اقسم إني خبأت بكائي من غير مرة من الم وحزن وقهر عميق وأعلنت الحداد الكبير مع نفسي بعد إن خرجت اليوم بعد صلاة الجمعة من جامع الشيخ عبد الجليل هذا اليوم ونظرت بألم كبير إلى طول وعرض الشارع العام في قلب مدينة الرمادي الحزين ولا ادري كيف تذكرت هذا الشارع خلال سبعينات القرن الماضي وكيف اصف هذا الشارع النظيف المتنور المكترث بالمواطنين يتبادلون السلام والمحبة . وأصابني الإحباط الكثير الكثير بعد إن سرت طويلا في هذا الشارع الأم في وسط مدينة الرمادي كبرى مدن محافظة الانبار الزاهية بأهلها الطيبين ولفرط ما يعانون أبناء مدينتي الغالية الرمادي في كل ساعة ودقيقة وثانية من تدميرٍ مبرمج وضياعٍ لا حصر له لمعالم مدينتهم الهادئة الجميلة التي تقع على مفترق طرقٍ تبدأ من الشرق ولا تنتهي إلا في بيوتهم العامرة بالقلوب الكريمة هذا كان قبل الاحتلال الهمجي على هذه المدينة الخالدة وإلحاح عدد كبير من أبناء هذه المدينة في إعادة الكتابة عن الشارع العام في هذه المدينة عاصمة محافظة الانبار واليوم نروي لكم قصةَ شارعٍ مهمٍ يغدو ويروح أهل الرمادي صباحاً ومساءً عليه ومنه يوزعون ابتساماتهم ويخزنون ذكرياتهم الطويلة في الرمادي ولأنه شارع يريد أن يتحدث عن نفسه سنترك لكم النظر والتبصر وأنتم تقرؤون مقدمين اعتذارنا لهفواتٍ تاريخية قد ترد هنا أو هناك ، سنتجاوزها مستقبلاً بمقترحاتكم بإذن الله تَعَوَّدَ العراقيون على تسمية الشوارع الرئيسة في المدن خارج العاصمة بغداد بالشارع العام والشارع العام في اغلب المدن العراقية وبخاصة مراكز المحافظات لا تعود أهميته إلى تواجد الناس فيه أو اكتظاظ أو ازدحام السيارات والعجلات ووسائل المرور فقط أو تواجد محلات ودكاكين وأسواق وربما دوائر رسمية بل تعدى ذلك إلى اعتباره النقطة الدالة والمركز العمراني والحضاري والسكاني لعدد من هذه المدن .
سمت قوات الاحتلال البغيض قبل عشرة سنوات الشارع العام في وسط المدينة طريق رقم 10 لأنها فقدت العشرات من جنودها في هذا الشارع وأطلقت اسم جديد لهذا الشارع شارع شهداء واشنطن وحاليا أنت تتجول في هذا الشارع يلفت انتباهك إن هذا الشارع المهم تم إغلاقه بشكل تام قبل عشرة سنوات ولا توجد فيه حياة لحد كتابة هذه السطور للتاريخ ليس إلا عسى أن يكون المانع فيه خيرا للجميع وهذه قصة هذا الشارع التاريخي .
مدينة الرمادي التي أصبحت لواءً في عام (1869م) في عهد الوالي المصلح مدحت باشا لم تكن سوى محلات وبساتين ومخافر حكومية وفروع لدوائر عثمانية محدودة قبل هذا التاريخ .
وبعد إن أضحت لواءً هي ومدينة الناصرية في الجنوب بدأت حركة العمران في المدينة تزداد وتضطرر عاماً بعد عام ،
إذ تم شق أول طريق يربط بين شرق العراق وغربه وبين العراق والدول المجاورة من الغرب في عام (1892م) ولم يكن الطريق
معبداً آنذاك بل تمت تسوية جانبي الطريق بالتراب الخشن .
( السبيس ) بمسافة عرضها (15) متراً أما بداية ونهاية الطريق فقد تطورت أسوة بمداخل ومخارج مدينة الرمادي عمرانياً .
بداية الطريق كانت في عام ( 1892م ) تبدأ من ساحة مدينة الألعاب حالياً وحتى ساحة النصر وبمسافة (218) متراً ثم بدأ الطريق بالامتداد الطولي من الجهتين ، الشرقية والغربية ،
والجهة الشرقية تربط الطريق حتى الوصول إلى مدينة الفلوجة وقد تحقق ذلك تحديداً وبطريق معبد في عام (1944م) .
