18 ديسمبر، 2024 5:14 م

من يقرر انسحاب القوات الامريكية من العراق الحكومة ام السياسين ام الفصائل المسلحة ام ايران

من يقرر انسحاب القوات الامريكية من العراق الحكومة ام السياسين ام الفصائل المسلحة ام ايران

من المعروف أن القضية الأكثر تفاعلًا في الساحة العراقية حاليًا هي مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وقد أصبحت مواقف الفصائل المسلحة والقوى السياسية المختلفة حول هذه القضية معروفة.

لكن هناك جانب مهم يجب تسليط الأضواء عليه، وهو مواقف مكونات الشعب العراقي المختلفة والناس العاديين (غير المرتبطين بالجهات المسلحة والسياسية) تجاه هذه القضية، خاصة وأن الاحتجاجات الأخيرة في العراق (بدأت مطلع أكتوبر/ تشرين أول 2019) أثبتت وجود خلافات وتناقضات كبيرة في الرأي والرؤية بين الشعب والطبقة السياسية، حول مجمل القضايا الداخلية والخارجية المتعلقة بالشأن العراقي.

من الطبيعي أن أي شخص لديه الحد الأدنى من الانتماء لوطنه سيرفض أي وجود لقوات أجنبية على أراضي بلده، لكن قضية الوجود العسكري الأمريكي مختلفة ومعقدة وتنطوي على تساؤلات عديدة حول طبيعته.

من هذه التساؤلات: هل القوات الأمريكية في العراق بعد عام 2011 هي قوات احتلال أم قوات حليفة؟ ولماذا تصاعدت المطالبات بانسحابها في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا هذه المطالبة تصدر فقط من الجهات السياسية-المسلحة العراقية المرتبطة بإيران؟ وهل رأي الجهات المرتبطة بإيران يمثل رأي جميع مكونات الشعب العراقي بخصوص هذه القضية؟

احتلال أم تحالف؟

يشعر الكثير من العراقيين والمراقبين للشأن العراقي بالحيرة بشأن توصيف طبيعة الوجود العسكري الأمريكي “الحالي” في العراق، حيث مر بمراحل مختلفة ومتناقضة.

بعد الغزو الأمريكي-البريطاني للعراق، في أبريل/ نيسان 2003، كان توصيف القوات الأمريكية في العراق سهلًا وواضحًا بأنها “قوات احتلال”، حتى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483، الصادر في 22 مايو/ أيار 2003 بإجماع الأعضاء، وصف القوات الأمريكية والبريطانية في العراق بأنها “قوات احتلال“.

في أكتوبر/ تشرين أول 2008 توصلت الحكومتان العراقية والأمريكية إلى اتفاقية تعاون أمني استراتيجي تنص على إكمال انسحاب القوات الأمريكية من العراق نهاية 2011، وإبقاء عدد “محدود” من الجنود الأمريكيين في قواعد عسكرية “محدودة”، لأغراض تدريب القوات العراقية وتقديم الدعم اللوجستي لها.

تم تنفيذ بنود الاتفاقية، وانسحبت القوات الأمريكية رسميًا من العراق بحلول نهاية 2011.

بعد ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي وسيطرته على مدن وأراضٍ واسعة من العراق، في يونيو/ حزيران 2014، طلبت الحكومة العراقية من الولايات المتحدة مساعدتها للوقوف بوجه تهديدات ومخاطر داعش، وضرورة زيادة حجم ونوع الدعم العسكري الأمريكي المقدم للعراق، تطبيقًا لاتفاقية التعاون الأمني الاستراتيجي.

وفي سبتمبر/ أيلول 2014، تشكل التحالف الدولي لمحاربة “داعش” من 82 دولة، بقيادة الولايات المتحدة، وتطلبت ظروف الحرب ضد “داعش” زيادة أعداد القوات الأمريكية في العراق وزيادة قواعدهم العسكرية. بحلول نهاية الحرب على “داعش” في 2017، وصل عدد الجنود الأمريكيين في العراق إلى أكثر من 5000 جندي، ينتشرون في 9 قواعد عسكرية في وسط وغربي وشمالي العراق.

