتهم الوظيفية خارج مقراتهم لدرجة إن هناك من يفخر بقدرته على إدارة مؤسسته عن طريق الهاتف الجوال .