أما الجهة الغربية . فقد ربطت بالشارع العام حتى مدخلي مدينتي القائم ( غرباً ) والرطبة ( جنوب غرب ) والطريق الأول وعبد في عام . ( 1957 م ) والثاني في عام ( 1954م ) ونتيجة لأهمية الطريق الكبرى .
أشرت عليه مديرية المساحة العسكرية في ترقيمها لطرق العراق في خرائط عام (1934م) المعتمدة دولياً بالطريق رقم (10) وهو الموصّل إلى جنوب العراق ومنه إلى الخليج العربي والى بغداد ثم إلى شمال العراق وشرقه وغربه و إلى سوريا وجنوب غرب العراق إلى الأردن والسعودية .
والجادة وهو الاسم الذي كان يطلقه أهل الرمادي على الطريق رقم (10) حتى ستينيات القرن الماضي ، شهد تطوراً كبيراً منذ افتتاحه وحتى احتلال القوات الأمريكية له بالكامل في عـــام .
( 2005م ) بعد أن قامت باحتلال وتدمير أجزاء منه منذ عام .
( 2003م ) ، فالشارع العام أصبح باتجاهين للذهاب والإياب وبعرض ( 26 ) متراً .
وقد وضعت في منتصفه وعلى جانبيه أرصفة مؤشرة وعلامات ودلالات مرورية ،
ويبدو أن قوات الاحتلال عرفت أهمية هذا الشارع وماله من تأثير كبير على حركة وانتقال الناس والعجلات بين طرفي المدينة أو لرنما أن لديها معلومات بأن احتلالها للشارع العام يأتي ضمن قائمة إحتلالات محتملة له قد تؤثر على مكانتهم العسكرية ،
ويعيق تحركهم بين جهتي المدينة بعد تعرض هذه القوات إلى مئات الكمائن والعمليات العسكرية التي دمرت عشرات الدبابات والآليات وأودت بحياة مئات الجند .
ويذكر التاريخ أن هذا الشارع سبق وأن أحتل من القوات العثمانية والبريطانية المحتلة فقامت بتدميره وإغلاق الشوارع الفرعية المؤدية إليه .
واحتلال أهم بنايتين فيه تسيطران على الطريق وهما بناية ديوان المحافظة وبناية مديرية الجنسية وتمركز عدد كبير من قواتها فيه وانتشار القناصة على أسطح البنايتين .
وإذا كان الناس في الرمادي قد أعيتهم الحروب والاحتلال فقد أعياهم وزاد من أحزانهم وهمهم وبلواهم تدمير هذا الشارع وفتح ممرين صغيرين فيه للسابلة للانتقال بعجل ودون التفات من جهة لأخرى .
بداية هذا الشارع تبدأ من ساحة الزيوت ويتفرع منها إلى جهة الجنوب شارع المعارض والى جهة الشمال شارع 17 تموز،
وبدايته من جهة اليمين أسست فيه أول ثانوية في الرمادي سميت فيما بعد بالمطورة وقد تأسست في عام 1933م يقع على نفس الجانب بناية محافظة الانبار والجامع الكبير .
( جامع عبد الجليل ) وجامع عمر بن عبد العزيز ومتحف الرمادي ومديرية الجنسية والمكتبة العامة وكلية المعارف وجامع الدولة الكبير ومدرسة الرشيد الابتدائية وهي أول مدرسة في الرمادي والتي ينتهي بها الشارع في ساحة الأسواق المركزية ،
إذ يبلغ طوله عند هذا الحد( 802) متراً أما جهة اليسار فتقع بناية التقاعد ( قسم داخلي دمره الأمريكان بالكامل ) ومدرسة الرسول العربي ( التطبيقات سابقاً ) .
وهي ثالث مدرسة أسست في الرمادي بعد الرشيد والعزة وعشرات الدكاكين والمحلات حتى الوصول إلى مصرف الرشيد ومديرية البلدية وبناية الخضراء وهي أعلى بناية في الرمادي .
وقد تعرضت للتدمير شبه الكامل على يد قوات الاحتلال ثم ساحة النصر والسينما الوحيدة في الرمادي ثم بناية المعهد .
( متوسطة الطليعة سابقاً ) وأبنية ومحلات أخرى .