لم تواجه القوات الأمريكية في العراق أية مشاكل مع الجهات السياسية-المسلحة العراقية المرتبطة بإيران خلال الحرب على “داعش”، لكن بعد أن قررت الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، في مايو/ أيار 2018، وتشديد العقوبات الأمريكية على طهران، تصاعدت المواجهة بين واشنطن وطهران، ويبدو أن العراق أصبح الساحة الرئيسية لهذه المواجهة.

بدأت الجهات السياسية العراقية القريبة من إيران تصعد من لهجتها ضد الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وبدأت الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران تهدد بشن ضربات ضد القوات الأمريكية في العراق. هذه المواجهة وصلت ذروتها بعد مقتل الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، بضربة جوية أمريكية قرب مطار بغداد، فجر 3 يناير/ كانون ثاني الماضي.

بعد هذا الحادث بيومين أصدر مجلس النواب العراقي قرارًا يلزم الحكومة بالبدء بمفاوضات لإخراج القوات الأمريكية، بعد جلسة طارئة حضرها معظم النواب الشيعة وعدد قليل جدا من نواب العرب السُنة، وغياب معظم النواب الأكراد.

من جهة أخرى تزايدت بعد مقتل سليماني الهجمات الصاروخية التي شنتها الفصائل الموالية لإيران ضد القواعد العسكرية التي تحوي القوات الأمريكية، وأصبح الخطاب الإعلامي للجهات السياسية-المسلحة القريبة من إيران يصف القوات الأمريكية في العراق بـ(قوات احتلال)!

مواقف الرأي العام

إن القوى السياسية الشيعية التي تصدرت المشهد السياسي في العراق بعد انتخابات 2018 هي “ائتلاف الفتح” (الحشد الشعبي) و”ائتلاف سائرون” (الصدريين).

وهذه القوى هي التي تقود حاليًا الحملات السياسية والإعلامية للمطالبة بانسحاب القوات الأمريكية من العراق، وتتكون تلك القوى من فصائل مسلحة لديها أجنحة سياسية، أو أحزاب سياسية لديها أجنحة مسلحة، وجميع هذه القوى قريبة من إيران وتوجهاتها.

لكن السؤال هو: هل يمثل “الفتح” و”سائرون” معظم الشارع الشيعي في العراق؟ بالطبع لا، فهذه القوى لديها نوعين من الجمهور في الوسط الشيعي بالعراق، الجمهور المنتمي لها تنظيميًا وعقائديًا، والجمهور “النفعي”، الذي يؤيد توجهات تلك القوى لمنفعة شخصية.

إن جمهور هذه القوى لا يشكل النسبة الأكبر من المكون الشيعي في العراق، بدليل أن النسبة (الحقيقية) للمشاركة في التصويت في الانتخابات الأخيرة بمحافظات وسط وجنوب العراق الشيعية لم تتجاوز 20%.

والدليل الآخر هو الأعداد الكبيرة من الجماهير الشيعية التي شاركت في الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، علمًا بأن تلك الاحتجاجات تركزت في مدن وسط وجنوب العراق الشيعية، وأن جوهر مطالبها هو إزاحة القوى السياسية-المسلحة القريبة من إيران من المشهد السياسي بالعراق.

لكن هذه القوى ما زالت تفرض سيطرتها ونفوذها في الشارع الشيعي في العراق بقوة السلاح والدعم الإيراني.

إن الجماهير الشيعية من خارج “الفتح” و”سائرون” لها رأي آخر في قضية الوجود العسكري الأمريكي في العراق، فهم يرون أن هذا الموضوع هو قضية استراتيجية تتعلق بأمن وسيادة ومستقبل العراق، ويجب مناقشتها واتخاذ القرار بخصوصها ضمن توافق وطني شامل موحد، وليس ضمن إطار المصالح والتوجهات الإيرانية، ولا يجوز للجهات السياسية-المسلحة المرتبطة بإيران أن تحتكر حق القرار في هذه القضية، واحتكار قرار الحرب والسلام في العراق.

الكثير من شيعة العراق خارج إطار “الفتح” و”سائرون” يرون أنه لا يجوز تعريض الأوضاع الأمنية والاقتصادية في العراق للخطر خدمةً للأجندات الإيرانية.

