وجود قليل من الخوف داخل العلاقات العاطفية والزوجية أمر صحي، لأنه يجعل الأطراف تبذل ما في وسعها من أجل الحفاظ على بعضها البعض.
إذا كنت تشعر بالرعب من فقدان حبيبك أو شريكك، فإنك ستفقده لا محالة، ذلك أن العلاقة التي يحكمها الخوف ويتحكم في ديناميتها عامل الرهبة والترقب، لا يمكن أن تنجح وتستمر، فإذا استمرت فلأن طرفا واحدا على الأقل يضحي بسعادته وحياته لأجل هدف يراه أسمى وأبقى مما يقدمه من تضحيات.
يتحول الخوف المبالغ فيه في العلاقات العاطفية والزوجية مع الوقت إلى عامل مساعد للوصول بها إلى جدار مسدود لا رجعة منه، وينتهي في الغالب بحصول المكروه الذي طالما حاولنا تجنبه أو الحيلولة دون وقوعه.
وجود قليل من الخوف داخل العلاقات العاطفية والزوجية أمر صحي، لأنه يجعل الأطراف تبذل ما في وسعها من أجل الحفاظ على بعضها البعض وجلب اهتمام الآخر والبقاء داخل مركز مشاغله الذهنية والجسدية، لكن الأمور تتعقد وتصبح منذرة بالخطر إذا ما خرج الخوف من فقدان الحبيب أو الشريك، عن حده المعقول وتجاوز الطبيعي والصحي ليدخل في خانة الشاذ والمرضي.
متى نخاف ولماذا نخاف؟ يحدث هذا عند حصول أمرين على الأقل: الأول عندما تهتز ثقتنا بأنفسنا ويزداد ارتباكنا أمام الطرف المقابل نتيجة تفوقه مثلا أو نجاحه أو جماله أو ماله، أو غير ذلك، وهي نفس العوامل التي دفعتنا، على الأرجح، إلى حب هذا الشخص والارتباط به، ولأنها لعبت هذا الدور معنا، فنحن نخشى دائما من أن تلعبه مع غيرنا فيحصل الانجذاب الذي نتوقعه. تصاب العلاقة في هذه الحالة بما يشبه المرض الذي تعمد فيه الخلايا إلى مهاجمة نفسها ويتحول فيه جهاز المناعة المكلف بحماية أجسادنا إلى عدو شرس يهاجم خلايانا ويفتك بها. والأولى بعوامل الجمال والنجاح والتفوق والثروة أن تكون محفزات على السعادة وأسسا لحياة مميزة، لكنها في بعض الأحيان تتحول إلى عوامل معرقلة ودافعا إلى الفشل.
السبب الثاني الذي يجعلنا نعيش في رعب دائم من فقدان حبيب أو شريك هو أن يكون هناك بالفعل سبب مباشر أو غير مباشر لهذا الخوف الذي يتنامى ويتجـذر مع الـوقت ليصل إلى مرحلة معقـدة. الأسباب كثيرة بالطبع، كأن يكون لدينا نوع من اليقين بأن الشريك لم يخترنا لأنفسنا وإنما لدوافع وضغوطات خارجية، أو كأن نكـون مصابين بمرض أو عقـم أو علـة نفسية ما.
في جميع الحالات السابقة وغيرها من الحالات يبدأ الطرف “الخائف” بممارسة ضغط نفسي نابع من مخاوفه على الطرف المقابل، وفي الغالب يعمد إلى تصريف مخاوفه عبر قناتين: إما بالتضييق على الطرف المقابل وتحويل حياته إلى جحيم دائم من الأسئلة والملاحقة والتذمر والشكوى، وإما بالدخول معه في مسابقة ومنافسة شاقة مؤلمة من أجل بلوغ ما بلغه من مال أو جمال أو ثروة أو نجاح أو شهرة أو ثقافة أو غيرها من العوامل المحركة لخوفه. غير أن الخوف من فقدان عزيز ينتهي باتباع خطوات بسيطة ودقيقة في نفس الوقت تبدأ من الاعتراف بأن خوفنا طبيعي، وعدم وجوده أخطر من وجود نسبة معينة منه داخل كل علاقة. الخطوة الثانية تتمثل في التسليم بأننا لا نستطيع أن نسيطر ونسير الأمور جلها وفق رغبتنا، وأن هناك أشياء تحدث في حياة كل منا خارج منطقة إرادتنا لأنها يجب أن تحدث ببساطة كبيرة، كأن نفقد شخصا نحبه. الأمر الآخر الذي من شأنه أن يساعدنا على السيطرة على مخاوفنا، هو التركيز على السعادة التي توفرها العلاقة في لحظتها الآنية والاستمتاع بالشريك إلى أقصى حد ممكن دون مخاوف وأعراض جانبية منغصة، وفي القبول والاعتراف بأن خوفنا يعقد الأمور ويشلها أكثر، وأيضا في قبول الحياة ومتغيراتها والتحلي ببعض المرونة التي تفرضها علينا دورتها الطبيعية، فإذا كنا قد قبلنا الموت وسلمنا بحتميته، فكل فقدان سواه يهون.
نقلا عن العرب