26 نوفمبر، 2024 10:09 ص
Search
Close this search box.

من يحرس القيم ؟

ماهو مفهوم القيم؟ وما علاقة الدولة بها؟ من يحرسها .. هل  الدولة ممثلة بالحكومة كسلطة تنفيذية ام المجتمع ” مؤسسات المجتمع المدني اوالمؤسسة الدينية”؟ ما دور الدستور في حراسة القيم؟ وهل حراسة القيم يقتصر على هذه الفئات ام ان اطرافا اخرى تمنح  نفسها حق الحماية  ووفقا لاي قانون او عرف؟
كل هذه الاسئلة او اخرى كثيرة ومتشعبة يمكن طرحها على صعيد هذه القصة التي بدات تاخذ لدينا ابعادا مختلفة بسبب اختلاط مفاهيم الحرية والديمقراطية بين ان تكون مجرد سلوك فردي وبين ان تنتظم في اطار مؤسساتي. من الواضح اننا نعاني اشكالية تعددية الاطر الخاصة بحماية قيم المجتمع مع عدم الاخذ بنظر الاعتبار ان هذا المجتمع تعددي دينيا وعرقيا ومذهبيا ناهيك عن التعددية الفكرية بين ماهو ديني او علماني. وبسبب هذا الاختلاط وعدم وضوح الرؤية  فقد تعددت مؤسسات حماية المجتمع وحراسة قيمه في وقت يتعرض فيه هذا المجتمع الى شبه ابادة جماعية من خلال مفخخات الارهاب واحزمته الناسفة التي تنطق هي الاخرى باسم قيم اخرى تعمل على حراستها ايضا.
في العراق بدات الاشكالية مع الدستور بوصفه العقد الاجتماعي الذي له علوية على الجميع. لكن ماحصل امر مختلف. فما يفترض انه مرجعية ثابتة تحول الى اشكالية نبحث لها عن حل  في ركام المشاكل والازمات. الدستور تحول الى نقطة خلاف بل وخصم وحكم في كثير من الاحيان. ينطبق هذا على مواد كتبت للترضية ووضعت لها اسقف زمنية ولم تطبق. المادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازع عليها حيث وضع لها سقف زمني امده نهاية 2007 والمادة 142 الخاصة بالتعديلات الدستورية التي وضع لها سقف زمني امده اربعة شهور.
 يضاف الى ذلك ان من “سلق” الدستور ترك عشرات المواد الدستورية دون تحديد قانوني حيث بقيت عبارة “ينظم بقانون” سائبة حتى اليوم. واذا كنا حتى الان وسنبقى لفترات طويلة قادمة غير قادرين على حسم “دستورية الدستور” اولا فكيف يتسنى لنا المضي قدما نحو بناء مشروع اجتماعي قيمي يستطيع من خلاله الجميع سواء كانوا مسلمين ام مسيحيين, صابئة ام يزيديين. عربا ام كردا اوتركمانا, متدينين  ام ملحدين ام بين بين  العيش تحت سقف دستور يفترض انه عقد اجتماعي ملزم للجميع ويرى فيه الجميع  ضمانة لما يمارسه من معتقدات وقيم وادوار وسلوكيات بدون الحاجة الى استدعاء شرطة الاداب القديمة او تشكيل افواج طوارئ  جديدة يراد لها حراسة القيم.
ولعل من بين اخطر ما بات يختلط لدينا الان هو ان “الاغلبية المتدينة” في العراق باتت تتهم  “الاقلية العلمانية” بانها تريد انتهاك قيم المجتمع باسم الحرية . بينما العلمانيون يتهمون رجال الدين والاسلاميين والمتاسلمين بانهم يريدون تحويل بغداد المدينة التي تضج بالحياة من وجهة نظرهم الى قندهار. ماهو الحل الذي يمكن اقتراحه للخروج من هذا المازق المجتمعي؟ الحل يكمن في عدم الوصاية. لا الاقلية العلمانية تملك الحق في احتكار الحرية ولا الاغلبية المتدينة تفرض دكتاتورية تبيح لها حق احتكار الدين الذي لا اكراه فيه وذلك بفرض تعاليمه قسرا على المجتمع. ان اقل ما نحتاج اليه هو ان نعرف الفارق بين الحدود التي يجب تنفيذها وفق الشرع او تلك التي يتوجب درأها بالشبهات؟    

أحدث المقالات