من البديهي إن يكون أبناء كل دولة أو مدينة في هذا العالم أجدر بحكمها وهنالك أدلة تاريخية معروفة . ابدأها بسيد الرسالات الإنسانية رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رسولا ونذيرا لقريش والعالم العربي والإسلامي من بني هاشم ولا يوجد في سجلات الحضارات الإنسانية إن يهيمن على حكم بلد أو مدينة حكماء وسياسيون ليسوا من أبنائها وهو ما يشبه الاحتلال تماما . وقد يفرض المرء البعض على إن ليس من الضروري الحاكم من أهل وأبناء نفس المدينة وأخالفهم الرأي . لكنني أعيد القول بان الأغلبية أيضا يجب تكون من الغرباء ومن الذين لا يفقهون ولا يعرفون طبيعة ساكني هذه المنطقة وأعرافهم وتقاليدهم وحضارتهم قديما .
وما يحدث اليوم في محافظتي العزيزة الغالية التي ينصهر فيها الغرباء ويصدق فيه رسميا وتم تسليم عنق هذه المدينة التاريخية بيد الغرباء من كل جانب متلاعبين بمصيرها ومصير أبنائها الطيبين , بلا أي رادع وهو ما يجب الوقوف عليه والاحتكام إليه جيدا , وما تمر به الانبار اليوم كارثة إنسانية بسب انقضاض الغرباء الذين انقضوا عليها من حكام وساسة ومسؤولين كبار من الاحزاب التي دخلت الانبار من اوسع الابواب وتسلمت السلطة في دوائر الدولة ومؤسساتها الامنية والمجالس البلدية ومجلس المحافظة والبرلمان من كل حدب وصوب وكان حجم الدمار والحرق هائل للإسقاط تاريخ هذه المدينة من اجل الثائر والانتقام لا أكثر , ليس هذا مجاز في اللغة ، بل حقيقة ناطقة بإشارات اللهب ، الانبار الآن تحترق بالقطعة ، وربما تنزلق إلى يوم الحريق بالجملة ، وعند أول ناصية خطر ، وأول إشارة مرور إلى الجحيم . صورة الانبار الجديدة ـ في عين الكاميرا ـ تبدو لمحافظة تحترق ، ولا يكاد يمر يوم واحد دون تفجير وحريق كبير ، اليوم بدأت التفجيرات تعود من جديد إلى المحافظة المسكينة .
الانبار اليوم تحترق من الجنوب للشمال ومن الشرق للغرب ، حرائق هائلة وتفجيرات متوالية لسلسلة من الإعمال النارية التي تنطلق يوميا في مناطق كبرى كانت وما زالت يلقبها الأحباب مدينة السلام ، واحترقت مدينة العز والكرامة الرمادي في مناطق مختلفة ـ لعشرات الشوارع والمنازل ، ولا أحد يصدق الأسباب المعلنة من السلطات السياسية ، ومن عينة انفجار ومن أية جهة ، أو عود ثقاب ألقى به عاطل على العمل ، فلا أحد يصدق أن مصادفات صغيرة تنتهي إلى حرائق كبيرة ، وبأحجام دمار مفزعة ، وغموض وتضارب في الأقوال ، وحرائق تستمر لساعات طويلة ، وأحيانا لأيام ، وتشل مظاهر الحياة في بغداد تماما ، ثم أن الحرائق موصولة ، وبوتيرة متصارعة ، وقبل شهور كانت التفجيرات تضرب مواقع حكومية .
ومن بعده اليوم أصبحت التفجيرات تضرب المواطن نفسه ، ثم عشرات التفجيرات والحرائق الكبرى من بعد ومن قبل مثل ما حدث في مدن الرمادي والفلوجة ، وكأن هناك يدا خفية تنتقل باللهب والتفجير ، ولأسباب لا تبدو مقنعة، وحتى لو كانت أسبابا حقيقية وواردة الاحتمال ، لكن لا أحد يصدق ، وكيف يصدق أحد دولة تحترق بالعجز، وسوس الفساد ينخر في عظامها البالية ، وتدني الكفاءة وانحطاط الأداء يبدو ظاهرا في قلب الصورة ، وزوال الجهاز المدني والبيروقراطي يبدو جليا ، فقد ظهرت جميع القوى .
عاجزة عن إطفاء نار التفجيرات في الرمادي عاصمة الانبار الحبيبة ، رغم أن التدخل للحكماء لإطفاء نار الحرائق والتفجيرات من أحكام العادة المستجدة في الانبار الجديد ، وكأننا بصدد حرب تشتعل لأسباب لم يعرفها احد ، وظهر الأداء الحكماء غاية في التواضع ، وظل الناس يتندرون ، ويطلقون النكات أيام حريق الشوارع ، وهم يرون جهاز الأمن تحوم كطفل تائه، وتلقي بمخزون اللوم على الساسة في هذا البلد العنيد ثم كان استدعاء بان كي مون في الحفاظ على الأمن اليوم في محافظات العراق بلا بديل ، فقد بدا حريق التفجيرات اليوم المهول كأنه يد النار في طريقها لالتهام مدينة ، وبدت قصة العاطل وعود ثقابه كأنها الإشارة الرمزية لحرائق تأتي ، وأيقظت في الذاكرة وقائع حريق الانبار ، ودون إن يعرف أحد أسبابه إلى الآن ، وتحول إلى موضوع بحث تاريخي مسكون بالألغاز والروايات المتضاربة .