هؤلاء العراقيون الشيعة يرون أن القوات الأمنية العراقية ما زالت بحاجة لدعم القوات الأمريكية لمواجهة خطر الإرهاب المتنامي، وأن المؤسسة العسكرية العراقية بدأت مؤخرًا تؤيد انسحاب القوات الأمريكية؛ بسبب ضغوطات القوى السياسية-المسلحة المدعومة من إيران، كما أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، هدد بأنه إذا أجبر العراقيون القوات الأمريكية على الانسحاب، فسيفرض عقوبات اقتصادية على العراق “أقسى” من المفروضة على إيران.

أما العرب السُنة، فموقفهم الحالي من الانسحاب الأمريكي يعد من المفارقات التاريخية، فبين عامي 2003 و2011 كان العرب السُنة أكثر مكونات الشعب العراقي رفضًا للوجود الأمريكي، وشهدت مدن ومناطق العرب السُنة الجزء الأكبر من العمليات المسلحة التي استهدفت القوات الأمريكية، ولحد الآن يوجد المئات من العرب السُنة في السجون العراقية، بتهمة المشاركة في أعمال مسلحة ضد الأمريكيين!

أما الآن، فإن معظم العرب السُنة (من خارج بعض القوى السياسية السُنية المتحالفة مع ائتلاف الفتح) لا يشعرون بالارتياح لانسحاب الأمريكيين في هذا الوقت لعدة عوامل.

من هذه العوامل أن العرب السُنة (من خارج الطبقة السياسية) لديهم نفس الهواجس والشكوك والانتقادات الموجودة لدى العراقيين الشيعة (من خارج ائتلافي الفتح وسائرون)، فضلًا عن أن العرب السُنة يعتقدون أن الانسحاب الأمريكي في هذا الوقت سيجعلهم ومناطقهم مكشوفين أمام تهديدين خطيرين، هما تهديد بقايا “داعش”، وتهديد الميليشيات المدعومة من إيران.

أما موقف معظم الجماهير الكردية من الوجود العسكري الأمريكي فهو متطابق تمامًا مع موقف القوى السياسية الكردية، فهم يرفضون أي انسحاب أمريكي من العراق حاليًا.

إن هذا الموقف الكردي ينطلق من عوامل عديدة، وهي تجمع بين تحفظات وانتقادات الشيعة (من خارج الفتح وسائرون) ومخاوف العرب السُنة من تهديدات “داعش” والميليشيات.

ويبدو أن المكون التركماني في العراق هو الأكثر انقسامًا حول هذه القضية، فهناك تركمان شيعة وتركمان سُنة، التركمان الشيعة منقسمين إلى جزئين، جزء مرتبط تنظيميًا أو عقائديًا بالجهات السياسية-المسلحة المدعومة من إيران، وهو جزء يدعم بحماس مطلب انسحاب القوات الأمريكية من العراق، نصرةً لمواقف إيران.

أما الجزء الآخر من التركمان الشيعة فهم غير المرتبطين بالقوى السياسية والمسلحة القريبة من إيران، ولديهم نفس هواجس وانتقادات العرب الشيعة (من خارج القوى السياسية) حول هذه القضية.

والتركمان السُنة أيضًا منقسمين إلى جزئين بخصوص تلك القضية، قسم منهم يشترك مع العرب السُنة والكرد في نفس المخاوف من تداعيات الانسحاب الأمريكي، أما القسم الآخر فيرى أن الانسحاب الأمريكي قد يكون فيه مصلحة للتركمان، إذا شمل مناطق شمال العراق؛ لأنه سيُضعف قوة “بعض” الأطراف الكردية التي تستقوي بالوجود والدعم الأمريكي، لاستهداف وجود التركمان وحقوقهم في العراق.

إن المطالبة بخروج القوات الأمريكية من العراق هو حق مشروع كفلته القوانين والأعراف الدولية، ومن المؤكد أن خلو العراق من كل أنواع الوجود الأجنبي والتدخلات الخارجية (الأمريكية أو الإيرانية) يعد مكسبًا استراتيجيًا.

لكن هذا الحق يجب أن ينطلق من تفاهمات وحوارات بين كل مكونات الشعب العراقي السياسية والمجتمعية، مع مباحثات رصينة مع الجانب الأمريكي، وأن تتم كل هذه الخطوات في إطار مصلحة الشعب العراقي ومتطلبات أمنه واستقراره

غير أن ما يجري حاليًا في العراق بشأن قضية الوجود العسكري الأمريكي هو فوضى سياسية وأمنية غير محسوبة العواقب، تتم في أجواء متوترة.

