18 ديسمبر، 2024 9:43 م

من يضبط ايقاع الانتخابات العراقية

من يضبط ايقاع الانتخابات العراقية

=ان المتتبع للمشهد العراقي وهو يخوض حمى التنافس الانتخابي يجده محزنا وكأننا في غابة يأكل القوي الضعيف وحتى تلك الغابة لديها قوانينها الخاصة، اما في الانتخابات العراقية فالمشهد مختلف، وكثيرا من القناعات قد تغيرت بفعل التجربة المريرة على مدى خمسة عشرة سنة .
فالأحزاب السياسية في واد والشعب في وادا اخر والصراعات تزداد حدة وهذه المرة ليس بين مكون واخر بل بين المكون نفسه ومشاريع بناء دولة المؤسسات ذهبت ادراج الرياح، وسنستعرض اهم الصراعات التي تدور داخل المكون الواحد او بين المكونات الاخرى فيما بينها وعذرا على استخدام الاسماء بمسمياتها لكن يجب ان تفهم بهذه الطريقة ونأتي في المقدمة على المشهد الشيعي وهو الاكثر اثارة واشد حدة في التنافس
طيلة الفترة الماضية كانت الجمهورية الاسلامية من تضبط ايقاع هذا المكون ومهما وصلت حدة الخلافات لكن في النهاية لهم كلمة الفصل وتتدخل الولايات المتحدة في نهاية المطاف لاضفاء الشرعية على تلك الحكومة، اما هذه المرة فقد اختلف المشهد كثيراً فالتحالف انفرط عقده بخروج التيار الصدري وتيار الحكمة وكذلك العبادي مع تنافس قوي بين قائمتي حزب الدعوة فالعبادي يأمل بدعم الولايات المتحدة ومن خلفها التحالف العربي وفي مقدمتهم السعودية للحصول على ولاية ثانية، حيث جمع في قائمته من مختلف الطوائف العراقية وله مقبولية اقليمية وهو الاكثر حضوضاً من الاخرين في الحصول على عدد المقاعد التي تؤهله لرئاسة الحكومة ينافسه في ذلك نوري المالكي والذي سبق وان تولى رئاسة الحكومة لفترتين متتاليتين والتي تميزت بالعنف الطائفي واستشراء الفساد في اغلب مفاصل الدولة واطلاق يد ايران للتدخل في كل كبيرة وصغيرة في الشأن العراقي ويعمل جاهدا للعودة الى رئاسة الحكومة وهو الشخصية الاقوى في صفوف حزب الدعوة واذا استطاع اقناع الامريكيين بانه الرجل القادر على الضرب بيد من حديد حتى حلفاء الامس فيمكن ان تعبد الطرق لعودته مجددا، لكن ظهور هادي العامري قد اربك المشهد الشيعي خاصة وانه يرأس قائمة الفتح والمتمثلة بفصائل الحشد الشعبي وينافس على رئاسة الحكومة وخاصة ان المسؤولين في ايران اعلنوا عن تأييدهم للعامري للحصول على مقعد رئاسة الحكومة.
لكن اكثر ما يقلق الساسة الشيعة هو الموقف الدولي من ايران والتي كانت تستخدم العراق كورقة تراهن بها في ظل التناحر القوي مع البلدان العربية والولايات المتحدة اما اليوم فالقوى الاقليمية اخذت تشارك ايران في هذا الملف ولديها مجموعات ضغط تؤثر وتحد من التأثير الايراني مستغلة التذمر الحاصل من سلوك ايران وكثرة تدخلاتها الاقليمية في البلدان وبالأخص العربية والتي اصبحت مثار جدل دولي واسع قد يطيح بثقلها في نهاية المطاف في المنطقة، ولم يتوانى الرئيس الامريكي ترامب في كثير من خطاباته الحديث عن سلوك ايران المقلق وبهذا قد يحد من حجم التأثير الايراني في الانتخابات العراقية المقبلة.
اما عن موقف الاحزاب الكردية فقد تغيرت الكثير من القناعات الكردية بضرورة ايجاد بديل عن قيادة الحزبين الرئيسين وخاصة بعد وفاة الزعيم جلال الطالباني وماحدث من متغيرات اثر اصرار الرئيس مسعود البارزاني على مواصلة الاستفتاء على تقرير مصير الاقليم والذي نتج عنها الانسحاب من كركوك وتسليمها الى الحكومة المركزية وكذلك حصار المطارات ورواتب الموظفين كل هذا ادى الى فقدان المبادرة لدى الاكراد وانشقاق الكثير من قادتهم والدخول في قوائم منفردة قد يؤدي في النهاية الى اضعاف الكرد في الحصول على مكتسبات جديدة على الرغم من وجود بعض المفاوضات السرية مع قادة الكتل الشيعية لتشكيل الحكومة القادمة لكنها كلها وعود لم تصل الى وثيقة عهد ممكن ان يلتزم بها احد، كما ان الاكراد قد خسروا الموقف الدولي من خلال اصراهم على مواصلة الاستفتاء دون الاستماع الى نصائحهم لكن الاكراد في موقف ضعيف ولم يعودا بيضة القبان التي تمكن الشيعة من الحفاظ على رئاسة الوزراء ولم يعد الشيعة بالحاجة اليهم.
نأتي على موقف الكتل السنية وهو الاضعف من بين الكتل التي تتنافس على الانتخابات وذلك لعدة اسباب اهمها العلاقة بين الشيعة والاكراد والتي عملت طوال السنوات الماضية لأضعاف دوره وتهميش قادته وتشريع القوانيين التي تزيد من تقييده ولأسباب اهمها اضعاف الموقف العربي في العراق ويتم ذلك برعاية اقليمية لذلك تجد موقفه حالة يرثى لها فاغلب مناطقه قد احتلت من تنظيم داعش الارهابي وسكانه قد نزحوا من مناطقهم ويعيشون في مخيمات ويسيطر على القرار الامني والاداري قوات الحشد الشعبي ذات الولاءات المعروفة ولديهم مرشحين في هذه المناطق اومن مناطق ذات طائفة اخرى لفرضهم على هذه المناطق فالموقف السني ليس له اي تأثير في المعادلة السياسية العراقية في الوقت الحاضر، ولا تربطهم اي تحالفات مع القوى السياسية، وليس لدى قادتهم اي مشروع سياسي يرتقي بمناطقهم في ظل التهميش والاقصاء المتعمد.
في النهاية سيكون التنافس على رئاسة الحكومة شيعيا بامتياز واصبحت القوة المتنافسة لديها القوة الكافية التي تستطيع من خلالها فرض ارادتها على بقية القوى الاخرى واي قائمة لن ترضى بالخسارة هذه المرة ولن تستطيع ايران في كل مرة من ضبط الامور واحتمالية الدخول في صراعات تستخدم فيها مختلف الاسلحة واردة بسبب حدة التنافس وضعف الموقف الايراني وبانتظار ما تسفر عنه الانتخابات وسننتظر طويلا لتشكيل حكومة ضعيفة تسيطر عليها التدخلات الاقليمية والدولية.