تتفرع على جانبي الشارع الذي يعد الشريان الرئيس للرمادي طرق ودروب وشوارع عدة تبدأ بأول الطرق من اليمين إلى جانب بنايتي النشاط وقاعة كولبنكيان (1966) مجلس المحافظة الحالي وهو شارع التربية ويؤدي إلى مديرية تربية الانبار .
ومديرية الشرطة والحراسات والتسفيرات ، ويقع قرب الزاوية الغربية لبناية المحافظة ( الوحدة سابقاً ) ،
والشارع الآخر وهو شارع المحافظة يعتبر مركزاً عمرانياً مهماً يؤدي إلى المشفى القديم ودائرة الصحة والمصرف الزراعي وإحياء المعلمين والحوز ومناطق سكنية أخرى .
أما الشارع الأهم على هذه الجهة فهو شارع المستودع نسبة إلى أول مستودع أو قاعدة للتدريب العسكري في الرمادي وهو شارع عريض بممرين عريضين يبدأ بمشفى المصطفى الأهلي .
وتحفه على الجانبين عشرات المحلات والأسواق والعيادات الطبية والدور السكنية وتحاذيه أحياء المعلمين والأندلس وكان يضم بين جناحيه آخر حمام رجالي تحول قبل اشهر عدة إلى عيادات طبية متخصصة ،
ويبدأ من ضفة شارع المستودع الشرقية حتى الجناح الغربي لشارع البريد تقع واجهة جامع الرمادي الكبير( جامع عبد الجليل) بمنارته الشامخة وحرمه الخالد وساحته التي كانت تكتظ بالمصلين عقب كل صلاة وبخاصة بعد صلاة المغرب من كل يوم.. شارع البريد المحاذي للجامع تقع على جهته اليمنى مديرية الماء والكهرباء القديمة والمصرف الإسلامي وفندق البلدية القديم وهو بالضبط باتجاه ساحة النصر التي ألغيت قبل أعوام ،
والجهة المقابلة للمصرف أي بداية شارع البريد شمالاً تقع محطة تعبئة الوقود القديمة وهي لا تعمل حالياً بكامل طاقتها للسبب نفسه بل بالجهة الخلفية فقط والشارع سمي بهذا الاسم نسبة إلى دائرة البريد الموجودة فيه ،
كما يتواجد على جهة اليمين فندق صلاح الدين الذي بقي صامداً أكثر من نصف قرن حتى تحول قبل أشهر إلى دائرة رسمية ،
حتى أغلق نهائياً لحدوث تدمير شبه كامل فيه بسبب العمليات العسكرية في المدينة .
يمتد شارع البريد طولاً باتجاه واحد حتى منطقة الإسكان القديمة وباتجاه حي العادل ويضم عشرات المحلات الصناعية والمطاعم المشهورة ومئات البيوت ،
الشارع الآخر هو شارع الجزائر نسبة إلى فندق الجزائر الملغى والذي تحول إلى مطعم ومحلات مغلقة حالياً ،
على بداية الجانب الأيسر لهذا الشارع يقع جامع عمر بن عبد العزيز والى جانبه تماماً مقبرة الرمادي القديمة وهي أول مقبرة مسيجة في الرمادي .
تضم رفات أهلها رحمهم الله والتي وعلى بعد مئات الأمتار حديقة الثورة ثم أحياء العادل و14 رمضان والجمهوري والإسكان القديمة .
الشارع الفرعي الآخر شارع المكتبة وهو شارع ضيق محاذٍ للمكتبة العامة في الرمادي .
التي مسحت من على خريطة المحافظة وبدأت محافظة الأنبار قبل أشهر بإعادة بناء المكتبة من الأساس ،
وتقع مقابل المكتبة بناية كلية الأمام الأعظم ورابطة علماء الانبار وجامع صغير باسم الرابطة ،
وهذا الشارع الفرعي على الرغم من قصره إذ لا يتجاوز (80) متراً لكنه مهم جداً كونه يؤدي إلى طرق عدة باتجاه الطريق الدولي (10) باتجاه بغداد ونهايته تستدير من جهة الخلف إلى شارع الجزائر والشارع المذكور .
يضم الجانب الشرقي من المقبرة وجزء كبير من حي الجمهوري المؤدي إلى حي الملعب وشارع عشرين وفي نهاية هذا الاتجاه أُنشأت ساحة كبيرة في وسطها حديقة تقسم الشارع إلى قسمين اليمين مدخل إلى شارع الملعب واليسار.