وتتفرد أطراف سياسية-مسلحة محددة باتخاذ قرارات خطيرة تتعلق بحاضر ومستقبل كل مكونات الشعب العراقي، بالاعتماد فقط على رأيها ورؤيتها لمسار الأحداث وعلى الإرشادات والنصائح والدعم الذي يأتيها من الخارج، دون التشاور مع باقي الأطراف والشركاء في الوطن أو في العملية السياسية.

 

فصائل “المقاومة” في العراق تشكك بإعلان انسحاب القوات الأمريكية

ما زالت فصائل “المقاومة” في العراق تهدد بشن هجمات جديدة على القوات الأمريكية رغم إعلان واشنطن نيتها سحب قواتها المقاتلة من البلاد نهاية العام الحالي.

ولم تلتفت فصائل “المقاومة” العراقية وهي فصائل شيعية مسلحة، إلى الإعلان عن الانسحاب بشكل كبير، بل شككت فيه، وبعده بأيام شنت هجمات على السفارة الأمريكية وأرتال التحالف الدولي في بغداد وجنوبي العراق.

وقال مصدر في “تنسيقية المقاومة العراقية” لـ، إن “المواجهة قد تبدأ في أي لحظة، فواشنطن غير جادة بالانسحاب من العراق“.

وأضاف: “نحن على استعداد كامل للمواجهة، ونحن من يحدد بدايتها ونهايتها، لأن أمريكا تريد الالتفاف على إرادة العراقيين ومطلبهم في إنهاء الاحتلال في العراق“.

ويوم الاثنين الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن الولايات المتحدة ستنهي بحلول نهاية العام “مهمتها القتالية” في العراق لتباشر “مرحلة جديدة” من التعاون العسكري مع هذا البلد.

وقال رحمن الجبوري وهو كبير الباحثين السابق للصندوق الوطني للديمقراطية في واشنطن لـRT، إن “ما انتجته زيارة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى واشنطن، لا تعني أنها أنهت الضربات العسكرية للفصائل المسلحة ضد القوات الأمريكية“.

وأضاف، أن “الفصائل المسلحة غير ملتزمة بالاتفاقيات التي تعقدها الحكومات العراقية مع واشنطن، وهي غير ملزمة بالنسبة لها، لأن منهجيتها عقائدية تختلف عن منهجية الدولة“.

وتشير تقارير ومعلومات إلى أن فصائل “المقاومة” العراقية شنت نحو 50 هجمة على المصالح الأمريكية في العراق منذ بداية عام 2021.

وقال المسؤول الأمني لـ”كتائب حزب الله”، أبو علي العسكري، في بيان أصدره السبت الماضي عبر “تويتر”، في إشارة إلى مفاوضات بغداد وواشنطن حول سحب القوات الأمريكية، إن “أي من رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، ووزير الخارجية في حكومته، فؤاد حسين، غير مؤهلين ولا مؤتمنين لتحمل هكذا قضية مهمة تمس السيادة العراقية“.

وأشار العسكري إلى أن “التفجير الإجرامي الأخير الذي ضرب مدينة الصدر يوم 19 يوليو وقتل 35 شخصا على الأقل، لن ينجح بصناعة مبرر للإبقاء على قوات الاحتلال“.

وتعتبر “كتائب حزب الله” من الفصائل الأكثر عداوة للقوات الأمريكية في العراق وسبق أن تعرضت لضربات جوية عديدة من قبل الولايات المتحدة، التي قالت إن هذه العمليات جاءت ردا على استهداف عسكرييها.

