اساتذتنا في القانون ايام الدراسة ، أعلموننا وهم في سبيل اعدادنا للقضاء ، وجوب التحري الدقيق والتمهل في اصدار قرارات الادانة والحكم على المتهمين ، ذلك لان بقاء عشرة مجرمين خارج اسوار السجن افضل من ايداع برىء في المعتقل . بررّوا قولهم بالمبدء القانوني القائل ( لا يفلت مجرم من العقاب ) . في كثير من نظريات القانون ان المجرم هو ذلك الانسان الذي يمتلك الصفات الاجرامية بالفطرة ، كما قال العالم الايطالي ( لومبروزو ) والذي لا يترك سبل الاجرام ، وبالتالي لا بدّ ان يضع يوما في قفص الاتهام لمحاكمته عن كل جرائمه. لذلك لا ضير ان يتساهل القاضي مع متهم لا يملك ضده الادلة الكافية والدامغة ، وان يطلق سراحه . ذلك لان مثل هذا المتهم، ان كان مجرما بالفطرة، سيعاود جرائمه ويقع في يد القضاء لا محالة، وبالتالي لا يفلت من العقاب. اما ان لم يكن مجرما اصيلا وارتكب جريمة لظرف خاص ، او في لحظة لم يسيطر فيها على نفسه ، فلا ضرر من عدم معاقبته لان الغرض من العقاب هو ردع المجرم من اعادة جرائمه والاضرار بالمجتمع . ومثل هذا المجرم لا يتوقع منه ان يعود للجريمة مرة اخرى .
مرّت ثمان اعوام ، ونوري المالكي موغل في اجرامه ، يقتل الناس ويعذّبهم ويخرب بيوتهم ، ينشر ميليشياته هنا وهناك لقنص العراقيين وذبحهم والاعتداء على مقدساتهم . كل اهل السنّة والجماعة في نظره ارهابييون يستحقون القتل ، ومن لم يكن ارهابيا فقد ساند يوما ما حكم صدام ويتوجب الانتقام منه ، ويرى ان لا ضير من قتل الابرياء بوّزر اجدادهم (النصابين ) منذ ايام السقيفة . ومثل سلفه الشاه اسماعيل الصفوى يعمل لمحو المذهب السني وصبغ العراق بصبغة تشييعية خالصة وصافية .
عامل السنّة وفق مبدء مقلوب ( كل سنّي متهم حتى ان ثبت برائته ) . واصبح كتّابه يتحدثون دون خجل عن العراق الشيعي والدولة الشيعية وبغداد الشيعية .
حاول الكرد ثنيه عن هذا النهج الاجرامي، والذي رفضه اغلب الشيعة انفسهم ،واحتضن الكرد المظلومين السنة في عاصمتهم اربيل ودعوا المالكي الى الكف عن ملاحقة الابرياء والصاق التهم بهم . لكن المالكي رفع اصبعه باتجاههم على شاشات التلفزيون وتوّعدهم بالويل والثبور . ولم ينس كعادته مع كل خصومه ، ان يحشر الكرد ايضا في خانة الارهاب والمطلوبين للقضاء .
بعد ثماني سنوات ادرك الشيعة ،المآساة التي جلبها المالكي لكل مكونات العراق ، فنفضوا ايديهم عنه . ودعت مرجعيتهم الى التغيير ، والى حكومة ذات قاعدة عريضة ومقبولة من الجميع ، لكن المالكي توّعدها بمصير لا يختلف عن مصير الصرخي . نصحه الايرانييون بالانزواء جانبا وعدم التشبث بكرسي الوزارة ، لكنه تبطّر واسمع اولياء نعمته كلاما قاسيا . جاءته تصريحات وتلميحات من كل المجتمع الدولي بوجوب الابتعاد عن السلطة ، لكن الغرور دفعه للتحدث عن رفض التدخل الخارجي .
اليوم وبعد ان اقصي عن الوزارة وتم تكليف غيره دستوريا بعد ان تبخر ائتلافه الذي كان يعدّه الاكبر ، كان يمكن له ان ينزوي جانبا ويسدل الستار على جرائمه ، لكن لان المجرم لا يفلت من العقاب لا يوّد المالكي ان يترك السلطة ، فينشر ميليشياته في الشوارع ويهدد رئيس الجمهورية ، ويتحدث دراويشه عن بحار الدم التي ستغرق بغداد.
مالذي سيفعله المالكي ؟ لا اعرف الجواب . ولكن الاكيد انه سيرتكب حماقة تضع حجة في ايدي خصومه لمحاكمته عن كل الجرائم واحدة فواحدة ، وكل منها تصل عقوبتها الى الشنق .