يرتبط باستدارة طريق رقم (10) إلى جهة بغداد وقد كانت هذه الساحة ( ساحة الأسواق ) من الساحات المهمة جداً كونها تفضي إلى الطريقين المذكورين سابقاً كما تؤدي إلى طريق الصوفية والجهة الجنوبية من شارع 17 تموز والمدخل الأول إلى الشارع العام من جهة الشرق ويبدأ هذا الشارع بجهته تلك بأبنية وعمارات عدة وعلى مسافة قريبة من الساحة يبدأ أول شارع من جهة اليمين وهو شارع ( المعاونية) وهو اسم قديم لشارع يؤدي إلى مناطق القطانة والعزيزية والتل والثيلة الشرقية والطوبجية والأسواق القديمة وينتهي بحديقة ( حسن مسطور) التي تحولت بسبب ظروف الاحتلال إلى أمكنة للباعة المتجولين وأكشاك لبيع الدجاج والخضراوات ويقع على جانبي هذا الشارع عدد كبير من محلات بيع المواد الإنشائية .
وسوق لبيع المواد المستعملة ومعمل ثلج الجلبي (1951) الذي توقف عن العمل بشكلٍ كامل ، الشارع الآخر هو شارع الفاروق ويسمى خطأً ( شارع السينما ) .
ويكاد أن يكون أهم شارع على الجانبين نظراً لما يحمله من أهمية تجارية واقتصادية واجتماعية كبيرة لوقوع اغلب المحلات والمطاعم والأسواق التي يرتادها أهل الرمادي فيه وسمي بهذا الاسم لأنه يبدأ من بداية دار سينما النصر وينتهي في السوق القديم ومنطقة المسطر ،
الشارع الآخر شارع الأطباء وسمي بهذا الاسم لوجود معظم عيادات الأطباء والمختبرات الطبية فيه ويقع على جانبيه أرخبيل من الباعة .
وضعوا محلات رزقهم تحت عمارات وعيادات الأطباء وهو مزدحم في ساعات النهار للمارة والمرضى والمتسوقين والتجار وينتهي باتجاه جامع الرمادي القديم .
( جامع الشيخ عبد الملك) أما شارع الاوروزدي .
( شارع الرازي سابقاً) وهو كناية عن بناية الأسواق المركزية التي يبدأ بها الشارع والتي كانت تسمى ( اوروزدي باك) وقد اختص باعة وتجار هذا الشارع ببيع الأقمشة والملابس والعطور ومواد الزينة والساعات والزجاجيات والسجاد .
شارع ميسلون الذي يقع أمام شارع المحافظة تماماً والذي سمي نسبة إلى مقهى قديم باسم ميسلون كان أهل الرمادي يقضون بعض ساعات فراغهم وسجالاتهم الثقافية والشعرية .
فيه واشتهر هذا الشارع بالمكتبات والنجارين والمصورين وباعة الزهور وباعة الأثاث الجاهز ومحلات الندافة وينتهي في منتصف شارع الكص المشهور .
وهناك فروع قصيرة أخرى تسكنها بعض العوائل هاجر أهلها إلى أماكن أخرى أكثر أماناً إلى جانب الشارع العام باتجاه آخر فرع مائل وهو شارع الأقسام ( القائممقامية حالياً) الذي يعود بك باتجاه شارع الكص شرقاً .
الشارع العام أو الطريق رقم (10) وقصته الطويلة التي بدأت بفرحٍ وصلاة ودعاء وركوع وسجود إلى الله وأناسٍ طيبين يقضون نهارهم بالعمل والصلاة وليلهم بالتقوى والحنين يكاد هذا الشارع يحتضر الآن فقد حولته عجلات وسرف وجنود الاحتلال إلى عمود فقري مصاب بالشلل التام أصاب معه آلاف العوائل من الذين يسكنون في محيطه من الذين يبغون الرزق الحلال بالفقر والبطالة والدمار ،
ولأيامٍ مضت كانت حكايات الشارع العام أو الطريق رقم (10) التي سقط على سطور مجدها شهداء من أبناء الرمادي الاصلاء موائدَ للطيبين البسطاء من أهل هذه المدينة التي أحال الاحتلال نهارهم إلى ليلٍ طويل .