 

في الوقت الذي تعمل فيه الإدارة الأمريكية، على تقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط، تماشياً مع التحول الاستراتيجي في رؤية وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، حيث ترى أن الأولوية، تستوجب تركيز الوجود العسكري الأمريكي في المحيطين الهادي والهندي، وليس الشرق الأوسط، بحسب ما صرحت به المتحدثة باسم البنتاغون “جيسيكا ماكنولتي” لمواجهة تصاعد نفوذ الصين

وكان قرار الانسحاب قد اتُخذ في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، وفي ظل التطورات المراهنة من المحتمل أن يتغير الموقف، وعلى الرغم من القرار الأمريكي بالانسحاب، فإن ثمة انقساماً بين وزارة الخارجية والبيت الأبيض من جهة، اللذين يؤيدان سحب جميع القوات القتالية من العراق، ووزارة الدفاع، وكبار القادة العسكريين من جهة ثانية، الذين يرون ضرورة الإبقاء على ما يكفي من القوات الأمريكية في قاعدتي “عين الأسد” في الأنبار، و”مطار أربيل الدولي” في أربيل؛ لمواجهة المتغيرات، وتنامي نشاطات تنظيم “داعش”، لاسيما أن قاعدة “عين الأسد” تعد قاعدة استراتيجية للولايات المتحدة، لما فيها من تسهيلات عسكرية متقدمة، يمكن استخدامها كبديل استراتيجي للقواعد، التي انسحبت منها، مؤخراً، في قطر وأفغانستان، حيث انسحب الجيش الأمريكي من قاعدة “باغرام” الجوية في أفغانستان[]، وأغلق كلاً من معسكر “السيلية” الرئيسي في قطر الشهر الماضي، ومعسكر السيلية الجنوبي، ونقطة إمداد بالذخيرة تسمى “فالكون”[]، وقد قلصت الولايات المتحدة عديد جنودها عند تشكيل التحالف الدولي في عام 2014 من 5200 إلى نحو 2500 جندي، ومدرب، ومستشار، ولا يزالون في العراق، ضمن مهمة التحالف الدولي المكلفة بالحرب على تنظيم “داعش الإرهابي” وستنتهي هذه المهمة، بنهاية العام، وتتحول إلى مهام التدريب والاستشارة .

 

تعاني الحكومة العراقية المؤقتة التي تشكلت إثر الاحتجاجات العراقية 2019، أزمات متعددة في الجوانب السياسية والاقتصادية والصحية والمجتمعية، وكذلك أزمات المياه مع تركيا وإيران، والتدخلات الإقليمية الإيرانية – التركية، فضلاً عن الاضطراب السياسي في لوحة الانتخابات التشريعية المقررة في أكتوبر المقبل؛ حيث أعلن رئيس التيار الصدري، مقتدى الصدر، قبل زيارة الكاظمي إلى واشنطن، بأنه لن يشارك في العملية الانتخابية، وكذلك الحال بالنسبة إلى الحزب الشيوعي العراقي الذي أعلن مقاطعته للانتخابات[]، كما أعلن “المنبر العراقي” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي، مقاطعة الانتخابات البرلمانية، بالإضافة إلى جبهة الحوار الوطني برئاسة صالح المطلق.

وبرزت صراعات سياسية بين كتلتي “العزم” و”تقدم” حول ملف عودة نازحي جرف الصخر، وتطورت إلى تصعيد سياسي وإعلامي مع اقتراب موعد الانتخابات[]، ويصفها بعضهم أنها معارك كسر عظم مرتقبة بين الطرفين، وصراع انتخابي مرير بين السياسيين السُّنة، بينما يصفها آخرون أنها سياسة “شد الأطراف” لدواعٍ انتخابية، بغية الحصول على مؤيدين لكلتا الكتلتين، وقد انقسم الساسة السُّنة بين جبهة يقودها الخنجر، وأخرى بزعامة رئيس البرلمان الحالي، محمد الحلبوسي. وكما يبدو فإن الأحزاب والتيارات السياسية المنسحبة، اتخذت قرار عدم المشاركة بالانتخابات، لاحتمالية عزوف الناخب العراقي عن المشاركة، ووجود بيئة انتخابية غير مؤاتية.

وبالتزامن مع ذلك، برز صراع كردي عائلي على زعامة الاتحاد الوطني الكردستاني، وذكرت تسريبات إعلامية في إقليم كردستان العراق، أن هناك صراعاً محتدماً داخل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الشريك في إدارة الإقليم، وقد بلغ حد التلويح بالمواجهة العسكرية[]، وتتركز التسريبات على وجود خلافات حادة من الأمنين العامين المُشتركين للحزب، بافل طالباني، نجل مؤسس وزعيم الحزب الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، وشريكه في قيادة الحزب وابن عمه، لاهور شيخ جنكي.

