حسب التصريحات الإعلامية والمتابعات اليومية لوقائع مناقشة موازنة 2021 فإنها تمر بأصعب الظروف ، فقد خرجت في توقيت حرج ( متأخر ) من مجلس الوزراء وتمت القراءة الأولى لمشروع قانونها ونحن ندخل الموعد المفترض لبدء لتنفيذها في 1/1/2021 ، ولغاية الساعة لا تزال قيد التداول بين الحكومة واللجنة المالية وغيرها من الجهات ، ومن يتابع أخبارها يشعر بالقلق المشروع فهي كالمريض في وحدة الإنعاش فبين يوم ويوم يكاد أمرها ينتهي لتعاد للحكومة ولكنها ترجع للحياة وإصدارها لم يتم بعد ، ومجلس النواب مدد فصله التشريعي لأجل إقرارها ولم يتم الإقرار رغم انتهاء الشهر المدد قبل أيام ، مما دعاه لإصدار بيان بتمديد عمل المجلس حتى إشعار آخر أي لحين التصويت عليها بشكل نهائي ، واللجنة المالية التي أوكلت لها مهمة المراجعة والاقتراح قلبت بعض موادها رأسا على عقب ولكن بحذر شديد خشية طعن مجلس الوزراء عليها فيما بعد في المحكمة الاتحادية ( وهي غير مكتملة النصاب ) ، ويقال إن اللجنة المالية عقدت أكثر من 40 اجتماع بعضها امتد لساعات طوال وتم فيها استضافت أكثر من 200 مسؤول لغرض المداولة والنقاش ، واغلب هذه الاجتماعات تمت خارج قبة البرلمان لان اللجنة المالية اختارت موقعا بديلا لاجتماعاتها لتتجنب الضغوطات والاحراجات التي تمارس من هنا او هناك ، وفي آخر أخبار للموازنة فان رئيس الجمهورية عقد لقاءا مع أللجنة المالية بخصوص مضامينها ، كما تم عقد لقاء بين رئيس مجلس الوزراء واللجنة ذاتها تم خلاله تقديم المسودة بعد التعديلات للتعرف على وجهات النظر الحكومية لتقليل التقاطعات ، وخلال هذه المدة لم تنقطع المفاوضات مع وفود إقليم كردستان بخصوص الفقرات التي تخصهم والتي لم تحسم نتائجها بعد ، وفي حالة فك الاختناقات مع الحكومة والوصول إلى اتفاقات مع الاقليم فان الموازنة بشكلها الجديد ستعرض على الكتل في مجلس النواب لغرض إزالة ما يمكن إزالته من اعتراضات ، وعند انتهاء تلك الماراثونات التي ستستغرق مدة أكثر من مدة إعدادها في وزارة المالية ، ستعرض الموازنة للتصويت في مجلس النواب لكي يصار إلى إقرارها بالتوافق وربما بعدم رضا هذا او ذاك ثم تحال إلى رئاسة الجمهورية ل(ختمها ) او المصادقة عليها لأنها كقانون غير خاضعة للنقض ، وبعد ذلك تتم إجراءات نشرها في الجريدة الرسمية ( الوقائع العراقية ) وبعد النشر ستباشر وزارة المالية بإعداد تعليمات تنفيذ الموازنة ونشرها وأعمامها لوحدات الصرف لغرض البدء في التنفيذ بأثر رجعي من بداية العام الحالي ، وفي أحسن الأحوال فان الموازنة ستبصر النور في نيسان القادم وهو ماتعودنا عليه في موازنات ما سبقها من السنوات .