وتعاني الحكومة العراقية تراكمات وأخطاء سابقة في سياق إدارة القوة، وتفويض العمليات، ووفقاً للسياق يفترض أن تكلف المؤسسة العسكرية الرسمية في المهام المتعلقة، بالأمن والدفاع حصراً، وكذلك تنفيذ العمليات السوقية (الاستراتيجية)، بما يوائم نظام المعركة، وتخصيص المهام، ولا يمكن الخلط بين مهام الجيش والشرطة والعمليات الخاصة، نظراً إلى التخصص وطبيعة التشكيل والمهام.

 وفي الواقعين العسكري والأمني العراقيين، نشهد إسناد المهام إلى فصائل مسلحة وجدت لدواعي الطوارئ، بالرغم من وجود قوات مسلحة نظامية كافية لتأدية تلك المهام، ويعد هذا النهج مجافياً للدستور العراقي، ومنظومة القيم العسكرية (وحدة القيادة)، وينطوي تراجع دور القوت المسلحة لصالح الحشد الشعبي (قوة مسلحة غير نظامية) على مخاطر استراتيجية، وتهديدات تمس مستقبل الدولة العراقية، وشكل نظامها.

حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على استخدام الصبر الاستراتيجي، أمام الهجمات التي تعرضت لها في العراق، من قِبل الميليشيات الولائية، ولم تنجر لتماس مباشر مع الأذرع الإيرانية، لخوض حرب بالوكالة، كما تسعى لها إيران منذ سنوات، وبعد إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، انتهاء المهمة القتالية بالعراق، بنهاية هذا العام، انبرت القوى الشيعية المشاركة في العملية السياسية، ومنها تحالف الفتح برئاسة، هادي العامري، بالترحيب بهذا الإعلان، إلا أن موقف الفصائل المسلحة الأخرى لم يكن واضحاً.

وعلى العكس من ذلك، برز تطور لافت للانتباه في موقف الفصائل الولائية، ويشير إلى مرحلة قد تكون أكثر اضطراباً في المنطقة بشكل عام، والعراق بشكل خاص، ففي لقاء على قناة “بي بي سي العربية “مع المتحدث العسكري باسم كتائب حزب الله في العراق”[] أكد فيه أن جميع القواعد الأمريكية في العراق تعرضت للضربات من قِبل ما سماها (فصائل المقاومة)، وأشار إلى أن جهد وتركيز الفصائل الآن، لا ينصب على القوات الأمريكية الموجودة على الأراضي العراقية، بل “الهدف الأساسي هو إخراج كامل القوات الأمريكية من غرب آسيا”، وتم بالفعل استهداف القوات الأمريكية في قواعدها خارج العراق، وتلك القواعد جميعها تحت مرمى نيران الفصائل، الأمر الذي سيفتح أفقاً جديداً في بيئة الفوضى المسلحة في المنطقة، ويشير إلى تصاعد محتمل للعمليات، وسيكون هناك تداعيات قد يصعب معالجتها من خلال التوافقات، التي تنتهجها الحكومة العراقية بين إيران والولايات المتحدة.

وإثر هذه التصريحات، فإن العراق يمر فعلاً بحزمة تهديدات استراتيجية، ومخاطر متعددة، لعل أبرزها؛ الانفلات المسلح، المتمثل بتهديد الفصائل الولائية، وعدم التزامها بالقواعد الدولية، والضوابط الحكومية، وقد شهد العراق تصعيداً من قِبل تلك الفصائل، ضد أرتال قوات التحالف الدولي المنسحبة، واستهدفت أماكن وجودها والبعثات الأجنبية في الأنبار، وإربيل، وبغداد بالصواريخ، والطائرات المسيرة، وقد اشتدت تلك العلميات بشكل لافت للانتباه، مؤخراً، وأضحت ممارسات يومية، وأوقعت خسائر بشرية بالأرواح، والأصول المدنية العراقية، والأمريكية، في أربيل وبغداد، وتعد تلك العمليات تحدياً صارخاً للأعراف الدولية، والقرارات الحكومية الساعية للاندماج في المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي.

حاولت الحكومة العراقية من خلال السبل السياسية، والدبلوماسية، احتواء الفصائل المسلحة، من خلال التفاوض معها بشكل مباشر، أو اتخاذ وساطة من جهات عراقية سياسية للتأثير فيها، أو عبر الأساليب الدبلوماسية من خلال التواصل مع إيران، راعية هذه الفصائل، للضغط عليها بغية احتواء سلاحها، ومنع تحديها للدولة العراقية، والمفروض أن تكون هذه الفصائل جزءاً من القوات المسلحة العراقية، ولكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، إذ تستخدم طهران هذه الفصائل في هجمات، كوسيلة ضغط في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة حول الملف النووي، وتعمل على تصعيد الموقف، كلما تعثرت المفاوضات في جنيف.

وحسب الإعلام الإيراني فإن المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم الرئيس المتشدد المُنتَخَب حديثًا، إبراهيم رئيسي، لا يرغبون أن تجرهم هذه الهجمات إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة، وبالفعل فإن استراتيجية الاقتراب غير المباشر الإيرانية، تعمل على التماس بالوكالة عبر الأذرع العسكرية الموجودة في العراق تحديداً، ويبدو أن هذه التصريحات الإيرانية، تجافي الواقعية العملياتية على الأرض، ولو نقوم بمزامنة تصريح ممثل حزب الله، مع زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إلى بغداد سراً، سنستنتج أن التصعيد أو التلويح به، هو التكتيك المستخدم الذي سيتعامل به النظام الإيراني، بعد استلام رئيسي منصبه، لتحقيق الأهداف “الثورية” والاحتفاظ بالمكاسب الاستراتيجية التي حصلت عليها جراء الاحتلال الأمريكي للعراق .

 وقد أكد معهد واشنطن استخدام إيران للعراق كمسرح للعمليات التي نفذتها فصائل مسلحة تدين بالولاء لها[]، وقد نسبت لأسماء فصائل وهمية للتمويه عن الفاعل الحقيقي، ويقول موقع (Task & Purpose) لقد تعرضت القوات الأمريكية في العراق للهجوم كل يوم خلال الأسبوع الأول مطلع شهر يونيو 2021 []، حيث تشير تقديرات أمريكية إلى أن قوات التحالف الدولي، قد تعرضت لعشرات الهجمات باستخدام العبوات الناسفة، على قوافل الإمدادات، وهجمات صاروخية ضد منشآت دبلوماسية أمريكية، وطائرات مُسيَّرة على مواقع تابعة للتحالف الدولي في العراق، وفي الجدول أدناه يبين الهجمات وفقاً لموقع (Task & Purpose)

هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ على قواعد أمريكية في العراق وسوريا منذ يوليو ويونيو 2021

3 يونيو، سفارة الولايات المتحدة- بغداد

6 يونيو، عين الأسد – الأنبار

9 يونيو، مطار بغداد – بغداد

10 يونيو، قاعدة بلد الجوية – صلاح الدين

15 يونيو، مطار بغداد – بغداد

20 يونيو، عين الأسد – بغداد

27 يونيو، أربيل

28 يونيو، حقل عمر النفطي، سوريا

5 يوليو، عين الأسد

6 يوليو، سفارة الولايات المتحدة- بغداد

يلوح أمامنا مشهد لانفلات السلاح المؤدلج، تديره فصائل مسلحة متعددة الولاء، وتنظيمات إرهابية فاعلة ومتفاعلة في المشهد العراقي، ولم تمتلك الحكومات العراقية المتعاقبة ثقافة الدولة، بل غلبت طابع العسكرة على سياساتهم، كتشكيل الميليشيات، واستخدام القوة المفرطة، دون التفكير بالحلول السياسية، والعسكرية طويلة الأمد، ما أدى إلى ظهور مناخ أمني مضطرب في العراق، والمنطقة، ويتم تغذيته بسيناريوهات إقليمية، تضمن تناسل وانشطار الفصائل المسلحة ذات النهج الطائفي والمرتبطة كسابقاتها بإيران.

ولعل هذا المناخ منح الدول الإقليمية منافع استراتيجية عسكرية في العراق، منها استخدام العراق ممراً لنقل الأسلحة الإيرانية كالصواريخ والمعدات والأفراد إلى سوريا ولبنان ولفصائلها في العراق[]، فضلاً عن إنشاء تمركزات حربية (قواعد عسكرية) في العمق العراقي، ضمن جغرافية عسكرية، تمتد من الحدود العراقية – السورية شمال غرب العراق، إلى الحدود الأردنية والسعودية غرب العراق، ويشكل هذا التمركز العسكري الاستراتيجي حرجاً كبيراً للحكومة العراقية، التي تتجنب معالجته، لاعتبارات القوة والبقاء في السلطة.