ومهما كان لون وطعم ورائحة موازنة 2021 فإنها غير مكتملة الأركان لأنها فقدت العديد من الأسس المتعارف عليها كونها لم تعتمد أربعة عناصر مهمة ، وهي التعداد العام للسكان والحسابات الختامية للسنوات السابقة ودور مجلس الخدمة الاتحادي وعدم اعتمادها لمعايير محددة لغرض المقارنة والقياس ، ولكنها ضمنت مصالح اغلب الجهات الضاغطة او المؤثرة على تعديلها مما يجعل إقرارها بشكل يسمح أن يقال عنها بأنها موازنة ( مصالح ) وترضية إلى حد كبير ، والحكومة أول من ضمنت مصلحتها عندما اعتمدت سعر الصرف الجديد البالغ 1470 دينار لكل دولار ، فقد ورد هذا السعر في لحظات إعداد الموازنة من قبل وزارة المالية ثم قام البنك المركزي باعتماده فيما بعد وبشكل غير قابل للنقض باعتباره جهة مستقلة ، ولأغراض انتخابية او غيرها فقد تمت الطمأنة بعدم وجود استقطاعات او ضرائب على الموظفين والمتقاعدين وكأنها مكرمة من السياسيين تضمن قبول الملايين منهم دون احتجاج ، والموازنة لم تغفل مصالح الكتل الحزبية وإقليم كردستان وممثلوا المكونات والمحافظات بالحد الذي تسمح به الموارد الحالية على حد تصريحات من يعنيهم الأمر ، وتضمنت الموازنة خطوطا عامة بخصوص زيادة تخصيصات شبكة الحماية الاجتماعية ودعم الفلاحين وإقراض القطاع الخاص كما تم ضمان مصالح جهات أخرى على أسس ( العدالة والمساواة ) ، فحتى المقاولين خصصت لهم مبالغ لإعادة تسعير أعمالهم بما يضمن عدم تأثرهم بسعر الصرف الحالي لتفادي تعرضهم لنكبات ، والأمر الذي تجاهلته الموازنة وادعت اللجنة المالية انه ليس من اختصاصها هو سعر صرف الدولار وما تركه من اثار ، فالسعر الجديد وزع الأذى بهرم مقلوب يبدأ رأسه من القاعدة الذي يمثل الفئة الاكثر فقرا من السكان وهم الأسرع تأثرا بالسعر الجديد وينتهي بقاعدة تمثل فئة محدودة من السكان ربما استفادوا من السعر الحالي ولم يتضرروا بمقدار كبير ، وصحيح إن الموازنة المعدلة فيها شطارة في تقليل العجز لتفادي الاقتراض وما ينجم عنه من التزامات ، ولكنها لم تراعي كل مصالح الفقراء ومحدودي الدخل الذين انخفضت قدراتهم الشرائية بمعدل 25 – 40% بتغيير سعر الصرف ، فكل الأسعار ارتفعت رغم انخفاض مبيعات ( مزاد ) العملة لأكثر من 50% والتجار لا يمكن محاسبتهم لأنهم يبيعون بأسعار الصرف التي اعتمدها البنك المركزي ، وانخفاض القدرات الشرائية وارتفاع أسعار السلع يجعل كل ( المكاسب ) الموجودة في الموازنة معدومة الأثر للمواطنين الاعتياديين لأنها تضر معيشتهم بسبب تغيير أسعار بما يشمل كل الأشياء ، فالفرق بسعر الصرف تحول ليكون مصدرا لتمويل الموازنة قبل نفاذها أي منذ تغيير سعر الصرف في كانون الأول 2020 وإيرادات تغيير سعر الصرف قدرت ب12 تريليون دفعت من القدرات الشرائية للمواطنين ، وسعر الصرف تغير بمقدار 23% رسميا ولكن أثره على الأسعار زاد عن ذلك بكثير مما يعني إن الموظفين وغيرهم استقطعت من رواتبهم 25% على الأقل بمختلف درجاتهم قبل بدء الموازنة ، كما إن المشمولين بالحماية الاجتماعية سوف لا يعوضون بقدر ما فقدوه قبل الموازنة إلا إذا منحتهم الموازنة زيادة في التخصيصات تزيد عن 40% على الأقل ، ومع إن التصريحات تفيد بعدم شمول الموظفين وغيرهم بالاستقطاعات ألا أنهم فقدوا أكثر من 25% من قدراتهم الشرائية بسبب سعر الصرف إلى جانب إبقاء الضرائب عليهم كما كانت في عام 2020 ، بمعنى إنهم خضعوا لضريبة او استقطاع او تضخم بأسعار السلع والخدمات بشكل مبطن يفوق ما كان مقترح كاستقطاعات قبل التعديل ، أما العاملون في القطاع الخاص والعاطلون عن العمل ومحدودي ومعدومي الدخل فقد كانت لهم أمنيات لم تتحقق بإعادة سعر الصرف السابق او جعله 1300 دينار بالاستفادة من تغيير سعر النفط ، وبما يساعدهم في تدبير الحد الأدنى من أمور الحياة وينقذهم من جشع الجشعين ، وتلك كانت مصلحتهم التي لم يدافع عنها أحدا بعد ولا يزالوا يأملون بلوغها لان الموازنة لم تقر بشكلها النهائي وان كان العذر عدم التدخل بعمل البنك المركزي ، ويا سبحان الله كم لدينا استقلالية في عمل الهيئات المستقلة في العراق حتى عندما يتعلق الأمر بنصرة الضعفاء .