وقد أشار معهد واشنطن في 26 حزيران/يونيو 2021، أن هيئة الحشد الشعبي قد نظّمت عرضاً عسكرياً في معسكر أشرف (معسكر أبو منتظر المحمداوي)، في محافظة ديالى العراقية، وقد حضره رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وجرى خلال العرض، استعراض أنواع مختلفة من الأسلحة، والمعدات (المصنوعة في إيران بشكل أساسي)، وشملت هذه الأسلحة الجديدة، طائرات عسكرية مسيّرة، بما فيها الطائرة القتالية من دون طيار “مهاجر-6″، وقد تم استعراضها حصرياً من قِبل وحدات، تسيطر عليها “كتائب حزب الله” التابعة لـ”قوات الحشد الشعبي” وتحديداً “مديرية استخبارات الحشد الشعبي” وقيادة عمليات الجزيرة، وقد أشار المعهد في 20 يوليو 2021 إلى أن نطاق عمليات قيادة “عمليات الجزيرة ” وهو مجال مسؤولية كتائب حزب الله الخاصة على الحدود السورية؛ أي ما يسمى “الجسر البري” بين إيران والعراق وسوريا ولبنان.

 ويضم نطاق قيادة عمليات الجزيرة وفقاً لمعهد واشنطن؛ مجمع قاعدة جرف الصخر الكبير، الذي يضم العديد من البلدات والقرى الريفية المهجورة التي استولت عليها “قوات الحشد الشعبي” في عامي 2014 و2015، وطُوّرت إلى كانتون عسكري واقتصادي خاضع للسيطرة الحصرية لكتائب حزب الله، وتجاور هذه المنطقة العديد من مواقع التصنيع العسكري العراقي ما قبل عام 2003، التي أعادت كتائب حزب الله تخصيص بعضها لإنتاج القذائف والمتفجرات، واختبارها وتخزينها، وفقاً للمعهد.

التأثيرات

مما ورد أعلاه من استعراض تعقيدات الواقع العراقي، وقرار الانسحاب الأمريكي، ستبرز لدينا عدد من التأثيرات، التي من المرجح أنها تمس مستقبل العراق والمنطقة، ولعل أبرزها:

سيخلف الانسحاب الأمريكي من العراق، تداعيات مشابهة لما يجري في اليمن، حيث إن الفصائل المسلحة أقوى من الدولة وفقاً للمؤشرات الحيوية، ومن المرجح أن تفرض تلك الفصائل سيطرتها بشكل محكم على المشهد السياسي والعسكري العراقي.

لم يطرح لقاء الرئيس بايدن بالكاظمي، مخرجات عملية لمعالجة أزمات الواقع العراقي، لاسيما أن الرئيس بايدن كان مسؤولاً عن ملف العراق في إدارة أوباما، وملماً بتفاصيله كافة، وعملية الهروب إلى الأمام، ستضع العراق أمام خيارات صعبة للغاية، إذ من المرجح أن يستمر الواقع العراقي بالهبوط إلى أدنى مستوى خدمي وأمني، ما سيزيد من السخط الشعبي، ويقوي دوامة الفوضى العارمة.

يشكل الاضطراب السياسي، والانسحابات المتوالية من الانتخابات التشريعية المقبلة، خطورة محتملة، إذ يوجد بالفعل مؤشرات لعزوف الناخب العراقي عن الانتخابات، ومن المرجح أن يعاد سيناريو عام 2018 بانتخابات مزورة، تقود العراق لأربع سنوات، ويتصدى للعمل السياسي شخصيات لم ينتخبها الشارع العراقي.

يشكّل تهديد كتائب حزب الله بملاحقة القوات الأمريكية في غرب آسيا، والعمل على إخراجها، مؤشراً لاضطراب مستقبلي للمنطقة بشكل عام، والعراق بشكل خاص، إذ من المرجح أن يكون العراق قاعدة عسكرية، وملاذاً لتلك التشكيلات العسكرية المؤدلجة، ما يجعل العراق تحت نيران الحرب مرة أخرى.